
تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثاني من سلسلة "الوقت حان لتغيير جذري في المؤسسات غير الربحية"، التي تحدثنا في جزئها الأول عن ضرورة إجراء تغيير شامل في نظام المؤسسات غير الربحية، وسنذكر في هذا الجزء بعض الفرص التي ظهرت مع انتشار الجائحة وساعدت على إعادة تفكير هذه المؤسسات بطرق عملها وساعدتها على إجراء "التغيير المؤسسي".
يجب على المؤسسات غير الربحية أن تفعل أكثر من الاستمرار في تقديم خدمات جيدة لداعميها، علينا أن نحقق تغييراً جذرياً في طريقة عملنا لإحراز تقدم في القضايا المنهجية الدائمة. لتحقيق ذلك، تحتاج المؤسسات غير الربحية وفاعلو الخير إلى تمييز بعض الفرص التي ظهرت في بداية انتشار الجائحة واغتنامها:
1. تخلَّ عن كبريائك المؤسسي
أصبح التواضع -وهو مصطلح استخدمته في المقالة- مبتذلاً في حقبة "كوفيد-19″، لكنه كان بمنزلة إنعاش في بداية الجائحة. فقد أجبِرَت مؤسسات عديدة علىعلى تغيير عملياتها بشكل جذري والتفكير النقدي في الشؤون المالية، واضطر العديد منها إلى تنحية الكبرياء المؤسسي جانباً، والتفكير في كيفية التوافق مع القطاع العام الأكبر وخدمته بشكل أفضل. بدلاً من أن تسعى المؤسسات غير الربحية لتكون الأفضل، والوحيدة، والأضخم، وتحقق ذلك أحياناً من خلال محاولة فعل كل شيء، يجب أن تجري تحليلاً فعلياً للقيمة التي قدموها للعالم -لتحديد ميزتها التنافسية- ثم توحد قواها مع المؤسسات الأخرى لتحقيق أثر أوسع وأعمق.
اجتمع أعضاء شبكة "التعاون في سبيل الصالح العام" في بداية الجائحة لتحديد مسار عالمنا في نظام التعليم، هادفين إلى وضع منهج تعليمي مترابط ليسير عليه المعلمون ومقدمو الرعاية يُجمع مع العنصر الأفضل من كل مؤسسة ويتطابق معه. لقد اتفقنا أن مؤسسة "آي سيفيكس" (iCivics) تتميز بأفضل مواد على الإنترنت. وكان يتميز "مركز الدستور الوطني" (National Constitution Center) على نحو خاص ببرنامجية فعالة تركز على المعرفة المدنية. وكانت مؤسسة "فيسينغ هيستوري" (Facing History) قادرة على إدراج اللحظة السياسية الحالية في التاريخ. وتمكنت مؤسسة "ميكفا تشالينج" (Mikva Challenge) من تدريب المعلمين تدريباً جماعياً وفعالاً. وامتلكت مؤسسة "جينيرايشن سيتيزن" (Generation Citizen) قدرةً فريدةً على التركيز على التربية المدنية التجريبية والإنصاف. بدلاً من الترويج لكل مؤسَّسة بأنها الكيان الوحيد الذي يقدم موارد تعليم التربية المدنية الفعالة، فقد تعهدنا بالتشارك في وضع المواد والعلامة التجارية ومشاركة المواد.
لكن مع أننا كنا نأمل أن يؤدي هذا المسعى إلى إقامة عمل تعاوني فعال، وتواصل أفضل مع المناطق التعليمية والمدارس، وتحقيق أثر أكبر في النهاية، فإنه لم ينطلق حقاً. اتخذت طاقتنا الجماعية وجهةً أخرى نحو الحفاظ على مؤسساتنا وتمحورها والتعزيز لها، لعدم الحصول على تمويل للمساهمة في دعم التعاون وذلك في خضم وجود مجموعة مطالب أخرى.
ومع ذلك، من خلال الاعتراف بنقاط قوة الآخرين والصالح العام الذي يتحقق عندما يتعدى عمل المؤسسات إعالة نفسها، يمكن أن تنجح المساعي في التخطيط للقطاع وتنسيقه. فالدعم والحوافز الملائمة التي يقدمها الممولون تساعد غبى ذلك.
2. التعاون المدروس والخلاق
تتحدث المؤسسات غالباً عن التعاون ولكنها تفشل في متابعة العمل به عندما تحدد أولوياتها في أمور مثل جمع التبرعات وديناميات الفريق واحتياجات داعميها (كما ذكرنا سابقاً). لكن التفكير في إقامة العمل التعاوني بأساليب مختلفة، مثل الموظفين المشتركين ونماذج التوزيع المشتركة، يمكن أن يقدم فوائد ملموسة وفورية لجميع المعنيين، وللقطاع الأوسع.
