كيف يسهم هوس المؤسسات بالتقدم في تغيير الأنظمة؟

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثالث والأخير من سلسلة "نحن نقضي على تغيير الأنظمة" والتي تحدثنا في جزئها الأول عن رحلة تغيير الأنظمة والنواحي التي يكوف فيها تغيير الأنظمة نموذجاً غير مثالي للعمل الذي علينا إنجازه. وفي جزئها الثاني تحدثنا عن الحلول القابلة للتطبيق على نطاق واسع فيما يخص تغيير الأنظمة وتعرفنا على التحول الكبير في هذا المجال. أما اليوم في الجزء الأخير من السلسة فسوف نتطرق إلى التحدث عن التقدم الحقيقي أو التغيير الحقيقي في تغيير الأنظمة

التغيير الحقيقي

عندما تبدأ في إحراز تقدم حقيقي بسيط في التوسّع، فإنه يبدو قريباً من تغيير الأنظمة الذي يتحدث عنه الناس في المؤلفات. لكن الاختلاف الجوهري بينهما هو أن التوسع ناشئ عن هوس المؤسسات المنفِّذة بالتوسع، وهذا الهوس هو الذي يقوده. إنها تقود التوسع بطريقة تنظيمية أكثر لتحقق طموحاتها واحتياجاتها ببذلها قصارى جهدها لتحقيق أقصى قدر من التأثير في حياة من تخدمهم.

يفضَّل دوماً أن نذكر لك مثالاً: يمثل تقدم المتخصصين الصحيين المحليين المحترفين نموذجاً مذهلاً عن الحلول القابلة للتطبيق على نطاق أوسع. على مدى العقود الأربعة الماضية، أطلِق عدد لا يحصى من برامج الأخصائيين الصحيين المحليين (CHW) كوسيلة لتقديم الرعاية الأولية للأشخاص الذين يعجزون عن الوصول إلى الأطباء والعيادات. فشلت معظم هذه البرامج في تحقيق أهدافها لاعتمادها على متطوعين لم يتلقوا دعماً كافياً وواجهوا نقصاً شديداً دائماً في الإمدادات. ولكن خلال العقد الماضي تقريباً، طور عدد من المؤسسات – من الجهات الفاعلة التي تزداد بروزاً، مثل "لاست مايل هيلث" (Last Mile Health) و"موسو" (Muso) و"بارتنرز إن هيلث" (Partners in Health) و"إنتيغريت" (Integrate) و"ليفينغ غودز" ( Living Goods) و"أماني" (Amani) – تبديلات مختلفة لنموذج المتخصصين الصحيين المحليين المحترفين (PCHW) المشترَك. ليصبح جميع المتخصصين الصحيين لديها:

معتمدون ويتقاضون أجوراً: يعاملُون معاملة المحترفين.

تضاهي مهاراتهم مهارة المحترفين: مدربون تدريباً جيداً، ويعملون بنشاط لتوفير الرعاية في المنزل، ومعالجة مجموعة أوسع من الحالات (تؤدي التكنولوجيا الرقمية دوراً كبيراً في هذا).

يقدّم لهم الدعم الميداني: جُهِّزت الأنظمة لضمان إدارتهم بشكل منهجي وتجرى زيارات لهم في الموقع ضمن مجتمعاتهم ويقدّم لهم التوجيه هناك (للتكنولوجيا الرقمية دور هنا أيضاً).

تقدَّم لهم الموارد اللازمة: لديهم الأدوية والمواد التي يحتاجونها ويمكنهم الاعتماد عليها (للتكنولوجيا الرقمية دور هنا أيضاً!).

يعد المتخصص الصحي المحلي المحترف مثالاً بارزاً على الحل القابل للتطبيق على نطاق أوسع. يمكن وصف هذا المثال ببساطة بما يلي:

• الفكرة: المتخصصون الصحيون المحليون المحترفون.
• المهمة: إنقاذ أرواح الناس.
• نظرية التأثير: "إذا أرسلنا المتخصصين الصحيين المحليين المحترفين إلى الميدان، فسوف يقدمون رعاية عالية الجودة للأفراد في منازلهم، وسينقذ الكثير من الأرواح.
• النموذج: خصائص النموذج الأربع التي ذكرناها في الفقرة السابقة.
• الاستراتيجية: المنفذ = الحكومة، والمسدد = الحكومة

كما يحقق هذا المثال جميع معايير الحلول القابلة للتطبيق على نطاق أوسع:

تتخذ جميع المتغيرات شكل النماذج المنهجية الموصوفة جيداً.

أدركت هذه المؤسَّسات كلها أن هذا الحل لا يمكن توسيع نطاقه إلا بأن تكون الحكومة هي الجهة المنفذة والمسددة (ويدعَم أحياناً بالجهات التي تقدم مساعدات ضخمة).

توجد الكثير من الأدلة المستجدة على هذا التأثير، وبعض هذه الأدلة مذهل.

إنها قابلة للتوسع بما يكفي: لتنفي كل أسباب الاعتقاد بأن هذه الحلول لن تكون مجديةً بالنسبة لمعظم الحكومات التي تحاول تقديم الرعاية الأولية.

