على غرار العديد من المدن التي تضم جامعات كبيرة، تواجه مدينة شارلوتسفيل عجزاً في الإسكان الميسور التكلفة، ويقدر هذا العجز بأكثر من 4,000 وحدة سكنية. ومع ارتفاع تكاليف السكن وانخفاض الأجور، يواجه العديد من العائلات صعوبات جمة، لا سيما العائلات الأميركية من أصول إفريقية.
تأسس صندوق باما ووركس بمبادرة من فرقة ديف ماثيوز الموسيقية في عام 1991، وهو إحدى المؤسسات العديدة التي تعمل على معالجة أزمة الإسكان، وذلك من خلال قدرته على حشد رأس مال تحفيزي ضخم وغير مسبوق والعمل على تعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة لسد نحو ثلث العجز في الإسكان الميسور التكلفة في المدينة. نفذ الصندوق حتى الآن عدة مشاريع لإعادة تطوير قطاع الإسكان ميسور التكلفة، مثل تجديد مجمعات كريسنت هولز وساوث فيرست ستريت وسيكسث ستريت وويست هايفن، وقد قاد هذه المبادرات السكان أنفسهم؛ إذ لا تقتصر هذه المشاريع على تجديد المساكن القائمة لإنشاء مئات الوحدات السكنية الميسورة التكلفة فحسب، بل تشمل أيضاً إضافة مرافق مهمة ووسائل راحة قيمة، مثل العيادات الصحية (بالشراكة مع جامعة فيرجينيا)، وتضمين حلول الطاقة الشمسية والتصاميم ذات الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة.
ولكن كيف تمكن الصندوق من تحقيق هذا النجاح؟ ببساطة، من خلال تعزيز المشاركة الاجتماعية وهيكلة مصادر التمويل المختلفة، وتعزيز الحوافز المرتبطة باستخدام الطاقة النظيفة.
1. المشاركة الاجتماعية
يرتبط نجاح صندوق باما ووركس إلى حد كبير بتركيزه على تعزيز المشاركة الاجتماعية. وقد بدأت هذه المبادرة استجابة لموجة أعمال العنف التي عصفت بمجتمع شارلوتسفيل خلال مظاهرة "توحيد اليمين" في شهر أغسطس/آب عام 2017. ونظراً لأن فرقة ديف ماثيوز انطلقت في الأصل من مدينة شارلوتسفيل، فقد قدمت أكثر من 40 مليون دولار من المساهمات للجمعيات الخيرية المحلية من خلال مؤسسة مجتمع منطقة شارلوتسفيل الخيرية، ما ساعدها على تكوين علاقات قوية مع المؤسسات المحلية وأكسبها قدرة كبيرة على مواجهة تحديات الإسكان الميسور التكلفة في المدينة. واستجابةً لمظاهرة توحيد اليمين، نظم صندوق باما ووركس بالتعاون مع الشركة المسؤولة عن إدارة الفرقة، ريد لايت مانجمنت، حفلاً موسيقياً مجانياً لأبناء المجتمع المحلي بعنوان "حفل شارلوتسفيل"، وهو فعالية مجانية للمجتمع المحلي أسهمت في جمع تبرعات خيرية لضحايا العنف ومبادرات العدالة العرقية، كما ساعد هذا الحدث على إطلاق مشاريع إعادة تطوير الإسكان الحكومي في مدينة شارلوتسفيل. وفي عام 2018، تعهد صندوق باما ووركس بتقديم تبرعات من القطاع الخاص بقيمة 5 ملايين دولار لمعالجة نقص الوحدات السكنية الميسورة التكلفة في المدينة. وقد أدى هذا التمويل دوراً أساسياً في إطلاق جهود يقودها السكان لاستبدال وحدات الإسكان الحكومي جميعها وإنشاء خيارات إضافية للإسكان الميسور التكلفة.