في بعض الحالات، تعين المؤسسات غير الربحية موظفين متخصصين لا تتوافق مهاراتهم الفريدة مع عملها على مدار العام. بدلاً من عدم الاستغلال الكافي لمواهبهم، قد تتوفر فرص لمشاركتها مع المؤسسات الأخرى بطريقة تنفع القطاع بأكمله. فمثلاً في بداية الجائحة، توفرت لدى مؤسسة "جينيرايشن سيتيزين" إمكانات إضافية بسبب قلة عدد الحالات أكثر من المتوقع، وكانت مؤسسة "آي سيفيكس" بحاجة إلى خبرات في المناهج التعليمية، لذا انضم أحد خبراء مؤسسة "جينيرايشن سيتيزين" مؤقتاً إلى فريق مؤسسة "آي سيفيكس" بنسبة 50% من وقته. لم يؤد هذا إلى توفير صعوبة تعيين شخص جديد على مؤسسة "آي سيفيكس" فحسب، لكنه منح موظفيننا أيضاً فرصةً للتعلم من مؤسسة أخرى واكتساب خبرة قيمة في وضع منهاج تعليمي لنوع مختلف من المؤسسات.
من وسائل التعاون الأخرى لتحقيق الصالح العام نماذج التوزيع المشتركة الموجهة لخدمة مجموعة من احتياجات الداعمين، بدلاً من الترويج لمورد واحد على حساب الآخرين. فمثلاً بدلاً من أن تقدم كل مؤسسة تعليمية غير ربحية عروضها التنافسية إلى نفس المناطق التعليمية، لم لا توفر فرصاً لتقدم للمدارس والمناطق التعليمية والمدن والولايات قائمةً قي المناهج التعليمية والخدمات التي يمكنها أن تنتقي وتختار من بينها. جربت المؤسسة غير الربحية "هاي ريزولفز" (High Resolves) هذا النهج من خلال منصتها التعليمية "كومبوسر" (Composer). فبدلاً من أن تروج لعملها فقط، تتيح المنصة للمدارس والمناطق التعليمية اختيار الدروس من مجموعة متنوعة من مقدميها والدمج بينها.
إن حاجة المؤسسات غير الربحية إلى التفكير الخلاق والانفتاح على إمكانات الموارد المشتركة مهمة الآن بنفس قدر أهميتها في بداية الجائحة. فالإصغاء إلى احتياجات المؤسسات النظيرة ودعم المشاريع التي تهدف إلى تحسين أعمال القطاع على نطاق أوسع هي نقاط انطلاق فعالة.
3. لا تخش فكرة الاندماج
إن التحديات الثقافية والمالية المرافقة لعمليات الاندماج غالباً ما تجعل المؤسسات غير الربحية تغض الطرف عنها. لكن إذا كانت المؤسسات جادةً في تحقيق أقصى قدر ممكن من الأثر، فعليها أن تدرس تطبيقها بشكل فعال، وتنظر إليها من زاوية أنها فرصة لها، وليس من زاوية الإحساس بالواجب أو عقلية العجز. في الواقع، تُظهر دراسات حول عمليات اندماج المؤسسات غير الربحية أنها تولد أثراً أكبر، وتوسع نطاق وصولها الجغرافي، وتخدم عدداً أكبر من الداعمين.
وفي أحد الأمثلة على ذلك، استحوذت مؤسسة تعليم الفنون "أوربَن آرتس بارتنرشيب" (Urban Arts Partnership) في عام 2013 على مؤسسة "مانهاتن نيو ميوزيك بروجيكت" (Manhattan New Music Project)، وهي مؤسسة غير ربحية تنفذ أعمالاً قريبةً في مناطق جغرافية مختلفة. قبل عامين من الاندماج، تلقت مؤسسة "مانهاتن نيو ميوزيك بروجيكت" منحة استثمار مرموقة في الابتكار من "وزارة التعليم" الأميركية، لكنها كافحت لاحقاً للاحتفاظ بهذا التمويل. أتاح الاندماج لنموذجها المبتكر، الذي يستخدم استراتيجيات مبنية على الفنون لتحسين النتائج الأكاديمية، لها المواصلة بعد نفاد المنحة الفيدرالية، ووفر عليها النفقات العامة الضخمة التي كانت ستحتاج إليها للعثور على تمويل جديد.
ليس من الضروري أن تكون عمليات الاندماج مرادفةً لخسارة الأشخاص وظائفهم والصراع الثقافي المدمر، بل يمكن أن تكون أداةً رائعةً لزيادة الأثر والتعاون. يجب أن يدعم المزيد من الممولين عمليات الاندماج بدلاً من إحجامهم عنها، عندما تتوفر فوائد ملموسة يمكن الحصول عليها، ويجب أن تفهم مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية بشكل أفضل متى يكون تطبيقها ملائم لأسباب مالية وأسباب أخرى.
ليست هذه الحلول جديدةً بالضرورة، لكن الجائحة سلطت الضوء على الفائدة والإمكانية الكامنة في التعاون معاً من ناحية جديدة، ومنحتنا الفرصة لإعادة التفكير الجذرية في طريقة عملنا. لذلك دعونا لا نفوت هذه اللحظة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.