اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

كيف يدعم الذكاء الاصطناعي طرق الرعاية الطبية في المجتمعات المهمشة؟

سلسلة استثمار الذكاء الاصطناعي في سبيل الإحسان

إعداد : بن بروكمان، سكاي هيرش، بريدجيت هوير غوسلينك، فلوريان ماغانزا، ميكا بيرمان

 

تم النشر 21 سبتمبر 2021

شارك
شارك

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "استثمار الذكاء الاصطناعي في سبيل الإحسان" والتي تحدثنا في جزئها الأول عن حلول الذكاء الاصطناعي وخصائص استثماره الناجح في سبيل الإحسان، وكيفية إنشاء إطار عمل لتقييم التأثيرات المحتملة للذكاء الاصطناعي في سبيل الإحسان. أما اليوم في هذا المقال فسوف نتحدث عن مجالين من المجالات الثلاث لاستثمار الذكاء الاصطناعي في سبيل الإحسان.

أفضل الرهانات في الاستثمار

عندما بحثنا في أبرز حالات استخدام الذكاء الاصطناعي وفقاً لإطار عملنا، برزت ثلاثة معايير كاختزال مفيد يشرح لماذا كانت مجالات معينة معدّة للاستثمار دوناً عن غيرها، وهذه المعايير هي: إمكانات التأثير الكبيرة (عمق التأثير واتساعه)، وتأثيرها التفاضلي مقارنة بالأدوات التي لا تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والمسار الواضح للتوسع.

كما درسنا إذا كان لكل مجال أدلة كافية لإثبات المفاهيم تبين جدواها، بالإضافة إلى المخاطر التي يمكن إدارتها ويمكن للاستثمار والنمذجة الدقيقة التغلب عليها بحذر. (يحدد إطار العمل الكامل عملية تحليل أحكم وأدق).

حدد تحليلنا ثلاثة مجالات تبدو الأمثل للاستثمار على المدى القريب: أدوات التشخيص الطبي، ودعم التواصل للمجتمعات واللغات المهمشة، والتنبؤ بالإنتاجية الزراعية. لا بدّ أن نشير إلى أن هذه المجالات ليست الوحيدة التي يمكن أن يحقق بها الذكاء الاصطناعي منفعة اجتماعية كبيرة، فقد تضمنت المجالات الأخرى التي حققت نتائج جيدة في تحليلنا الذي أجريناه وفق إطار عملنا: البحث الطبي/اكتشاف الأدوية، والاستجابة للكوارث الطبيعية، والتنبؤ بحالة سلاسل التوريد، ومكافحة المعلومات المضلّلة. على الرغم من أننا لن نستفيض في الحديث عن هذه المجالات خلال هذه المقالة، لكن نشجع الآخرين على دراستها. إليك نظرة من كثب إلى أبرز ثلاثة مجالات في بحثنا:

1. أدوات التشخيص في نقطة الرعاية للأنظمة الطبية محدودة الموارد

في بعض البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة (LMICs)، حيث تكون نسبة مقدمي الرعاية الصحية إلى المرضى منخفضة، يهمَل الكثير من المرضى دون قصد. يعد التشخيص الناقص أو الخاطئ للحالات الخطرة شائعاً لارتفاع تكاليف الاختبارات التقليدية أو عدم توافرها بسبب متطلبات المختبرات، والاختبارات التي تستهلك وقتاً طويلاً، فيتجنب العاملون المثقلون بالأعباء إجراءها، ووصم الفرد بالعار عند إصابته ببعض الحالات الصحية، ما يثني الكثير من المرضى عن الخضوع للفحص في العيادات العامة.

إضافة إلى ذلك، يحتاج العاملون في مجال الرعاية الصحية في كثير من الأحيان إلى تدريب أكثر من الذي يتلقونه ليتمكنوا من التشخيص الدقيق للحالات الصحية وعلاجها. يبدو أن ضعف التشخيص يعيق تحسين نتائج الرعاية الصحية إلى حد كبير في المناطق محدودة الموارد. على سبيل المثال، عندما حاكى "مركز التنمية العالمية" (Center for Global Development) جوانب التحسن النظرية للنتائج الصحية للأم والطفل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، خلال الظروف السريرية المثلى (دون نقص في الأدوية أو غياب العاملين بمجال الرعاية الصحية)، تحسنت جودة الرعاية الصحية هامشياً فقط.

إن الحجة قوية للاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي التي تشخص الحالات الشائعة في نقطة الرعاية أو تكشف عنها، وأصبح الكثير من هذه الأدوات بالفعل في مرحلة إثبات المفاهيم، وتعمل مع كاميرات الهواتف الذكية أو المايكروفونات لالتقاط الأصوات أو الصور أو مقاطع الفيديو التي قد تساعد في التشخيص. وبالرغم من قلة انتشار الهواتف الذكية بين العاملين في الخطوط الأمامية ضمن مجال الرعاية الصحية في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة (وذلك يتفاوت تفاوتاً كبيراً بين بلد وآخر)، فمن المتوقع أن يزداد انتشارها بسرعة في السنوات القليلة المقبلة.

