
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثالث من سلسلة "استثمار الذكاء الاصطناعي في سبيل الإحسان" والتي تحدثنا في جزئها الأول عن حلول الذكاء الاصطناعي وخصائص استثماره الناجح في سبيل الإحسان، وكيفية إنشاء إطار عمل لتقييم التأثيرات المحتملة للذكاء الاصطناعي في سبيل الإحسان. وفي جزئها الثاني تحدثنا عن مجالين من المجالات الثلاث لاستثمار الذكاء الاصطناعي في سبيل الإحسان. أما اليوم في الجزء الثالث فسوف نتحدث عن المجال الثالث لاستثمار الذكاء الاصطناعي في سبيل الإحسان، وأبرز أدوات الذكاء الاصطناعي المتوفرة في مجال الأثر الاجتماعي.
3. التنبؤ بالناتج الزراعي في المناطق التي يسيطر عليها أصحاب الحيازات الصغيرة
إن أحد العوامل الصعبة ولكن الأساسية التي تسهم في النظم الغذائية المستدامة هو التقديرات الدقيقة وفي الوقت المناسب للناتج الزراعي. وإن هذه التقديرات بالغة الأهمية في اتخاذ قرارات سياسية مدروسة توفر الدعم الذي يحتاج إليه المزارعون وتضمن حصول ملايين الأشخاص على الغذاء.
في البلدان الثرية، توفر خوارزميات التنبؤ بالإنتاجية القائمة على الأقمار الصناعية -المدربة على البيانات الإدارية والمستخلصة من المزارعين حول استخدام الأراضي، وتعيين حدود قطع الأراضي، والجداول الزمنية للزراعة- هذه التقديرات بشكل دوري طوال الموسم الزراعي. هذا يتيح للمزارعين اتخاذ قرارات أفضل متعلقة بالتخطيط. تساعدهم الخوارزميات في الحصول على المستلزمات الزراعية الصحيحة (بما في ذلك البذور الهجينة والأسمدة والمبيدات الحشرية) للحقول المناسبة في الوقت المناسب، وتتيح للحكومات الاستجابة بسرعة للأزمات مثل الجفاف والأمراض.
لكن في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة، حيث تهيمن مزارع أصحاب الحيازات الصغيرة على الزراعة، لا يكون التنبؤ بالإنتاجية صريحاً. تتصف قطع أراضي أصحاب الحيازات الصغيرة بصغر الحجم، ويكون شكلها غير منتظم، وغالباً تحتوي على أكثر من محصول واحد، ما يصعب تحديدها أو تصنيفها في صور الاستشعار عن بعد. تكون البدائل المناظرة مثل إجراء تجارب تجزئة المحاصيل باهظة الثمن وبطيئة ومليئة بالتحديات القياسية على نطاق واسع، لهذا غالباً يتخذ المزارعون وواضعو السياسات الحكومية قرارات دون الاطلاع على المعلومات المهمة عن حالة الزراعة.
اليوم، أصبحت صور الأقمار الصناعية تتوافر باطراد للعامة، وتتميز بالدقة العالية والتحديث المستمر اللازمَين للتنبؤ على مستوى أصحاب الحيازات الصغيرة. على سبيل المثال، يجمع القمر الصناعي "سينتينيل 2" (Sentinel-II) صوراً لكوكب الأرض بأكمله كل 5 أيام تقريباً بدقة تبلغ حوالي 10 أمتار في كل بكسل. لولا صور الأقمار الصناعية، لتطلب الحصول على البيانات التدريبية لبناء نماذج الذكاء الاصطناعي مجموعة بيانات ضخمة تجمَع ميدانياً مقدماً، وهو احتمال يحتاج إلى عمالة ووقت مكثفَين تتضمن زيارات للمزارع وتجزئة للمحاصيل في المناطق الريفية النائية.
على الرغم من ذلك، أثبتت الأبحاث الرفيعة المستوى جدوى الاستعانة بصور الأقمار الصناعية لتقدير غلة المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة باستخدام الصور المتاحة للعامة. هذه الإثباتات للمفهوم محصورة عموماً بمحاصيل معينة في مناطق معينة، لكن من خلال الاستعانة بعدد أكبر من البيانات التدريبية والمساعي لبناء النماذج، يمكن أن يكون لديها:
إمكانات تأثير كبيرة (في عمق التأثير واتساعه):
يعمل أكثر من مليار شخص في قطاع الزراعة أو يعتمدون مباشرةً على المكاسب الزراعية للعيش. إذ تشكل الزراعة جزءاً لا يستهان به من الناتج المحلي الإجمالي للعديد من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهي أكثر قطاع يوظف الأشخاص على الدوام تقريباً.
