من النقل إلى السكن: كيف تعيش وفق نمط حياة مستدام؟

4 دقائق
الحياة المستدامة
shutterstock.com/M.Aka

تعد الاستدامة أسلوباً يساعد على تحسين جودة الحياة وحماية النظام البيئي والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة، ولكن لا يمكن ربط الاستدامة بالبعد البيئي فقط، إذ يمكن استكشافها من خلال سياقات أخرى مختلفة، بما في ذلك أنماط السلوك.

ماهية أنماط الحياة المستدامة

تبرز الحياة المستدامة كأسلوب يسعى من خلاله الأفراد أو المجتمع إلى تقليل استخدام الموارد الطبيعية والشخصية، واعتماد ممارسات لتقليل البصمة الكربونية مثل تغيير طرائق النقل واستهلاك الطاقة والغذاء.

تطور مفهوم الاستدامة وعلاقته بجودة الحياة، بحيث ارتبط استكشاف أبعاد الاستدامة بأسس جودة الحياة وتطوُر التحديات على المستوى العالمي، وبحسب دراسة جزائرية بعنوان: "الاستدامة وجودة الحياة: نموذج التنمية"؛ فإن البعد الاجتماعي للتنمية المستدامة يوفر أنسب مجموعة من القيم لخلق مستوى جيد من نوعية الحياة والحفاظ عليه.

في الوقت الذي يسعى فيه بعض الأشخاص إلى امتلاك المزيد من الموارد؛ يكافح الكثيرون لتلبية احتياجاتهم الأساسية، لذا بات المستقبل معتمداً على سلوك الأفراد وكيفية اختيارهم سبل العيش والعمل المناسبة للجميع وإدراكهم لدورهم كمستهلكين.

ما يعني أن الأفراد، هم حجر الأساس لتفعيل سياسات الاستدامة التي تضعها الحكومات والقرارات الاستثمارية للشركات، فالمبادرات الفردية والوعي بأهمية الاستدامة يُسرع من تفعيلها، ليصبح اتخاذ أي قرار استهلاكي مبيناً على دوره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

لكن الاستدامة لا تعني العمل على معايير محددة فقط. فحتى الأشخاص الذين يرغبون في العيش بطرائق أكثر استدامة قد يفتقرون إلى المعلومات والوصول إلى المنتجات والخدمات المرغوبة والميسورة التكلفة. وهذا يؤكد أنه بخلاف الأفراد، فإن الأمر متروك للحكومات والشركات لتوفير مزيد من المعلومات ودعم التغيير الإيجابي للسلوك، وتطوير نماذج أعمال جديدة لجعل العيش المستدام خياراً افتراضياً.

يمكن للمؤسسات البحثية والمؤسسات غير الحكومية تطوير أُطر نمط الحياة المستدامة والتنبؤ بالمستقبل، من خلال جمع البيانات وبناء قاعدة أدلة تدعم الممارسات الفعلية، وبالنسبة للمؤسسات التعليمية، فقد يساعد التركيز على التفكير النقدي في إدراك كيفية تأثير قرارات الحياة اليومية على العالم، وزيادة الوعي بأهمية المبادرات المستدامة.

كما يمكن للحكومات توفير المبادئ التوجيهية والأطر والتنبؤات المستقبلية لدعم اعتماد سياسات مستدامة وتحسين البنية التحتية، لتعزيز خيارات الاستدامة في حياة الأفراد، فأطلقت الإمارات مثلاً مبادرة التصميم المجتمعي لجودة الحياة، لإشراك الأفراد في تصميم حلول لتحسين مستويات جودة الحياة، والتركيز على أسلوب حياة صحي ونشط، ما يسهم في تعزيز جهود التنمية المستدامة.

كيف تعمل الاستدامة على تحسين جودة الحياة؟

من الناحية الاجتماعية، يمكن للممارسات المستدامة أن تساعد على تقوية الروابط المجتمعية، وتحسين نوعية الحياة، وخلق الأمل بمستقبل أفضل، أما بيئياً؛ فقد يضمن أسلوب الحياة المستدام الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من تغير المناخ، لكن هل يرتبط التنوع البيولوجي بالاستدامة؟

يعزز التنوع البيولوجي مصادر الغذاء والمياه الصالحة للشرب والمستوى الصحي للأفراد، وفرص العمل المتاحة أمامهم، كما يعمل مع النظُم البيئية الصحية على زيادة القدرة على الصمود في وجه الجفاف والعواصف والكوارث وغيرها من المشاكل المناخية.

تحقيق عالم مُستدام يعني تعزيز الابتكار، والاعتماد ​​على نموذج الاقتصاد الدائري لتحقيق النمو وفتح فرص جديدة لتحسين حياة الأفراد من خلال وسائل النقل والمنازل والمدن الذكية وحلول الأعمال المبتكرة والمدفوعات الرقمية.