كان وضع الإسكان الحكومي في مدينة شارلوتسفيل في عام 2017 متدهوراً وكان يتطلب تبني نهج منظم ومتكامل لإعادة تأهيله. مع سعي هيئة الإسكان وإعادة التطوير في مدينة شارلوتسفيل لتجديد نظام الإسكان الحكومي في المدينة، أصبح المشروع قابلاً للتطبيق من خلال الاستفادة من الشراكات مع شبكة من الجهات العامة والمؤسسات غير الربحية والخاصة، مثل جمعية قاطني المساكن الحكومية ومستثمرين من القطاع الخاص مثل صندوق باما ووركس وشركة ريفربيند ديفلوبمنت. بعد الاعتراف بالأخطاء السابقة، مثل الهدم التعسفي للأحياء التي يقطنها أصحاب البشرة الداكنة، مثل حي فينيغار هيل، ركزت هيئة الإسكان وإعادة التطوير في مدينة شارلوتسفيل على تبني نهج يعتمد على المشاركة الاجتماعية بقيادة السكان، ما يضمن إيصال أصوات سكان مدينة شارلوتسفيل وتمثيلهم في هذه العملية. كان السكان في كل مشروع محور عملية صناعة القرار وإعادة تخطيط مجتمعهم لضمان تحقيق عدالة الإجراءات. لقد أصبح إصلاح نظام الإسكان الحكومي بالكامل في مدينة شارلوتسفيل مشروعاً بالغ الأهمية لتحسين حياة السكان وتقديم نموذج لمبادرات الإسكان الحكومي الأخرى.
تمثلت المبادرة الأولى لصندوق باما ووركس في مجال الإسكان الميسور التكلفة في إعادة تطوير مجمع كريسنت هولز؛ إذ كان هذا المجمع السكني، الذي يركز على خدمة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، يعاني تدهوراً ملحوظاً قبل بدء أعما التجديد. وقد أعرب السكان لسنوات عديدة عن قلقهم بشأن الظروف المعيشية السيئة، التي تضمنت انتشار الحشرات وتعطل آلات الغسيل والأضرار الناتجة عن تسرب المياه وتلف أنظمة التدفئة والتهوية والتكييف، ما تسبب في ارتفاع شديد في درجات الحرارة، بالإضافة إلى تدني مستوى النظافة في المرافق العامة المشتركة. ونظراً لأن السكان هم الأكثر قدرة على تحديد احتياجاتهم الفعلية، فقد شاركوا في جلسات تفاعلية منتظمة تسمح لهم بالتعبير عن مخاوفهم مباشرةً للمهندسين المعماريين والمقاولين، وقد قدمت جمعية قاطني المساكن الحكومية الدعم من خلال توجيه الفريق المعني بعملية التجديد نحو أولويات السكان واحتياجاتهم.
تلقى سكان مجمع كريسنت هولز الحاليين ضمانات باستلام وحداتهم السكنية بعد التجديد، ما يضمن بقاءهم في مساكنهم الحالية وعدم نقلهم إلى أماكن أخرى. عندما فرضت المشكلات المتعلقة بالأضرار الناجمة عن تسرب المياه خلال أعمال البناء إجلاء السكان كافة، سارع مجتمع شارلوتسفيل لتقديم المساعدة وتدخل المالك المحلي لفندق هوم تو سويتس الذي يقع في شارع مونتيتشيلو، وقدم أماكن إقامة بأسعار مخفضة للسكان، مع تكفل فريق المشروع بدفع الإيجار. وبعد الانتهاء من تجديد مجمع كريسنت هولز، أطلق صندوق باما ووركس العديد من مشاريع تجديد الإسكان الحكومي الأخرى، التي تعتمد النهج نفسه المتمثل في التركيز على احتياجات المجتمع والحصول على دعم السكان المحليين ومشاركتهم في صناعة القرارات وقيادة المشروع، وهي العوامل التي أسهمت في نجاح مشروع كريسنت هولز.
