كيف يمكن استغلال إجازة تفرغ المؤسس في إعادة الضبط المؤسسي؟

7 دقائق
إجازة تفرغ المؤسِّس
freepik.com/wirestock
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إجازة تفرغ المؤسِّس مهمة للمؤسسة كما هي لرفاه المؤسس. لكن كي تسهم إجازة تفرغ المؤسس في بناء المرونة المؤسسية، ودراسة ديناميكيات السلطة الداخلية، والاستعداد لمغادرة المؤسس النهائية (والحتمية)، يجب على المؤسسات أن تخطط للموارد اللازمة لها وتتطالب بها.

في بعض الأحيان تكون إجازة التفرغ أكثر من مجرد وقت للراحة والتأمل والتجديد. فاستناداً إلى ملاحظاتي التي استخلصتها من المشاركة مع مئات المؤسسين الآخرين في مجتمعات الريادة الاجتماعية خلال العقد الماضي، ينتهي الأمر بمعظم المؤسسين بفعل أحد الأمور الثلاثة التالية: يُستنزَفون ثم يغادرون في نهاية العقد تقريباً، أو يتأقلمون ويتطورون لتهيئة مرحلة مغادرة سليمة، أو في أسوأ الحالات، يصابون بإحدى أعراض متلازمة المؤسس؛ فيواصلون العمل ويستمرون في اتباع أنماط لا تتماشى مع الاحتياجات المؤسسية. تعلمت من تجاربي، أن إجازة التفرغ قد تؤدي دوراً تحفيزياً في العمل على إعادة الضبط المؤسسية، وتمنح وقتاً للمؤسسين وفرقهم ليتاح لهم معرفة ما يلزمهم للنجاح في التأقلم والتطور حتى يبلغوا مرحلةً يصبح فيها دور المؤسس قابلاً للاستبدال دائماً. تستطيع إجازة تفرغ المؤسس إطلاق شرارة إجراء تقييم للأنظمة المؤسسية، ودراسة طريقة استخدام السلطة، وإبراز التغييرات المؤسسية اللازمة لتحقيق التكافؤ حالياً وفي المستقبل. في الواقع، قد تعتمد عليها سلامة المؤسسات واستقرارها على المدى الطويل. لكن حتى تؤتي ثمارها، يجب على المؤسسين ومجالس الإدارة والفرق ما يلي:

  1. وضع سياسة إجازة التفرغ في مرحلة مبكرة، والتخطيط لها، وتوفير الموارد اللازمة لها، وترقبها.
  2. استغلال إجازات التفرغ في تعزيز الاستدامة بإنشاء مساحة مستقلة للمؤسسين والفرق لا غنى عنها.
  3. تأسيس أنظمة لا تقتضي وجود إجازات تفرغ ليعاد ضبطها، وإدراك أن الرفاه يتطلب إرادة يومية وترتيب الأولويات.

قد توحي كلمة "إجازة تفرغ" بأن استكشافها بحق كمالية متاحة فقط للمؤسسات الوفيرة الموارد، التي تمتلك أفضلية العرق والطبقة الاجتماعية والقطاع. توجد عوائق ضخمة وفريدة تعترض المؤسسين ذوي البشرة الملونة في الحصول على رأس المال، وإجازات التفرغ تتطلب توفر الموارد. وحتى خارج مجال المؤسسات الاجتماعية، يستحيل أخذ إجازة تفرغ بالنسبة للغالبية العظمى من العمل الذي تنفذه الغالبية العظمى من الموظفين في العالم. لكن بدلاً من تقبل السباق إلى الحضيض، علينا جميعاً أن ننتقل إلى اتباع عقلية تعدّ طلب الإجازة للحصول على الرعاية الأساسية أمراً ممكناً. في الواقع، يتحمل المؤسسون -والممولون الذين يمولونهم- مسؤولية تسخير سلطتهم لبناء ثقافة عمل تتحلى بعقلية التكافؤ، وترفض التسميات المجازية للموظف الذي يتلقى أجراً متدنياً، ويعمل عملاً إضافياً والذي توجهه رسالة معينة، وتصحح تقاسم الموارد بين المؤسسات التي يقودها أصحاب البشرة البيضاء الذين يسهل عليهم الحصول على رأس المال ونظراؤهم من أصحاب البشرة الداكنة والسكان الأصليين. يجب أن يعكس فهمنا لمكان العمل السليم مناصرتنا التي نقدمها مع حلفاؤنا لتعزيز حقوق ومستحقات الموظفين ذوي الأجور المنخفضة وأصحاب البشرة الملونة في جميع أنحاء العالم. يعد توفر الخيارات امتيازاً: علينا جميعاً أن نبدأ من النقطة التي نملك فيها خيار البدء.