تتميز أدوات التشخيص التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي بما يلي:

إمكانات التأثير الكبيرة (في عمق التأثير واتساعه): ستحسن الأدوات التي تحقق التوسع مستوى الرعاية الصحية لملايين الأشخاص في المناطق ذات الموارد المحدودة.

التأثير التفاضلي لها مقارنةً بالأدوات التي لا تعتمد على الذكاء الاصطناعي: إن الوضع الراهن للتشخيص سيئ بالنسبة للعديد من الحالات الصحية الحرجة، لا سيما في المناطق التي تعاني المختبرات فيها نقص المرافق المخبرية. تتفوق الخوارزميات غالباً على الممارسين الذين يتراوح مستوى مهاراتهم بين المنخفض والمتوسط، في تحليل الملفات الصوتية والصور ومقاطع الفيديو.

مسار التوسع: بعد نيل الموافقة التنظيمية، يمكن توسيع نطاق هذه المبادرات بدعم من كيانات مثل "منظمة الصحة العالمية" والحكومات وشبكات العاملين الصحيين المجتمعيين واسعة النطاق.

تفحص أدوات التشخيص الأكثر تأثيراً الحالات القابلة للعلاج التي تشخّص تشخيصاً ناقصاً أو خاطئاً، والتي تؤثر في الكثير من الأشخاص. قدمت أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تشخيص العديد من تلك الحالات بالفعل براهين واعدة في الحالات مثل أمراض الجهاز التنفسي كالسل أو الربو، وسوء التغذية (التي تشمل المقاييس الجسدية للأطفال)، وفقر الدم، وسرطان عنق الرحم. ومع ذلك، لا يزال المطورون بحاجة إلى التحقق من صحة هذه التقنيات وتكييفها حتى تكون مفيدة عملياً للعاملين الصحيين.

كما ينبغي للممولين النظر في "الاستثمارات في بيئة العمل" التي تتيح إنشاء أدوات ذكاء اصطناعي منصفة، مثل مجموعات البيانات التدريبية (هي مجموعة ضخمة من البيانات التي تجمع لتغذية نموذج التعلم الآلي) التي تتصف بالدقة، وتمثل السكان الذين سيعملون على خدمتهم، وقد جمِعت بموافقة مسبَقة. تعَدّ منصات الخصوصية، التي تحفظ مؤسسات الرعاية الصحية فيها البيانات التدريبية وتشاركها بطريقة آمنة، هي نوع آخر من الاستثمار القيّم في بيئة العمل. (تبني شركة "نايتنغيل أوبين ساينس" (Nightingale Open Science)، منصة لتنفيذ ذلك لبعض الحالات الصحية مثل السرطان والسكتة القلبية). تصنع هذه الاستثمارات فارقاً ضخماً في مدى جودة الخدمة التي تقدمها أدوات الذكاء الاصطناعي للسكان الذين يسعون إلى الوصول إليهم، ولا ينبغي إغفالها.

كحال أي جهاز طبي، يجب أن تضمن المجموعات الصحية العالمية والأجهزة الرقابية أن أدوات الذكاء الاصطناعي تستوفي المعايير المشتركة للجودة. يجب عليهم التأكد من أن الخوارزميات تدرَّب على البيانات التمثيلية وأنها قيَّمت بدقة لتحقيق الإنصاف في المناطق التي ستنشَر فيها. تبرز أهمية ذلك لأن العديد من وسائل إثبات المفهوم في الذكاء الاصطناعي المستخدم في مجال الرعاية الصحية مبنية على بيانات غير تمثيلية أو بيانات جمعَت ضمن جدران المختبر، وليس على أرض الواقع. إذا عزمنا على إحراز تطورات تحدث تغييرات جذرية، وتحقيق الحماية من المخاطر المحتملة، فمن المهم أن تستثمر المؤسَّسات الخيرية في تصحيح هذه النقائص.

2. أدوات التواصل التي تدعم المجتمعات واللغات المهمشة

يستبعَد ملايين الأشخاص حول العالم من المشاركة في الخدمات العامة والتعليم وسوق العمل والإنترنت بشكل عام لعجزهم عن التحدث بلغات الأغلبية. تشكل 10 لغات فقط من أصل 6,000 لغة محكية في العالم اليوم نحو 87.3% من إجمالي المحتوى عبر الإنترنت. فأكثر من نصف المحتوى على الإنترنت باللغة الإنجليزية، وحتى بعض أكثر اللغات شيوعاً في العالم (من بينها العربية والهندية والبنغالية) لا تبلغ المراتب العشرة الأولى.