2. هيكلة مصادر التمويل المختلفة
تحققت مشاريع تطوير الإسكان الميسور التكلفة هذه من خلال اعتماد استراتيجيات مبتكرة تجمع بين التمويل المختلط وخطط التطوير. تتطلب إعادة تطوير المجتمعات عادة استثمارات رأسمالية كبيرة، ويفتقر العديد من المؤسسات إلى الموارد أو الحوافز اللازمة للاستثمار الكامل في مشاريع مساكن ذوي الدخل المنخفض. تساعد هيكلة مصادر التمويل المختلفة على تحفيز مشاريع الإسكان الميسور التكلفة من خلال تجميع مصادر تمويل مختلفة لتغطية تكاليف المشروع، وذلك عبر دمج التمويل المنخفض التكلفة والطويل الأجل، مثل المنح، والتمويل المرتفع التكلفة، مثل القروض. يسهم هذا النهج المتعدد المستويات في تسهيل تأمين التمويل، ما يساعد على تقليل الأعباء المالية على المطورين ويعزز فرص تنفيذ مشاريع الإسكان الميسور التكلفة. على سبيل المثال، جمع مشروع تجديد مجمع كريسنت هولز تمويلاً بقيمة 94 مليون دولار، وقد شمل ذلك تمويلاً خيرياً من صندوق باما ووركس بنسبة 5.6% واستثمارات من القطاع الخاص بنسبة 8.5% ومساهمات من مدينة شارلوتسفيل بنسبة 15.9%، بالإضافة إلى الاعتمادات الضريبية لمساكن ذوي الدخل المنخفض بنسبة 70%.
تشكل الاعتمادات الضريبية عنصراً أساسياً في هيكل التمويل المتعدد المصادر؛ فعلى سبيل المثال، تساعد الاعتماداتالضريبية لمساكن ذوي الدخل المنخفض المطورين على بناء المساكن الميسورة التكلفة أو تجديدها من خلال منح إعفاءات ضريبية للشركات مقابل التزامها بإبقاء أسعار الإيجارات منخفضة لمن هم في أمس الحاجة إليها. يشجع هذا النهج الشركات التابعة للقطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع الإسكان الميسور التكلفة من خلال تقليل الأعباء الضريبية المترتبة عليها، ما يسهم في توفير مزيد من المنازل لذوي الدخل المحدود.
وعلى الرغم من أن الاعتمادات الضريبية لمساكن ذوي الدخل المنخفض تشكل جزءاً مهماً من هيكلية مصادر تمويلصندوق باما ووركس، فإنه يمثل نسبة صغيرة من إجمالي مصادر التمويل لمشروع تجديد مجمع سيكسث ستريت؛ إذ يعتمد المشروع بدرجة كبيرة على التبرعات الخيرية، ولكن تجدر الإشارة إلى أن مصادر تمويل مشاريع الإسكان الميسور التكلفة تختلف من مشروع لآخر. تعتمد نسبة الدين إلى حقوق المساهمين في مصادر التمويل على احتياجات المشروع من الموارد وتوافر التمويل من الجهات المحلية والحكومية والفيدرالية والقدرة على تأمين الاستثمارات من القطاع الخاص أو الجهات الخيرية. على سبيل المثال، تتضمن المرحلة الأولى من مشروع إعادة تجديد مجمع سيكسث ستريت تمويلاً متنوعاً يشمل مساهمات خيرية بنسبة 12.6% وتمويلاً من وزارة الإسكان والتنمية المجتمعية في ولاية فيرجينيا بنسبة 12.9% ومساهمات من مدينة شارلوتسفيل بنسبة 9.4% والاعتمادات الضريبية لمساكن ذوي الدخل المنخفض بنسبة 39.2% وقرض الإسكان في ولاية فيرجينيا بنسبة 22.3% ورسوم المطور المؤجلة بنسبة 2.3% والأراضي التي تمنحها هيئة الإسكان بنسبة 1.3%، ليبلغ إجمالي رأس المال 31.84 مليون دولار. يمكن أن يمثل الاعتماد على استراتيجية التمويل المختلط المبتكرة والاستفادة من الحوافز المتاحة، مثل الاعتمادات الضريبية لمساكن ذوي الدخل المنخفض، خطوة فعالة ومثمرة بالنسبة للمشاريع التي تسعى لتطبيق نهج مدينة شارلوتسفيل.