1. وضع سياسة إجازة التفرغ في مرحلة مبكرة، والتخطيط لها، وتوفير الموارد اللازمة لها، وترقّبها

منذ بداياتنا، كانت في مؤسستي "أكاونتابيليتي كاونسيل" (Accountability Counsel)، سياسة إجازة تفرغ تنص على أن لكل عضو في الفريق تولى الوظيفة لمدة 6 سنوات الحق في إجازة مدفوعة الأجر لمدة 3 أشهر، مع عدم وضع أي قيود على كيفية قضاء الإجازة (سياسة اعتمدناها بعد البحث في منافعها). ولأن السياسة تطبق على جميع أفراد المؤسسة، ندرج التخطيط لإجازة التفرغ في جميع خطط العمل، ونقدم مكافآت عندما تتطلب تغطية إجازة التفرغ من أي شخص إنجاز مهمات وظيفية إضافية كثيرة. نوفر الموارد اللازمة لإجازة التفرغ من خلال دعم التشغيل العام الذي نقدمه -الذي يشكل معظم ميزانيتنا- ومن الممولين الذين يقدرون أن العمل الداخلي الذي ننفذه لنحيا وفق قيمنا مرتبط بسجل إنجازاتنا التي تعزز الرفاه والكرامة والتكافؤ.

لقد وُضعت إجازات التفرغ لنأخذها. فاتتني إجازة تفرغي الأولى عندما تزامن موعدها قبل ست سنوات مع عودتي من إجازة الأمومة. كان هذا التوقيت من سوء حظي لأنني كنت بحاجة إلى استراحة فعلية حينها، ولأنه كان وقتاً رائعاً لتقييم ما إذا كانت هيكليات الحوكمة الخاصة بمؤسسة "أكاونتابيليتي كاونسيل" التي مضى عليها 6 سنوات حينها لا تزال تفي بالغرض. بدلاً من ذلك، عدت إلى الحالة المعهودة. كنت بحالة الاستدراك وأحاول ألا أقصر بالحياة المهنية والمنزلية. دون المساحة الذهنية التي تتيحها إجازة التفرغ، أصبحت حبيسة عقلية أزمة "البدء"، ولم أتمكن من رؤية أنني بحاجة إلى تحسين عملية تفويض صناعة القرار وإنشاء مناصب عليا جديدة، بدلاً من أن أعاني في مواصلة حمل مسؤولية جمع التبرعات وبرمجة الأدوار الإدارية إضافةً إلى شغلي لدور المديرة التنفيذية.

بعد مرور 6 سنوات أخرى، دفعني رئيس مجلس الإدارة إلى أخذ إجازة تفرغ. كان الوقت مناسباً، بعد أن جربت حالة التكيف والتطور عند تعيين مدير تطوير مؤخراً لمساعدتي في جمع الأموال لأول مرة، ومدير جديد للبرامج والاستراتيجيات قادر على تأدية دور مدير تنفيذي مؤقت. كنت مستعدة أيضاً، فقد كنت أنا وزوجي في غمرة الأبوة لثلاثة أطفال لا يزالون خارج المدرسة خلال الجائحة.

أعرب فريقنا عن دعمهم وأجمعوا على مخطط إجازة التفرغ: عندما أوقفت بريدي الإلكتروني لأول مرة منذ 12 عاماً، تلاشى ثقل مسؤوليات عملي والتوتر الذي أشعر به في جسدي لا شعورياً، حتى خلال الإجازة، لعلمي أنني لمدة 3 أشهر كاملة فوضت واجبات عملي لأشخاص أكفاء وأستطيع أن أريح بالي.

2. تعزيز الاستدامة المؤسسية من خلال توفير مساحة "إعادة ضبط" مستقلة للمؤسسين والفرق لا غنى عنها

تكون مرحلة البدء غالباً صاخبة: يبدأ المبادرون الاجتماعيون بوضع رؤية للتغيير، لكن دون تلقي الدعم الذي يحتاجون إليه. يجد المؤسسون أنفسهم غالباً يؤدون عدة وظائف حرجة بدوام كامل. هذا ليس الوضع الأمثل لإنشاء هيكليات الحوكمة، ومع ذلك، وخلال هذه الفترة، يتخذ المؤسسون ومجالس إدارتهم قرارات مهمة يمكن أن ترسم مسار المؤسسة فإما تساعدها على أن تعيش قيمها، أو تعيقها. وعندما ينضم الآخرون لمراجعة هذه الأنظمة وتعديلها، يكون الأساس قد وضع بالفعل.

