تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني والأخير من سلسلة "الويب 3 وفخ الأهداف النبيلة"، التي أوضحنا في جزئها الأول عن ضرورة اهتمام القطاع الاجتماعي بـ "الويب 3″، وسنتحدث في هذا الجزء عن طرق إحداث تأثير اجتماعي إيجابي في صلب "الويب 3" ليسهم في فعل الخير الاحتماعي.
تخيل نظام ويب جديد
كيف نستطيع أخيراً أن نفي بوعود "الويب 1″ و"الويب 2.0" بطريقة يضع فيها الفنانون والناشطون والمبتكرون والعاملون، الذين تم إهمالهم أو استغلالهم على مر التاريخ، المعايير الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لـ "الويب 3″؟ كيف نتمكن من تطبيق مبدأ "التفكير أولاً، ثم ابتكار الأشياء" بدلاً من مبدأ "تحرك بسرعة واكسر القواعد"؟
إذا كان "الويب 3" يُقدم فرصة لإصلاح انهياراتنا، فهو يحتاج إلى نظام قيم مدمج ضمنه، لا نظاماً اختيارياً. هذا يعني أن الصالح الاجتماعي يجب أن يكون جزءاً مدمجاً ليس في روح الجماعة فحسب، إنما في البنية التصميمية ومجموعات القواعد لأي شبكة ويب جديدة أو نموذج تكنولوجي جديد أيضاً. وهذا أمر جوهري وضروري على نحو خاص عندما نفكر بشأن تطبيقات التكنولوجيا الرقمية لأجل الصالح الاجتماعي، أو على صعيد أكثر أهمية، في عالم تكون فيه تقنيات "الويب 3" جزءاً من الحياة اليومية، وفي كيفية تحويلنا لحاضرنا إلى مستقبل مبهج تتحقق فيع المساواة والعدالة وتتولد فيه الأفكار باستمرار.
هناك بالفعل بعض التساؤلات الجيدة والمشاريع التي تشير إلى أننا نتجه نحو التقدم. فعلى سبيل المثال، قامت مؤسسة "ويتنس" (WITNESS)، وهي مؤسسة تتمتع بالخبرة على مدار عقود من الزمن في التقاطع بين حقوق الإنسان والتكنولوجيا، بالشراكة مع مؤسسة "فايل كوين" (Filecoin) للويب اللامركزي للكشف عن طرق تمكن الناشطين والأشخاص العاديين من استخدام دفاتر الحسابات اللامركزية لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان بشكل آمن وصادق في الحالات التي عرّضتهم فيها شبكة الويب المركزية للخطر. وعلى صعيد آخر، كان صانعو الثقافة مثل إنجريد لافلور، مؤسسة "معهد استراتيجيات مستقبل الأفارقة" (Afrofuture Strategies Institute)، يطبقون منظور التقنيات الموزعة على الأسئلة التي تدور حول الشمول والملكية والتحكم في المنصة من قبل المجتمعات في المناطق المنخفضة الموارد. وبشكل مماثل، قام مشروع "ديسكو" (DisCO Project) بوضع بيان ديسكو (DisCO Manifesto) الخاص به لدعم التنمية العالمية للتعاونيات الموزعة و"تصميم نماذج أولية جديدة وأساسية للملكية، والحوكمة، وريادة الأعمال، وحساب القيمة، التي تهدف إلى مواجهة عدم المساواة الاقتصادية المتفشية". وهناك دلالات على أن مجتمع "الويب 3" قد يبدي ردة فعل على عدم العدالة أسرع من سلفه "الويب 2.0″؛ حيث اكتُشف مؤخراً أن المندوب الأكثر تعبيراً عن نظام العنونة "إي إن إس" (ENS) بلاحقة .eth متعصب بشكل علني، وقد قوبل هذا الاكتشاف بنداءات حثيثة من مؤسسة (Dame.eth)، وهي كيان رائد في مجتمع إيثيروم، وغيرها لمعالجة هذه القيادة السامة عن طريق الإدارة المجتمعية الرشيدة.
