خلال سعينا إلى مواجهة تأثيرات الاحتباس الحراري والتأثيرات الواسعة للتغير المناخي، أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات فورية لتحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية.
وفقاً للإحصاءات، ارتفعت درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.10 درجة مئوية منذ عام 1880؛ فقد تضاعف معدل الاحترار منذ عام 1982 ثلاثة أضعاف بزيادة وسطية قدرها 0.20 درجة مئوية لكل عقد. يحدث الاحتباس الحراري بسبب انبعاثات الغازات الدفيئة (GHGs) مثل ثاني أوكسيد الكربون والميثان وأوكسيد النيتروز والغازات المفلورة الاصطناعية، التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي.
ويشكّل ثاني أوكسيد الكربون نحو 75% من انبعاثات غازات الدفيئة، التي يُعزى نحو 90% منها إلى حرق الوقود الأحفوري والزيوت والغاز. وقد دعا اتفاق باريس البلدان إلى تنفيذ السياسات اللازمة والاستثمار في التكنولوجيا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 43% بحلول عام 2030 وتحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية بحلول عام 2050، والهدف من ذلك هو الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والتأكد من توازن أي انبعاثات تدخل الغلاف الجوي عن طريق إزالة الغازات الدفيئة أو عزلها.
من الضروري عزل ثاني أوكسيد الكربون لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، ويمكن تحقيق ذلك من خلال ممارسات إدارة الأراضي أو دمج التكنولوجيا المبتكرة، وفيما يلي بعض هذه الممارسات التي يمكن تنفيذها:
إعادة التشجير والتحريج
تُمثل الغابات سبيلاً مهماً للتخلص من الكربون، حيث تمتص النباتات ثاني أوكسيد الكربون خلال عملية التركيب الضوئي، لكن ثمة صعوبات تواجه عمليتي إعادة التشجير (إعادة زراعة الغابات) والتحريج (زراعة غابات على أرض لم تُزرع من قبل)، فعملية التحريج لها عواقب ومنها نزوح المجتمعات المحلية وتعطيل زراعة المحاصيل الزراعية لحساب زراعة الأشجار وتأثر التنوع البيولوجي، الأمر الذي قد يشكّل خطراً على الأمن الغذائي ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الأغذية. إضافة إلى ذلك، تتباطأ قدرة الأشجار على عزل الكربون عندما تصل إلى مرحلة النضج، كما تعتمد كفاءة إزالة الكربون على درجة الحرارة إذ تزداد بارتفاعها وتقل بانخفاضها.
ومع ذلك، لا يمكن لإعادة التشجير والتحريج فقط مواجهة ارتفاع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، كما أن محدودية الأراضي والموارد تجعل من غير الممكن زراعة ما يكفي من الأشجار لتحييد الانبعاثات جميعها.
زراعة النباتات التي تعزل الكربون وتخزنه في التربة
تزيل هذه النباتات الكربون من الجو وتخزّنه في التربة على شكل كربون عضوي. ثمة ممارسات زراعية يمكن أن تسهّل امتصاص الكربون على مدار السنة، مثل زراعة المحاصيل ذات الجذور العميقة وزراعة محاصيل التغطية بعد حصاد المحصول الرئيسي. يمكن أن يُمثل هذا حلاً قصير الأمد للمشكلة، إذ قد ينطلق الكربون إلى الجو مجدداً عند زوال المعادن من التربة أو تحلل المواد العضوية، كما يتطلب تشجيع المزارعين على تبنّي هذه الممارسات وجود حوافز مالية.
استخدام الكتل الحيوية في إزالة الكربون وتخزينه
هذه طريقة هجينة توظف عملية التركيب الضوئي والتكنولوجيا لإزالة الكربون، فبدلاً من انطلاق الكربون إلى الجو بفعل التحلل، فإنه يُلتقط ويُخزن في المواد.
يمكن للكتلة الحيوية المزروعة لهذا الغرض أن تتنافس مع المحاصيل الغذائية وتضر بالنظم البيئية، لذا يجب الحد من زراعتها. تعتبر المواد الأولية مثل النفايات الناتجة عن المنتجات الزراعية والغابات والسائل الأسود الناتج عن صناعة الورق كتلاً حيوية مناسبة لإزالة الكربون وتخزينه، إذ يمكن تحويل هذه الكتل إلى غاز لإنتاج الغاز الاصطناعي، أو تحليلها بالحرارة لإنتاج الفحم الحيوي والزيت الحيوي، أو دفنها تحت الأرض في حاويات خاصة.