إنها بسيطة بما يكفي: إذ تدير معظم الحكومات حالياً أموراً بنفس تعقيد هذه الحلول على الأقل.

إنها رخيصة بما يكفي: لتتوافق تكاليف هذه الحلول مع ما تنفقه معظم البلدان المستهدفة لتقديم الرعاية الأولية بشكل عام. يدرك الكثير من البلدان أن تأثير ونطاق تأثير المتخصصين الصحيين المحليين المحترفين يبرر إعادة تخصيص الموارد، ويزيد اهتمام الجهات التي تقدم مساعدات ضخمة بمساعدة الحكومات على تغطية التكاليف.

الرحلة نحو التوسع

اتبعت المؤسسات الرئيسية جميعها تقريباً نهجاً معروفاً من قواعد "الرحلة نحو التوسع": لقد كررت نماذجها لتعزيز قابلية التوسع، واعتمدت على التكنولوجيا الرقمية بكل طريقة ممكنة، وأصبحت مشاركة فعالة في عملية وضع السياسات الوطنية والإقليمية.

قد يكون أروع ما في الأمر هو أن تلك المؤسسات نظمت نفسها في مؤسسة كبرى تسمى تحالف التأثير الصحي المجتمعي (CHIC). أنشأ المنفذون أنفسهم هذا التحالف، ونظّم بحكمة على أساس مجموعة من المبادئ الجلية لنموذج المتخصصين الصحيين المحليين المحترفين الفعال، وإذا أردت الانضمام إلى هذا التحالف، فعليك الانضمام إلى تلك المؤسسات. أصبح للتحالف طاقم عمل الآن وصار وسيلةً لتحقيق بحث وسياسة وأجندة تمويل مشتركة. كما أصبح وسيلة لمشاركة أفضل الممارسات، وقد جذب مؤسسات داعمة مثل "ميديك موبايل" (Medic Mobile) (مؤسسة أدوات صحية رقمية) و"فيليج ريتش" (Village Reach) (سلاسل التوريد المحسّنة). من الآثار الجانبية الرائعة للتحالف إدراك أعضائه أن التمويل ليس لعبةً محصلتها صفراً، فقد بدؤوا في تقديم الآخرين إلى مموليهم، وهذا أدى إلى جذب المزيد من الأموال بالمجمل.

إذاً هذه هي قصة المتخصصين الصحيين المحليين، الحل الذي انطلق تنفيذه بالفعل في إفريقيا وخارجها. يمكن للحلول القابلة للتطبيق على نطاق أوسع ونهج تغيير الأنظمة أن تقودك في نهاية المطاف إلى نتائج مماثلة، ولكن مثال المؤسسات المهووسة التي تعمل على توسيع نطاق نماذجها في بلدان متعددة يبين مدى السرعة والكفاءة التي يمكن أن تحققها الحلول القابلة للتطبيق على نطاق أوسع. وفي معظم الحلول القابلة للتطبيق على نطاق أوسع، يكون المنفذ على نطاق واسع هو الأهم. ولن نغير هؤلاء المنفذين جذرياً على المدى القريب، سواء كانوا حكومات ضعيفة الأداء، أو أسواق غير فعالة. بل علينا الاستفادة منها حتى لو لم نتمكن من تغييرها.

هل كان لسان حالي أنني أعتقد أنه لا ينبغي لنا محاولة تغيير الأنظمة؟ طبعاً لا! إن تغيير الأنظمة أمر نبيل وضروري. كل ما في الأمر أننا لا نساعد أنفسنا عندما نخلط بين الأمرين. أحياناً عند بذل جهد مضنٍ طويل الأمد، ننجح فعلاً في إصلاح نظام ضخم غير فعال، ومن الضروري أن نستمر في المحاولة. فمهما يستغرق ذلك من الزمن، علينا تغيير الأنظمة مثل أنظمة الرعاية الصحية والطاقة والتعليم والحوكمة والصناعة لجعلها تعمل فعلاً لتحقيق مصلحة الجميع. ففي النهاية، لا بد أن تتوفر بيئة ملائمة من القمة إلى القاعدة تمكن جميع الحلول القابلة للتطبيق على نطاق أوسع من تحقيق أقصى فائدة مرجوة منها.

لكن في أثناء ذلك علينا تحسين حياة الأشخاص على نطاق واسع. لدينا الفرصة لتحقيق أهداف ضخمة إذا طبقنا حلولاً قابلةً للتطبيق على نطاق أوسع، ولن يساعدنا في تحقيقها الخلط بين تطبيق هذه الحلول وبين تغيير الأنظمة. وقد يسرّع التركيز على الحلول القابلة للتطبيق على نطاق أوسع التغيير الحقيقي للنظام، إذ تتحقق المعجزات عندما يلتقي الزخم المتدرج من القاعدة إلى القمة مع المحفز من القمة إلى القاعدة. لكن حالياً علينا الاستفادة مما لم نتمكن بعد من تغييره. عليك أن تسبح في البحر الذي أنت فيه، وليس البحر الذي تتمنى أن تكون فيه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.