بناء على خبرتنا الشخصية على مدى عقود من الزمن (في تطوير التقنيات، والاستشراف، والتغيير الاجتماعي، والحقوق، والتنمية العالمية)، نرى ضرورة اعتماد أربعة مبادئ أساسية لتكون ركائز أي مبادرة معتمدة على "الويب 3″، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يطمحون إلى تحسين حالة الإنسان والكوكب بشكل مباشر أو غير مباشر:
- القَصْدية
- تحمل المسؤولية
- المعايير المتفق عليها
- إطار عمل مهني وأخلاقي
قد تبدو هذه المبادئ مثالية عندما تكون تريليونات الدولارات من حيث القيمة مُعرضة ليتم الاستيلاء عليها، وفرصة إعادة تعيين السلطة في العديد من الصناعات والقطاعات تكون مُغرية. ويُمكن ببساطة أن تنجرف الاعتراضات التي لا تقدم مقترحات مضادة في الثنائية الزائفة بين "التفاؤل والتشاؤم". لكننا لا نكترث لأمر المقترحات المضادة. فنحن نقترح نموذجاً جديداً كلياً، عقداً اجتماعياً جديداً يقر بأن تلك التريليونات من الدولارات في القيمة لا تعني شيئاً في مواجهة ما يحدث لكوكب الأرض وسكانه. لنتذكر أننا أيضاً نعيش على هذا الكوكب، ومنذ وقت طويل، لم يمتلك هؤلاء الذين لا يتمتعون بالسلطة رأياً في تحديد كيفية سير مثل هذه التحولات في النماذج.
هذا الحال يجب أن يتغير. فالمناقشة -أو بالأحرى المطالبة- بشيء مختلف يجب أن تبدأ هنا.
من باب السهولة، نحن نضع توصياتنا ودعواتنا لاتخاذ إجراءات بصيغة "افعل ولا تفعل" من أجل أولئك الذين يفكرون في إطلاق مبادرة معتمدة على "الويب 3" للتأثير الاجتماعي، أو أنهم قد بدؤوا بها بالفعل.
لا تفعل:
- لا تتجاهل مشكلة استهلاك الطاقة الكامنة في "الويب 3" أو تحاول تجنبها. إن التأثيرات السلبية لـ "الويب 3" ستصيب بشكل أكبر المجموعات السكانية الهشة سواء الآن أو في المستقبل. وإلى أن تتم معالجة هذه المشكلة الجوهرية بشكل جذري وحاسم، سيستمر "الويب 3" في تصدير الأضرار البيئية إلى المستقبل ودفعنا نحن والأجيال القادمة للاقتراب من كارثة مناخية لا يُمكن إيقافها.
- لا تنشئ تعويضات بشرية كوسيلة لتبرئة عملك من العوامل الخارجية السلبية التي يتسبب بها. إن التأثير الاجتماعي ليس إطار عمل متساهل يتم استخدامه لموازنة التأثيرات السلبية الأخرى التي تخلقها مشاريع "الويب 3".
- لا توجد مخاطر مالية جديدة للفئات السكانية المعرضة للخطر بالفعل. إن دفع الفقراء، أو المهددين، أو الذين يعانون من صعوبة الوصول إلى الخدمات المصرفية، أو الفئات الضعيفة اقتصادياً إلى حالة أكبر من عدم اليقين عن طريق إدخال أدوات مالية مضاربة متقلبة إلى اقتصاداتهم قد يتسبب بأضرار أكثر من المنافع. لا يتمتع الأشخاص الذين يعيشون في خطر بامتياز "هودل" (HODL) للاحتفاظ بالمكاسب الموعودة، وهو مصطلح شائع بين مستثمري العملات المشفرة لشراء العملات والاحتفاظ بها.
- لا تفرض تقنيات جديدة على المجموعات السكانية التي تعاني بالفعل من تراجع تقني عبر التاريخ. إن الاستعمار التكنولوجي مكتظ بالأمثلة على عمليات طرح الابتكارات الجديدة في المجتمعات التي لا تستطيع تحمل تكاليف الحفاظ عليها على المدى الطويل. حيث تظهر نقاط الضعف الأمنية بسرعة حتى في أكثر مجموعات المستخدمين تقدماً.
- لا تستخدم التكنولوجيا لإبعاد "المتبرعين" عن واقع القضايا التي يدعمونها أو إقصائهم كلياً. قد يكون هذا هدف مبادرتك، لكنه احتمال كبير أن يكون نتيجة غير مقصودة إلا إذا كان المتبرع مطلعاً أيضاً على الحاجة أو الأزمة التي يأمل أن يسهم في تحسينها.