التكنولوجيا ودورها الناشئ في احتجاز الكربون
على الرغم من أن الأساليب المذكورة أعلاه لها حدودها، فإن هناك تكنولوجيا ناشئة لاحتجاز الكربون قد تؤدي دوراً رئيساً في تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية. يُفصل ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من الصناعات عن الغازات الأخرى، ثم يُضغط ويُنقل بواسطة السفن أو عبر الأنابيب إلى مواقع التخزين. ويمكن بعد ذلك تخزينه في التكوينات الجيولوجية في أعماق الأرض، وهذا ما يسمى بالعزل الجغرافي، ويتخذ ثاني أوكسيد الكربون، تحت الضغط، شكلاً سائلاً يسمى "ثاني أوكسيد الكربون فوق الحرج"، الذي يُحقن بعد ذلك في الصخور الرسوبية.
يمكن استخدام ثاني أوكسيد الكربون المُحتجز لتعزيز استخلاص النفط، حيث يُحقن في حقول النفط المتدهورة. يدفع ثاني أوكسيد الكربون المحقون النفط من الفراغات المسامية داخل صخور الخزان، وينحصر ضمن المسام نفسها بفعل الضغط الشعري.
كما تُستخدم طبقات المياه الجوفية المالحة لاحتجاز ثاني أوكسيد الكربون، ويمكن أن تكون بمثابة مستودعات محتملة لثاني أوكسيد الكربون لأنها توجد تحت الأرض والمحيطات ويمكنها تخزين كميات كبيرة من الغاز.
هناك طريقة أخرى قيد الدراسة وهي حقن ثاني أوكسيد الكربون في أنواع محددة من الصخور الغنية بالمعادن التي تحتوي على الحديد والكالسيوم وما إلى ذلك. ويشكّل ثاني أوكسيد الكربون كربونات غير قابلة للذوبان يمكن تحويلها إلى منتجات مفيدة، كما تحقن شركات البناء ثاني أوكسيد الكربون في الخرسانة لتكوين كربونات الكالسيوم التي تعمل على تقوية الخرسانة، ما يقلل كمية الإسمنت المطلوبة.
وبصرف النظر عن الاستراتيجيات المذكورة أعلاه، فمن الضروري تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري واستخدام الطاقة المتجددة. وضعت بلدان عديدة تشريعات وفرضت ضرائب الكربون على استخدام الوقود الأحفوري، واستخدمت عائداتها في إنتاج منتجات الطاقة المتجددة أو قيادة المبادرات المناخية. كما تستخدم دول أنظمة تداول الانبعاثات، وتحدد حداً أقصى للانبعاثات الإجمالية، مع توفير مرونة في بيع المخصصات الفائضة أو ادخار المخصصات للاستخدام المستقبلي. إضافة إلى ذلك، هناك أبحاث تتمحور حول إنتاج الهيدروجين الأخضر لأنه يوفر بديلاً نظيفاً للوقود الأحفوري.
إن الجهود الحالية للوصول إلى صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية لا ترقى إلى مستوى الأهداف المنصوص عليها في اتفاق باريس، ويقع على المؤسسات عبء معالجة هذه التحديات. يمكن للشركات دعم هذا المسار من خلال تنفيذ ممارسات كفاءة استخدام الطاقة، واستخدام مواد منخفضة الكربون، واعتماد ممارسات سلسلة التوريد المستدامة، وتعويض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون باستخدام تكنولوجيات احتجاز الكربون.
وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يكون الكشف عن انبعاثات الغازات الدفيئة إلزامياً، وينبغي للحكومات أن تفرض سياسات صارمة، وتحدد الأهداف، وتشجع الممارسات المستدامة. ومن الممكن أن توفر المؤسسات المالية التمويل الانتقالي للشركات لتنفيذ الخطط التي تعمل على تسريع أهدافها المتمثلة في تحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية.
إحدى العقبات الرئيسية هي أن المستهلكين لديهم فكرة خاطئة مفادها أن تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية هو مسؤولية الحكومات والشركات، كما أنهم يشعرون بالقلق إزاء التأثير المالي الذي قد يخلّفه هذا التحول عليهم، لذا، يجب على الشركات تثقيف المستهلكين حول أهمية مبادرات الاستدامة الفردية وأثرها، واستخدام قنوات التواصل الاجتماعي للتأثير على قرارات الشراء التي يتخذونها.
وأخيراً، سيتطلب تحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية التعاون بين الحكومات والشركات وأصحاب المصلحة والمستهلكين، ويجب على الدول أن تعمل في شراكة وتدعم البلدان النامية لتحقيق الأهداف التي حددها اتفاق باريس والحد من تغير المناخ.