الإمكانات التفاضلية للذكاء الاصطناعي:
باتباع الأساليب الحالية التي لا تعتمد على الذكاء الاصطناعي، من غير الممكن قياس الإنتاجية الزراعية بتكلفة زهيدة أو التنبؤ بدقة بالناتج الزراعي قبل الحصاد في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة.
مسار التوسع:
يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في توقع الناتج أن تتوسع بعدة وسائل مختلفة؛ إذ تستطيع أن تثري القرارات الحكومية ذات المستوى الرفيع التي تؤثر في الملايين، أو تتوسع من خلال مؤسسات الإرشاد الزراعي واسعة النطاق، أو تطبيقات الهاتف المحمول الموجهة مباشرةً إلى المستهلك.
تشمل الأمثلة على فرص الاستثمار البرامج التي توصي باللوازم الزراعية المصممة خصيصاً أو توجيه السياسة الزراعية الحكومية على الصعيد العام لزيادة الواردات الغذائية أو تخفيضها. كما هو الحال في التطبيقات الأخرى، يمثل نقص البيانات التدريبية عقبة رئيسية أمام التنبؤ بالإنتاجية على نطاق واسع في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة. يقتضي وجود العديد من المؤسسات والباحثين المختلفين الذين يعملون على حل مشكلات ذات صلة بهذا المجال، وجود معايير للتجميع والتصنيف. ستكون المبادرات مثل "مركز إم إل" (ML Hub)، التي أطلقتها مؤسسة "الأرض المتألقة" (Radiant Earth Foundation) مهمةً في استضافة ومشاركة البيانات التي يحتاج إليها جميع بناة النماذج لإنشاء الجيل التالي من نماذج التنبؤ بالناتج المبينة على الذكاء الاصطناعي.
إضافة إلى ذلك، بما أن البيانات التدريبية المستمدة من تجزئة المحاصيل أصبحت متاحة على نطاق أوسع، فإن تمويل إنشاء خوارزميات مدربة مسبقاً تؤدي أداءً جيداً نسبياً و"تلائم" المحاصيل الشائعة سيكون قيماً. على غرار تقنية "بيرت" (BERT) التي طورتها "جوجل" لمعالجة اللغة الطبيعية أو نموذج "في جي جي 19" (VGG19) لتصنيف الصور. تساعد النماذج المفتوحة المصدر المدربة مسبقاً علماء البيانات في التركيز على تعديل النماذج ذات الأداء العالي لتلائم حالة الاستخدام التي يعملون عليها، بدلاً من البدء من نقطة الصفر. وإن الاستثمار الخيري الاستباقي، يمكن الممولين من الإصرار على الحصول على بيانات تدريبية أفضل وأكثر تمثيلاً ونماذج مدربة مسبقاً أنشئت مع الأخذ في الاعتبار احتياجات طائفة متنوعة من المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة.
نحن نقدم إطار العمل والتحليل في هذه المقالة كنقطة انطلاق للحوار وليس كحكم النهائي. إن الذكاء الاصطناعي يبشر بمستقبل واعد لتحسين حياة ملايين الأشخاص حول العالم من خلال إثبات الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات الصحية والاقتصادية وفي التواصل على نحو مباشر. ويعد الاستثمار في الحلول التي تعالج المشكلات الاجتماعية المنتشرة على نطاق واسع، والاستفادة من المزايا النسبية الفريدة للذكاء الاصطناعي، ومعرفة مسارات واضحة للتوسع، نقطةً مناسبةً للانطلاق، على الرغم أنها قد تتطلب رأس مال صبور.
ويعد تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي المجدية والقابلة للتوسع أمراً صعباً ويتطلب التزاماً مستداماً ببناء مجموعات البيانات والأنظمة والتطبيقات التي تركز على المستخدم، وتساعد في حل التحديات المجتمعية. يستطيع المستثمرون إطلاق العنان لقيمة اجتماعية ضخمة من خلال البقاء على نفس النهج ورؤية الابتكارات التكنولوجية الواعدة بتمعن على نطاق واسع.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.