عندما تجتمع أزمة التغير المناخي والتمييز العرقي واللامساواة الاقتصادية معاً؛ يدرك الناشطون الاجتماعيون ومنهم العديد من الناشطين اليافعين أنه حتى أكثر سياسات التغيير طموحاً لن تحقق تغييراً دائماً بالاعتماد عليها فقط؛ تتطلّب مثل هذه الأوقات تحوّلاً ثقافياً بعيداً عن مفهوم الاستخراج والاستهلاك، فالدعوة إلى مداواة كوكبنا والقضاء على تفوق العرق الأبيض هي دعوة إلى بلورة أرواحنا وتنميتها قبل كل شيء.
هذه مهمة معقدة، وخاصة بالنسبة للجيل غير المناسب لأي دين في الولايات المتحدة، فعند سؤالنا؛ اختار حوالي 44% من جيل الألفية الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 عاماً خيار "لا شيء مما سبق" من قائمة الانتماءات الدينية؛ أكسبهم هذا لقب "اللادينيين" ضمن مؤسَّستنا "الراهبات واللادينيون" (Nuns and Nones)؛ وهو تحالف هدفه إنشاء مجتمعات تتصف بالالتزام والتأمُّل تحثّ على اتخاذ خطوات اجتماعية جريئة.
يخسر جيل الألفية والأجيال الأصغر سناً المنفصلة عن المؤسَّسات الدينية كمّاً هائلاً من المنافع؛ مثل المجتمع المنظَّم، والدعم المعنوي، والأماكن التقليدية التي أشعلت التغيير الاجتماعي تاريخياً، وليكن الدور المحوري للكنيسة السوداء في حركة الحقوق المدنية مثالاً على ذلك. يعوّض الناشطون اليافعون عن افتقارهم إلى بنية الدعم الديني أو الروحي اليوم خلال مسيرتهم؛ ويقومون بذلك غالباً بمفردهم.
تأسيس مجتمع جديد
في الوقت ذاته؛ أمضت الراهبات الكاثوليكيات حياتهن في مجتمع روحي ليخدمن الفقراء والمهمَّشين مدى الحياة، ويطلَق عليهن غالباً النساء المتدينات أو الأخوات؛ بعد حركة التجديد في الكنيسة الكاثوليكية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تخلَّت معظم الأخوات عن عاداتهن التقليدية وأسلوب حياتهن المنعزل، وبدأنَ بتقديم الخدمات في الأماكن التي يعتبرنها أشد حاجة، مع مواصَلة العيش مع بعضهن في المجتمع؛ يشمل عملهم في الوزارات في الوقت الحاضر: تقديم المشورة القانونية للمهاجرين، وإدارة مزارع العدالة البيئية، والاحتجاج على إنشاء خطوط أنابيب الوقود الأحفوري.
ومع ذلك؛ تواجه الأخوات الكاثوليكيات المعاصرات تحدياً؛ حيث يوجد في الولايات المتحدة حوالي 30 ألف راهبة كاثوليكية، وهو ربع عدد الراهبات في أواخر الستينيات، كما أن متوسط أعمارهنّ 80 عاماً، وإن الانخفاض الكبير في عدد النساء اللواتي يصبحن راهبات، دفع هذه المجتمعات إلى البحث عن وسائل جديدة ومبتكَرة ليشاركن أسلوب حياتهن.
لكن بالنسبة لمراقب خارجي، قد يبدو انضمام الناشطين اليافعين الذين تتنوّع انتماءاتهم الروحية إلى الأخوات الكاثوليكيات مستبعَداً، بل حتى يُعَدّ غريباً؛ لكن خلال الفترة التي أُجريَت فيها بعض عمليات التبادل المنظَّمة في عام 2016، بين ما يقارِب 20 ناشطاً يافعاً وراهبة أكبر منهم سنّاً، أدركت المجموعتان أنهما تتشاركان دافعاً مماثِلاً، يتمثَّل بدمج التحول الشخصي مع السعي المتواصل لتحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية. أدت حواراتهم إلى تشكيل مؤسَّسة "الراهبات واللادينيين".
شكّلت عمليات التبادل الأولية التي أجريناها شرارة أطلقت شبكةً من 12 مجموعة محلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، في مواقع مثل بوسطن وشيكاغو وغراند رابيدز وميشيغان ومينيابوليس ومينيسوتا وبيتسبرغ وبنسلفانيا والعاصمة واشنطن ومنطقة خليج سان فرانسيسكو، ويعقد المنظِّمون المحلّيون لقاءات وحلقات حوارية ومعتكفات وفعاليات تنظيم حركات باستمرار.
الدمج بين المجتمع والتأمُّل والعمل الاجتماعي
نسعى في مؤسَّسة "الراهبات واللادينيين" إلى إنشاء "هيكلية معبَر" تتيح للأفكار والموارد التدفق بحرية بين الأجيال والأديان. نحن نتصوّر عالماً يستطيع فيه الناشطون اليافعون الاطلاع على نموذج للحياة التأمُّلية، ويُقدَّم فيه الدعم للراهبات في تخيُّلهنَّ لأسلوب حياتهنّ المستقبلي داخل المؤسَّسات الدينية وخارجها.
كما تواصل شبكتنا الوطنية اختبار البرامج الجديدة التي تدمج بين المجتمع والتأمُّل والعمل، فمثلاً انتقل 5 أفراد لادينيين في عام 2019 – ونسميهم أيضاً السُعاة – للعيش مع راهبات الرحمة في مدينة بورلينغامي في ولاية كاليفورنيا لمدة 6 أشهر كجزء من برنامج إقامة تجريبي، كما جمع برنامج آخر بين أكثر من 200 راهبة وساعٍ لحضور دورة تدريبية على الإنترنت حول الاقتصاد التجديدي، وناقشوا فيه كيفية تجاوز الممارَسات الاقتصادية التي تمنح الربح قيمةً أكبر من الأشخاص والكوكب. وفي الخريف الماضي؛ تكاتف مئات الأفراد من شبكتنا لحثّ الناس على التصويت، والحفاظ على سلامة الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية.
نحن لا نعمل بمفردنا؛ حيث بدأت تبرز شبكة ناشئة من المجموعات الوطنية لتلبية حاجة الناشطين الاجتماعيين إلى توفير مجتمع روحي خارج إطار المؤسَّسات الدينية، على سبيل المثال؛ صمَّم "مشروع التأسيس" (The Formation Project) برنامج أقلمة حديث مدته عاماً كاملاً للمترهبنات؛ وهو التدريب والتهيئة اللذان تخضع لهما الأخوات قبل إلقاء العهود النهائية، ويُعَدّ "مشروع الروح المتصوِّفة" (The Mystic Soul Project) مثالاً آخر؛ وهو مجتمع أنشأه الأفراد أصحاب البشرة الملونة لصالحهم لاستكشاف النشاط والتعافي والروحانية، ويقدِّم برنامج "حراك رجال الدين" التدريبي (Movement Chaplaincy) التابع لشبكة "الشؤون الإيمانية" (Faith Matters Network) الدعم الروحي للأشخاص المشاركين في حركات العدالة الاجتماعية.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.