- لا تدعم المحتوى الذي يستبيح الفقر، حتى لو كان منضوياً تحت اسم الرموز غير القابلة للاستبدال. هذا أمر جوهري خاصة عندما يتم الاستيلاء على صور المعاناة أو الضعف دون موافقة صريحة ومستنيرة من المبتكر أو الأشخاص الذين تم تصويرهم.
افعل:
- استفد من أطر العمل وشبكات التأثير الاجتماعي الحالية التي صممها الناشطون والدعاة الذين يتمتعون بخبرة حياتية حول الأضرار التي يعالجونها.
- طالب بالشفافية الموعودة من قبل التقنيات ومناصريها؛ عليك بالتدقيق والتدقيق والتدقيق. وعليك بالتحقق والتحقق والتحقق.
- طالب بالخصوصية والأمان -والموافقة المؤكدة والمستنيرة- لأفراد المجتمع الذين تهدف التقنية إلى دعمهم.
- اختبر ما إذا كانت ميزات الثبات والتقنيات "الذكية" ميزات مرغوبة في سياق المجتمعات التي تحاول مساعدتها.
- انتقد المشاريع المؤذية أو "المغسولة اجتماعياً" في الاجتماعات والمؤتمرات والندوات وعلى منصاتك.
- ادعم ناشطي حقوق الإنسان حول العالم، الذين يبحثون عن طرق لزيادة فوائد الدفاتر الموزعة في سبيل تحقيق الخصوصية والحماية والتوثيق/الإسناد.
- استمع إلى الفئات التي تعرضت للتهميش عبر التاريخ وتدعو إلى التغيير، وصمم من أجلهم ومعهم -أو تنحى جانباً لتفسح المجال لهم.
- استثمر في "مختبرات صناعة العالم" (laboratories of worldmaking)، وهو مفهوم حدده أوليفييه جوتل في محادثته مع إيفجيني موروزوف من مبادرة "ذا كريبتو سيلابس" ( The Crypto-Syllabus). فإن مجمل قضايانا المجتمعية العالمية تتطلب أن نفكر فيما سيحتاج إليه الأمر للتحول نحو الرخاء المشترك والعدالة والمساواة. ونحن حتى الآن، ما زلنا لا نمتلك الحلول والعمليات ومجتمعات الممارسة اللازمة. وكما يقول جوتيل في المقابلة نفسها، "علينا أن نتبنى التجربة والاختبار كإقرار لافتقارنا إلى الإجابات في الوقت الحالي". قم بإعداد هذا التحقيق الأكبر أو دعمه أو المشاركة فيه.
- استمر بالتعلم والاستكشاف وطرح الأسئلة. فقد وصلنا إلى مرحلة حيث لم يعد بإمكاننا تجاهل الآليات الأساسية لتقنيات الدفاتر الموزعة/حيز البلوك تشين. فهذه المبادئ يجب تعليمها وتعلمها كي نتمكن من ردع موجة كيانات "الويب 2.0" الكبرى التي تستفيد من الوضع الراهن.
اطبع هذه الإرشادات وألصقها لدى منصة تعدين العملات المشفرة الأقرب إليك. وإذا اتبعت هذه الإرشادات في أثناء التفكير في استراتيجيتك، فقد تجد نفسك تحقق تأثيراً إيجابياً حقيقياً، بدلاً من أن ينتهي بك الأمر مشروعاً رقمياً ميتاً آخر على الطريق نحو "الويب 3".
نعتقد أنه من الممكن الانتقال من العروض الجانبية تحت مسمى "من أجل الخير" إلى إحداث تأثير اجتماعي إيجابي في صلب "الويب 3″؛ ليس التحرر الاقتصادي فحسب، ولكن أيضاً العدالة العرقية والنوعية، والمساواة، والشمول، والمشاركة. وهذا مطلب كبير، وقد يتعارض مع معظم ما تعلمناه حول آلية عمل الكثير من التقنيات في العالم الحقيقي. إلا أنه سبب إضافي ليكون هذا المطلب يستحق أن يفرض بشكل واضح وصريح.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.