3. تعزيز الحوافز المرتبطة باستخدام الطاقة النظيفة
تهدف مشاريع الإسكان الميسور التكلفة إلى دمج ميزات الطاقة النظيفة مثل الألواح الشمسية واعتماد التصاميم ذات الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة بهدف خفض تكاليف الخدمات العامة وتعزيز الاستدامة البيئية. من الطبيعي أن تمثل التكاليف الاستثمارية الأولية المرتفعة عائقاً أمام المطورين الذين يركزون على تقديم حلول الإسكان بأسعار معقولة، ولكن يمكن الاستفادة من التمويل على مستوى الولايات واستراتيجيات التمويل الإبداعية لتجاوز هذا التحدي.
يقدم صندوق باما ووركس نموذجاً للتغلب على العوائق المالية التي تحول دون دمج ميزات الطاقة النظيفة، وذلك باستخدام برامج مثل الإعفاءات الضريبية لمشاريع الطاقة الصفرية المقدمة من وزارة الطاقة بولاية فيرجينيا، وتمويل الابتكارات المتعلقة بتحسين كفاءة الطاقة في قطاع الإسكان في ولاية فيرجينيا، واتفاقيات شراء الطاقة مع شركات تطوير أنظمة الطاقة الشمسية. على سبيل المثال، تضمن مشروع تجديد مجمع كريسنت هولز تركيب ألواح شمسية ممولة بوسائل مبتكرة، مثل بيع زجاجات المياه القابلة لإعادة الاستخدام، واعتمد مشروع تجديد مجمع ساوث فيرست ستريت على اتفاقية شراء الطاقة الشمسية مع شركة صن ترايب، ما أتاح تركيب الألواح الشمسية على الأسطح بتكلفة مبدئية قليلة جداً، بالإضافة إلى ذلك، دعمت وزارة الإسكان والتنمية المجتمعية في ولاية فيرجينيا العديد من مشاريع صندوق باما ووركس عبر برنامج تمويل الابتكارات المتعلقة بتحسين كفاءة الطاقة في قطاع الإسكان؛ إذ وفرت تمويلاً يتراوح بين 1.5 و2 مليون دولار لكل مشروع لتغطية تكاليف تحسين كفاءة الطاقة.
لا شيء مستحيل
يوضح النهج المبتكر لصندوق باما ووركس في بناء وحدات سكنية ميسورة التكلفة في مدينة شارلوتسفيل قوة المشاركة المجتمعية واعتماد هيكل تمويل متعدد المصادر بطريقة استراتيجية ودور الحوافز المتعلقة باستخدام الطاقة النظيفة. من خلال حشد رؤوس الأموال من الجهات الخاصة والعامة والخيرية، نجح صندوق باما ووركس في تجديد العديد من مجمعات الإسكان الحكومي بنجاح، مع الحرص على أن يظل السكان محور التخطيط والتنفيذ. لا تقتصر المشاريع التي ينفذها الصندوق على توفير مساكن ميسورة التكلفة فحسب، بل تتضمن مشاركة السكان والتركيز على احتياجاتهم في عملية صناعة القرار لضمان تحقيق نتائج عادلة للمجتمع. كما تتضمن المشاريع حلولاً للطاقة المستدامة، ما يؤدي إلى تقليل تكاليف الخدمات العامة وتعزيز الاستدامة البيئية من خلال الاستفادة من الحوافز المتاحة على مستوى الولاية. يوفر هذا النموذج القائم على التعاون بين القطاعات المختلفة والمبادرات التي يقودها السكان إطاراً قابلاً للتكرار والتطبيق لمعالجة التحديات التي تواجه قطاع الإسكان الميسور التكلفة على مستوى النظام في المجتمعات الأخرى.