
تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثاني من سلسلة "ما الذي تعلمناه من العمل خلال الأزمات عن العمل التعاوني وتحقيق الأثر؟"، التي تحدثنا في جزئها الأول عن إتقان الاستراتيجيات التي تخدمنا خلال الأزمات، وسنتابع في هذا الجزء الحديث عن النهج الناجحة التي اتبعتها مؤسسة غير ربحية في عملها خلال الجائحة.
2. تنحية الأنانية
لا تحتاج إلى وقوع أزمة لتتعلم "أنه لا يوجد ‘أنا'" في الفريق، لكن الضغط الذي تسببه الأزمة يكشف عن تنوع السبل التي قد تصبح فيها الأنانية جزءاً من المعادلة، حتى في العمل الموجَّه لتحقيق مهمة محددة. تتنافس المؤسسات على المكانة أو الشهرة حتى تؤمن التمويل الذي تحتاج إليه للصمود. يتنافس الأفراد في سبيل الحصول على فرص للتحدث وغيرها من أوجه التقدير. بعبارة أخرى، تتطلب تنحية الأنانية جانباً قدراً كبيراً من الانضباط، فهي تعني تحطيم العادات القديمة واعتناق عادات جديدة. وقد تعني دفع الفرد ثمناً على الصعيد الشخصي في سبيل الصالح العام، أي "التضحية من أجل الفريق" كما يقولون.
يعد لاعب كرة السلة "كيفن غارنيت" نموذجاً ممتازاً عن ذلك. كان أفضل هداف في فريق "مينيسوتا تمبر ولفز" (Minnesota Timberwolves) لمدة 10 سنوات، ثم انتقل إلى فريق "بوسطن سيلتيكس" (Boston Celtics)، الذي كان يضم لاعبين لامعين آخرين، فانخفض أدائه في تسجيل الأهداف وفي زمن اللعب انخفاضاً شديداً. لكن بدلاً من أن يشتكي أو يتمرد، ركز "كيفن" على اكتشاف أفضل طريقة ينفع بها فريقه الجديد، وهي اللعب في خط الدفاع. ساعدت مساهمته الفريق على الفوز ببطولة الدوري وحصل على جائزة أفضل مدافع في تكريمات ذلك العام، ليثبت أن "التضحية في سبيل الفريق" تعود بالنفع على المستوى الشخصي أيضاً.
لم تساعد تنحية الأنانية خلال الجائحة أعضاء مبادرة "خلية عمل الجائحة" على تعزيز تعاونهم معاً فحسب، بل عززت تعاونها مع مؤسسات أخرى خارج مجموعتنا. فمثلاً للحد من الارتفاع العالمي لحالات الإصابة بفيروس "كوفيد-19" في أواخر صيف عام 2020، أطلقنا حملة "أسبوع الكمامات العالمي" (World Mask Week)؛ وهي حملة جمعت مجموعة واسعة من الشركاء من القطاعين العام والخاص لتركيز التوعية بضرورة ارتداء الكمامات. قدمت المبادرة لهم مجموعة أدوات، لكننا شجعنا الشركاء أيضاً على اتباع أي أسلوب يناسبهم لزيادة الوعي حول هذه القضية.
لا يهم تصنيف (hashtag) التابع لأي علامة هو الذي انتشر أكثر، بل كان المهم أنه بحلول نهاية ذلك الأسبوع، سمع مليارات الناس حول العالم أن وضع الكمامة هو أحد أبسط التدابير وأهمها التي يمكنهم فعلها لحماية أنفسهم والآخرين. لو كان كل واحد منا يمنح الأولوية لحملته الخاصة، لما حققنا هذا الانتشار.
نحّى أعضاء مؤسسة "سي إيه إف-آفريكا" أنانيتهم جانباً في سياق أكثر حساسية حتى، وهو المال. لبدء التحالف، شارك الأعضاء معلومات تواصل المانحين في مؤسَّساتهم مع المجموعة، وهذا ولّد 100 عميل محتمل تقريباً. وأعاد بعض الأعضاء توجيه العروض الفردية التي تلقَّوها من المانحين وطلبوا منهم التبرع إلى مؤسسة "سي إيه إف-آفريكا" عوضاً عن ذلك.
إن الأنانية متسترة. علينا أن نبقى يقظين لإبعادها عن عملنا التعاوني. يمكننا إطلاق العنان لإمكانات أعظم لعملنا وتقدمنا، من خلال منح الأولوية للمهمة المشتركة في كل يوم يمر، مع كل شريك لنا.