تسبب الحواجز اللغوية ضرراً شديداً وبالغاً خلال الإجراءات القانونية والزيارات الطبية وحالات الطوارئ الإنسانية. تستعين المستشفيات ووكالات الخدمات الاجتماعية ومحامو شؤون الهجرة والمدارس وأنظمة الاستجابة للكوارث الطبيعية بالمترجمين لتقدم خدماتها، لكن في معظم الحالات لا يتوفر الكثير من المترجمين لتلبية احتياجات الترجمة على مستوى العالم. يحتاج دعم اللغات الأقلية إلى مزيد من الاستثمار، بالرغم من أن نماذج الترجمة والتعرف الآلي على الكلام قطعت شوطاً ضخماً في لغات الأغلبية، فمثلاً تساعد منصة "نقاط للحوار" (TalkingPoints)، وهي من المستفيدين الحاصلين على منحة تحدي تأثير الذكاء الاصطناعي من شركة "جوجل.أورغ"، الآباء غير الناطقين باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة على التواصل مع مدرسي أطفالهم.

يتخذ الابتكار في هذا المجال عدة أشكال، إحداها مجموعات البيانات والأدوات التي تجعل الترجمة الآلية متاحة بين عدد أكبر من الأزواج اللغوية، مثل الترجمة من اللغة البوجبورية (لغة إقليمية محكية في أجزاء من شمال الهند الأوسط وشرقها) إلى الإنجليزية. يتمثل شكل آخر للابتكار في الترجمة المحسّنة للغات القابلة للترجمة آلياً الحالية في مجالات فرعية معينة، مثل الترجمة المحسّنة للمصطلحات الطبية في اللغة الفرنسية أو العربية. كما يتجلى الابتكار في أدوات تستخدم في غير الترجمة لتحسين إمكانية استخدام أدوات معالجة اللغة الطبيعية الشائعة بلغات متعددة، مثل أدوات تحليل المشاعر. كل الجوانب التي ذكرَت معدّة للاستثمار لأنها تتضمن:

1- إمكانات التأثير الكبيرة (في اتساع التأثير): يعدّ تعذر الحصول على المعلومات والخدمات بسبب الحواجز اللغوية مشكلةً تؤثر في مئات الملايين (وفي بعض المجالات، المليارات) من الناس.

2- الإمكانات التفاضلية للذكاء الاصطناعي: لا يتوفر عدد كافٍ من المترجمين البشر (ربما عددهم أقل من مليون مترجم محترف) لتلبية الحاجة العالمية لخدمات الترجمة (مئات الملايين أو المليارات من الأشخاص). إن الأتمتة من خلال الذكاء الاصطناعي هي إحدى الوسائل القليلة المتاحة للتوسع.

3- مسار التوسع: تتميز أدوات الترجمة بأنها منتجات "موجهة مباشرةً إلى المستهلك"؛ ما يعني أنها يمكن أن تتوسع من خلال دمجها مع المنصات الرقمية الحالية.

تتمثل إحدى الفرص الواعدة للاستثمار في تحسين خدمات الترجمة العامة للغات التي يتحدثها الكثير من الناس لكنها ليست حاضرة بما يكفي في نماذج الترجمة الحالية. لا يحظى الملايين من الناطقين بالكثير من اللغات بإمكانية الحصول على ترجمة للغاتهم على المنصات الشائعة.

ذكرت مجلة "وايرد" (Wired Magazine) الكثير من أهم اللغات في مقال نشِر في عام 2018: "اللغة البوجبورية (51 مليون متحدث بها)، واللغة الفولانية (24 مليون متحدث، أكثر اللغات الإفريقية انتشاراً)، واللغة السيلهيتية (11 مليون متحدث، لغة سكان إقليم سيلهيت في بنغلادش)، ولغة كيتشوا (9 ملايين متحدث، في أجزاء كبيرة من أميركا الجنوبية) واللغة الكيروندية (9 ملايين متحدث، في بعض المناطق الإفريقية)". تتفاوت جودة الترجمة العامة حتى في اللغات المتوفرة حالياً تفاوتاً كبيراً.

تكمن الفرصة الأخرى في تحسين الترجمة المتخصصة في مجال معين – أي تحسين نماذج الترجمة ضمن سياقات محددة. تتطلب هذه النماذج إدراكاً آلياً دقيقاً للغة الاصطلاحية التي قد لا تكون شائعةً في بيانات اللغة الطبيعية التقليدية، وتكون الأكثر نفعاً في المناطق التي تؤثر فيها خدمات الترجمة كثيراً على الأفراد، مثل مساعدة المهاجرين على فهم العقبات القانونية عند دخول بلد جديد أو إعانة الأشخاص المحرومين على الخوض في الإجراءات الحكومية المعيارية. سيكون من المهم تحقيق التوازن بين إتاحة المزيد من فرص الحصول على خدمات الترجمة للأشخاص، مع المخاطرة المحتملة في الحصول على ترجمة غير دقيقة.

أخيراً، تبنى معظم النماذج اللغوية على عينات من البيانات المتوفرة بسهولة على الإنترنت، وقد يؤدي هذا إلى تفاقم أوجه التحيز. من الضروري أن يتم أي استثمار واسع النطاق في بيانات لغة محدودة الموارد بالشراكة مع المتحدثين الأصليين بها، وأن يسهم أفراد المجتمع المدني في الإرشاد إلى اختيار أي نصوص يفضّل استخدامها في النماذج التدريبية. إذ يتوقف تمثيل نماذج الذكاء الاصطناعي ودقته في الترجمة والتواصل على ذلك.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!