في هذا السياق، قد تكون إجازة تفرغ المؤسِّس إعادة ضبط ذات شقين: ليست للمؤسس فحسب بل للفريق الذي يتخذ القرارات عند غياب المؤسس، ربما للمرة الأولى.

بالنسبة للمؤسسين، يمكن أن تقدم "إعادة الضبط" لهم منظوراً حول الجوانب الأكثر تحدياً من الحوكمة: كيف يمارس القادة السلطة أو يسندوها، وكيف تُتَّخذ القرارات، وكيف تبدو الشفافية الداخلية، وكيف تديم الهيكليات الداخلية بشكل متزايد الأنظمة العنصرية والقامعة. يمكن أن توفر إعادة الضبط المنظور اللازم لإدراج النهج المبنية على التكافؤ والإنصاف في الحوكمة. هذه أسئلة صعبة تتطلب مساحة ذهنية، وهذا يشمل أمثالنا ممن يتفرغون لتحدي الأنظمة العنصرية والقامعة في عملنا البرنامجي. ولأن بناء القيم والسياسات والممارسات اليومية المتمحورة حول التكافؤ والإنصاف في مؤسسة ما هو أيضاً عملية تعكس التعلم المجتمعي، لم تجرَ نهائياً.

ومع ذلك، فإن نقطة الانطلاق بالغة الأهمية. حتى بالنسبة للمؤسسات التي تبدأ باتباع نهج "السلطة الجديدة" في العمل والثقافة، يمكن أن يبدأ بناء المؤسسة بأنظمة موحدة و"قديمة". عندما استبعدتُ عن العمل اليومي وعن فريقنا، أتاحت لي إجازة تفرغي الفرصة لتفكير أشمل وموسع ومستقل أكثر حول قضايا السلطة وصناعة القرار، إضافة إلى إمعاني التفكير في دوري ضمن المؤسسة. كانت هذه أول مساحة لالتقاط أنفاسي خلال 12 عاماً لأفكر بعمق في هويتي بصورة مستقلة عن المؤسسة. جعلني الابتعاد أقدَر على استكشاف النقاط المبهمة لدي وكيف أتأقلم وأتطور بسرعة أكبر بصفتي قائدة.

قد تكون المنفعة العائدة على الفرق أكثر أهمية. إن إجازة تفرغ المؤسِّس فرصة فريدة ليلاحظوا ما سيحدث في غياب المؤسس واستخدامه للسلطة. يكون المؤسسون غالباً متجذرين بعمق في بنية المؤسَّسة، لدرجة يكون الإذعان لهم أمراً لا مفرّ منه وقد يكون تحدي الوضع الراهن صعباً. تنشئ إجازة التفرغ مساحةً للقيادة والأفكار الجديدة والتغيير. يحظى الفرق التي تغطي غياب المؤسِّس بمجال لمراقبة العناصر القيادية التي يرغب موظفو القيادة المؤقتة في تعزيزها أو تخفيفها عند عودة المؤسس.

ساعدنا التخطيط لإجازة التفرغ في مؤسستنا على إعادة النظر في التخطيط لتعاقب الموظفين والاستفسار عن اعتماد أساليب معينة لسبب توزيع المهام في غياب المؤسس. لقد فعلنا ذلك مع مراعاة القيادة وصناعة القرار المبنيان على التكافؤ، وهذا أتاح لفريقنا ممارسة قدر أكبر من القيادة المشتركة. واكتسبوا مهارات جديدة، ومجالات خبرة جديدة، واستندوا على قوتهم القيادية وحدسهم، التي لا تزال تسهم في نمونا وعلمنا حتى الآن بعد أشهر من عودتي. مُكِّن فريقنا لاتخاذ قرارات تركت بصمة إيجابية دائمة على مؤسستنا، وقد فعلوا ذلك بالفعل، من ضمنها مبادرات رئيسية مُكِّن فريقنا من النهوض بها في غيابي (مثل استكمال إطار عمل الشفافية والتكافؤ في توزيع التعويضات في المؤسسة).

عندما عدت إلى العمل، حافظنا على هذه التغييرات وأدرجناها، وقد تنوعت بين أمور مثل وضع ميزانية أكثر تشاركية وطريقة إدارة الاجتماعات. لقد سرعت إجازة تفرغي ترسيخ القرارات المبنية على التكافؤ في التجارب المباشرة لأعضاء الفريق وقدمت الكفاءات ليكون التوسع ممكناً.