3. التصرف العاجل
تعني الاستجابة الفعالة للأزمة مجاراة وتيرة المشكلة. لكن التصرف العاجل يساعد أيضاً على تحقيق مكاسب ضد التحديات الطويلة الأمد. بنى قطاع التكنولوجيا سمعته على فكرة الابتكار السريع هذه، ويقول "ريان سيشور" مؤسِّس مؤسَّسة "كود ناو" (CodeNow): تستطيع المؤسَّسات غير الربحية العمل بوتيرة مماثلة، "إلا أننا لا نولي اهتماماً كبيراً للتحرك العاجل وإفساد الأمور، بقدر ما نولي اهتمامنا للتحرك العاجل وتقديم المساعدة لهم".
بالنسبة للعمل التعاوني في مجال الأثر الاجتماعي، يتجسد التصرف العاجل في مواجهة التحديات دون انتظار المؤسسات العالمية الكبرى لمعالجتها أو انتظار دعوتها للانضمام إليها لمعالجة تلك التحديات، وفي تحديد مواعيد نهائية صارمة وبذل قصارى جهدك مع المعطيات الحالية التي في متناول يديك، بدلاً من انتظار الحصول على الإجابة أو الخطة المثالية.
يجسد نقص الأكسجين الطبي في الهند مؤخراً سبب أهمية التصرف العاجل. فبمجرد أن تصدر عناوين الصحف في أبريل/نيسان 2021، أسس الخبير الاقتصادي رامانان لاكسمينارايان مؤسسة تسمى "أكسجين فور إنديا" (Oxygen for India) لتوصيل أسطوانات الأكسجين وأجهزة توليد الأكسجين لمزودي الخدمة والمرضى مجاناً. بدلاً من انتظار كتلة حرجة من الأموال أو الأعضاء أو المستفيدين، اقتحم رامانان الميدان بجمع التبرعات من شبكة علاقاته الشخصية. وقد مكن هذا المجموعة من تقديم بعض المساعدة الفورية ولفت الانتباه إلى الجهد المبذول. وخلال شهر واحد فقط، جمعت مؤسسة "أكسجين فور إنديا" أكثر من 20 شريكاً مؤسسياً وسلمت 2,500 أسطوانة أوكسجين وأكثر من 1,500 جهاز توليد أكسجين للمحتاجين.
كانت مؤسسة "سي إيه إف-آفريكا" سباقةً أيضاً في معالجة نقص معدات الحماية الشخصية للأخصائيين الصحيين المحليين. كان العديد من المؤسسات، مثل "كوميونيتي هيلث إمباكت كواليشن" (Community Health Impact Coalition – CHIC)، على دراية بجوانب المشكلة، واجتمعت في أبريل/نيسان عام 2020 لتحليل المشهد العام وجمع الأموال وشحن معدات الحماية الشخصية على طائرات الشحن إلى ليسوتو وزيمبابوي ودول أخرى. لم تطرح هذه القضية في جداول أعمال الوكالات العالمية الكبرى إلا بعد مرور عام. لو انتظرنا دعوة أو مبادرة ما، لبقي نصف مليون عامل دون معدات الحماية الشخصية حتى الآن. لكن على العكس، فبحلول نهاية عام 2020، كانت مبادرتنا خامس أكبر مشترٍ لمعدات الحماية الشخصية في العالم.
ما بعد حالة التأهب خلال الأزمة
تجبر الأزمات مثل أزمة جائحة "كوفيد-19" المؤسسات على تنحية تفضيلاتها وعاداتها التقليدية جانباً، واعتماد الخطط والشركاء الذين يساعدونها على اتخاذ إجراءات هادفة وفورية. وعلى الرغم من أننا تناولنا تطبيق الاستراتيجيات الموضحة في المقالة خلال الأزمات، تستطيع المؤسسات أيضاً اختيار اعتمادها في حالات أخرى.
كل شخص في القطاع الاجتماعي يلبي حاجة ملحّة. فإن توفير الأمن الغذائي مهم سواء أحدثت مجاعة أم لا، واتخاذ الإجراءات المناخية ضروري بغض النظر عن مقدار مساحة الأراضي المشتعلة. فمهما تكن المهمة، تعرقل القيود الهيكلية والدوافع الأنانية التقدم لتحقيقها، لذا علينا إبعادها عن طريقنا.
يساعدنا العمل التعاوني والتعاون معاً على التصرف العاجل المجرد من الأنانية، في الوفاء بالتزامنا بتحقيق الأثر المنشود والتركيز على ما يهم فعلاً. نحن نعتمد على هذه الاستراتيجيات عندما يستلزم وقوع الأزمة ذلك، لكنها في الواقع قابلة للتطبيق في أي وقت وحال.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.