تصب الحياة المستدامة في فكرة عدم ترك أي شخص متخلفاً عن الركب، وتقاسُم فوائد النمو الاقتصادي وتعزيز الإدماج الاجتماعي حتى يتمكن الجميع من الوصول إلى الموارد والفرص الضرورية لعيش حياة ذات قيمة اجتماعية.

كيف يجعل الفرد نمط حياته مستداماً؟

إن اختيار الأفراد للعيش بأسلوب حياة مستدام لا يعني أنه يتعين عليهم التخلي عن بعض الأشياء أو تقليل جودة حياتهم، وإنما في الواقع، سيتعزز شعورهم بمزيد من الرضا والسعادة لمساهمتهم في عالم أفضل. فيما يلي تغييرات بسيطة وسهلة تساعد الأفراد على العيش بطريقة مستدامة.

الفواتير المستدامة

يتعامل الأفراد والشركات مع الكثير من الفواتير التي يجب دفعها، لكن مع اعتماد الفواتير الإلكترونية سيصبح نمط الحياة والعمل أسهل وأفضل للبيئة، إذ يساعد تحول أسرة واحدة فقط من كل 5 أسر إلى الفواتير الإلكترونية؛ في توفير 151 مليون رطل من الورق، وتقليل انبعاثات الغازات السامة بمقدار 2 مليون طن، والتخلص من 8.6 مليون كيس نفايات.

وعليه، يمكن التخلص من أوراق الفواتير عبر إرسال كشوف منتظمة إلى البريد الإلكتروني ما يسهل الوصول إليها وتنظيمها وأمانها.

السكن المستدام

يعكس مكان إقامة الفرد مدى وعيه بالاستدامة، فقرب الوحدة السكنية أو المنزل الذي يقطنه من مكان العمل، يعني توفير في الوقت والطاقة نظراً لعدم استخدام وسائل النقل، وينطبق ذلك أيضاً على مدى قرب مقر السكن من مدرسة الأبناء، أو مراكز اللياقة البدنية أو حتى مراكز التسوق التي يشتري منها الفرد احتياجاته.

تعتمد سنغافورة واليابان هذا الأسلوب، وتركز على التوسع الرأسي في المباني على مساحات صغيرة ما يتيح للأفراد مناطق سكنية تراعي متطلبات الاستدامة، وتقل فيها المسافات المقطوعة للوصول إلى المناطق المجاورة، أو مراكز التسوق والمرافق الأخرى.

المسألة لا تتعلق بالمسافة فقط، وإنما أيضاً بحجم الطاقة التي تحتاجها الوحدة السكنية في عمليات التبريد أو التدفئة، على سبيل المثال، تتيح إيطاليا تصنيفاً للوحدات السكنية وفقاً لحجم الطاقة التي تستهلكها، إذ يقدر أحد الفنيين احتياجات البناء من الطاقة، وبناءً عليه، يتم تعيين فئة طاقة على مقياس من A (استهلاك طاقة أقل) إلى G (استهلاك طاقة أعلى) لكل مبنى.

المنتجات المستدامة

يرتبط قرار شراء المنتجات على نحو وثيق بالاستدامة، إذ يمكن اختيار العلامات التجارية التي تلتزم بالممارسات المستدامة، كتلك التي تستخدم المواد المعاد تدويرها بدلاً من العلامات التجارية التي تضيف باستمرار مخلفاتها إلى مكبات النفايات، مثل زجاجة مياه نيون كاكتوس (Neon Cactus) القابلة لإعادة الاستخدام والخالية من البلاستيك.

كما يفضل أن يتجه الأفراد لاقتناء المنتجات المحلية أكثر من المستوردة، التي يحتاج وصولها إلى البلد المحلي استهلاك المزيد من الوقود، فضلاً عن الطاقة المُستهلكة في التوزيع والتخزين، ما يتسبب في زيادة الانبعاثات السامة، فضلاً عن ذلك، يعد شراء فاكهة أو خضراوات عضوية مزروعة محلياً أفضل من اقتناء منتجات منافسة غير عضوية سواء محلية أو مستوردة.

النقل المستدام

قد يكون لتغيير بسيط في العادات تأثير كبير ومستدام، فعندما يتجنب الأفراد استخدام السيارات قدر الإمكان، على الأقل لمسافات قصيرة، سيساعد ذلك على تقليل انبعاثات الكربون والحفاظ على البيئة.

ويعد المشي وركوب الدراجات الهوائية خيارات أكثر استدامة؛ وطريقة رائعة لممارسة الرياضة تساعد على تعزيز صحة الأفراد من جهة، ومن جهة أخرى تقلل مقدار الاعتماد على وسائل النقل التي تعمل بالوقود وتضر بالبيئة.