3. تأسيس أنظمة لا تقتضي وجود إجازات تفرّغ ليعاد ضبطها

لا ينبغي أن يُنظَر إلى إجازة التفرغ بأنها ترياق للاحتراق الوظيفي. فالاحتراق وظيفي معرَّف طبياً وواسع الانتشار: يجب على المؤسسات هيكلة السياسات والممارسات للمحافظة على سلامة أعضاء الفريق ومشاركتهم، يومياً وعلى مدار العام، مع وجود إجازات مخصصة لإمعان التفكير غير الروتيني اللازم "لإعادة الضبط".

ومع ذلك، في حالتي، ساعدتني إعادة الضبط التي حظيت بها في إجازة التفرغ على إيجاد وقت لمعرفة مواضع تقصيري في ممارسات الرفاه الدورية، ليس لنفسي فقط، إنما ضمن الهيكليات التي تدعم تلك الممارسات من أجل فريقنا أيضاً. في الشهر الأول، تعلمت كيف لا ينبغي قضاء إجازة التفرغ. لقد شغلت وقتي بالتربية (التي كانت أوقاتاً ثمينة)، إضافةً إلى تقديم قدر كبير من الرعاية المؤجلة لنفسي وعائلتي ومنزلي (الأوقات التي لم تكن كذلك). وبما أن أدائي دور الوالدة في زمن الجائحة أدى بالتأكيد إلى تفاقم الأمور المتراكمة، فقد اندهشت عند اكتشاف عدد الأمور في مقدِّمة الرعاية الروتينية التي تحتاج إلى انتباهي، لأنني لم أتمكن من إدراجها في حياتي المهنية.

لقد قررت أن أعود قادرة أكثر على دعم الثقافة التي تتيح الرعاية لأنها ضرورية لنحافظ على صحتنا (وليس فقط عندما يكون ذلك "ممكناً" في جدول عمل غير إنساني). لكن عندما عدت، كان فريقنا متقدماً بالفعل. شمل جزء من التغييرات التي نفذوها في أثناء غيابي تخفيض عدد ساعات العمل الأسبوعية لمعالجة علامات احتراق الفريق الوظيفي، وجعلوا يوم الجمعة إجازة (المعروفة باسم "جُمَع الرفاه"). وكان الوقت المقدَّر بمرتين كل شهر لتعتني بما يستوجب عنايتك أداة رفاه اعتمدناها جميعاً. قد يتوجب أحياناً على البعض عقد اجتماعات عرضية أو تسليم مهمة ما في الموعد النهائي في جُمَع الرفاه، لكن عندما يكون الوضع الافتراضي هو أخذ يوم الجمعة إجازة، يستغلها الناس عموماً. نتيجة لذلك، ارتفعت معنويات الفريق (تبين ذلك عند قياسها)، وبقيت الإنتاجية بنفس المستوى أو تحسنت حتى (قسنا ذلك أيضاً)، وزادت سلامة مؤسستنا.

حالياً، أدرجَت جُمَع الرفاه في نهجنا لتحقيق الرفاه الذي يشمل أيضاً تغطية الصحة العقلية، وصندوق رفاه الفريق، وإجازة سخية، ومبادرة "غود ألاي" (Good Ally). يتحدث فريقنا عن الرفاه ويقدره ويخطط له ضمن أهداف الفريق. لا يزال أمامنا عمل لترسيخ هذا التحول الثقافي بشكل كامل، وقد سرعت إجازة تفرغي من قدرتي على رؤية كيف تخدم هذه التغييرات فريقنا، واستدامتنا، وفي النهاية مهمتنا.

تحتاج إجازة التفرغ إلى بيئة عمل داعمة تتيح الفرصة لتحقيق السلامة المؤسسية والنمو والتعاقب الوظيفي والتكافؤ. يتضمن هذا التزام الممولين الذين يمكنهم تقديم دعم تشغيلي عام ليقترن بالعمل الخيري القائم على المهمة، من شبكات المؤسسين التي يمكنها إدراج إجازات التفرغ في التدريب، إلى أعضاء مجلس الإدارة الذين يمكنهم المطالبة بسياسات إجازة التفرغ ودعمها، والمؤسَّسات بحد ذاتها طبعاً التي يمكنها إدراج إجازات التفرغ لتصبح جزءاً قيماً من ثقافتها.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.