ما تتركه خلفك هو ما تنسجه في حياة الآخرين. وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم؛ تزداد الحاجة لأفراد مؤهلين لتقديم حلول فعّالة للتحديات المجتمعية مثل الفقر، وتمكين المرأة، وحماية البيئة.
هناك فرص هائلة للجامعات لتقديم مساهمات قيمة للغاية في قطاع التأثير الاجتماعي؛ إذ تُعد أداة قوية لإعداد الجيل القادم من علماء الاجتماع، وواضعي السياسات، وروّاد الأعمال الاجتماعيين وموظفي الخدمة المدنية، فكل مشروع اجتماعي يحتاج إلى فريق من الموظفين المتعلمين على مستوى عالِ.
يشير "تقرير الأثر الألفي لعام 2014" إلى أن 4 ملايين طالب الكليات والجامعات في أميركا حصلوا على درجات علمية على أمل دخول سوق العمل، واعتبر 55% منهم أن الاهتمام بالقضايا الاجتماعية سيكون عاملاً مهماً في تحديد مكان العمل، وأدى ذلك إلى تزايد برامج الجامعات لريادة الأعمال الاجتماعية في جميع أنحاء العالم؛ إذ يوجد 148 مركزاً في 350 دولة، وعملت مؤسسة أشوكا العالمية التي تروج للابتكار الاجتماعي في التعليم العالي من خلال تطوير شبكة عالمية من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وقادة المجتمع الذين يعملون على تطوير هذا المجال، توسعت إلى 30 حرماً جامعياً خلال السنوات القليلة الماضية.
أهمية ممارسة الشباب الجامعي للخدمة المجتمعية
يمكن للجامعات ومؤسسات التعليم العالي أن تجعل شهاداتها أكثر انخراطاً عبر مزج الأسس الاقتصادية والاجتماعية التقليدية مع تجارب واقعية وعملية؛ ما يساعد في إعداد الطلاب للدخول في عالم ريادة الأعمال الاجتماعية، وفي هذا الإطار، عمل الباحث المصري "حمدي عبد العال عبد الله" على دراسة بعنوان: "الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية وتنمية بعض مهارات ريادة الأعمال الاجتماعية لدي الشباب الجامعي" لتحديد مدى فعالية التدخل المهني باستخدام الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية في تأهيل الشباب الجامعي للدخول في عالم ريادة الأعمال.
وتوصلت الدراسة التي طُبقت على 15 شاباً جامعياً في "المعهد العالي للخدمة الاجتماعية" بمحافظة قنا المصرية، إلى أن التدخل المهني باستخدام الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية هو وسيلة فعالة لتنمية بعض مهارات ريادة الأعمال لدى الشباب الجامعي.
تعزز ريادة الأعمال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ما دفع الدول إلى إدخال تعليم ريادة الأعمال في الجامعات القائم على الإبداع، وتوليد الأفكار، والابتكار؛ نظراً لضعف استيعاب الجهاز الإداري في معظم الدول لجميع الخريجين في العمل ولأن التحوّل من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد معرفي يتطلب مجموعة من المهارات التي على الشباب اكتسابها. في ظل عدم تمكن نظام التعليم من مواكبة المتغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي؛ رصدت دراسة بريطانية بعنوان: "تعليم ريادة الأعمال الفنية في المملكة المتحدة وألمانيا" حالة تعليم ريادة الأعمال الاجتماعية في مؤسسات التعليم العالي في إنجلترا وألمانيا، وكشفت عن ضعف التعليم الريادي في البلدين، ومعاناة الطلاب من عدم وضوح الرؤية لافتقارهم إلى مهارات تنظيم الأعمال والبرامج التدريبية المتخصصة بالمهارات الريادية.
الحاجة إلى ريادة الأعمال الاجتماعية في عالم متغير
مع نمو مشاكل المجتمع، تزداد الحاجة إلى ريادة الأعمال الاجتماعية؛ إذ تركز معظم نماذج الأعمال على تعظيم الربح، لكن عندما يتعلق الأمر بريادة الأعمال الاجتماعية؛ يتحول اهتمام المؤسسات الاجتماعية، أو الشركات التي تضم رواد أعمال اجتماعيين نحو التأثير الاستباقي في التغيير الاجتماعي الإيجابي، وبحسب دراسة نرويجية بعنوان: "بحوث ريادة الأعمال الاجتماعية: الإنجازات الماضية والوعود المستقبلية" يمكن للشركات أن تساعد في تخفيف عبء الفقر، وتعزيز الإدماج والتغيير المؤسسي.
أدى تأثير جائحة "كوفيد-19" إلى بروز المؤسسات الاجتماعية في المقدمة، وحوّلت العديد من المؤسسات التقليدية تركيزها لدعم الصالح العام واحتياجات الجمهور أثناء الوباء، وشهد العِقد الماضي زيادة في ريادة الأعمال الاجتماعية بسبب التطور التكنولوجي وتنامي مصلحة المسؤولية الاجتماعية نتيجة التشريعات الحكومية، والاهتمام بتحقيق الاستدامة، وعكس الوباء مدى هشاشة المجتمع أمام الأزمات، إذ توقع البنك الدولي أن يواجه ما يزيد عن 100 مليون شخص الفقر المدقع بسبب الوباء. فقد أغلقت الشركات أبوابها وفقد الناس وظائفهم وأحبائهم. وعلى هذا النحو، أصبح رواد الأعمال الاجتماعيون أول المستجيبين الذين يمكنهم التوفيق بين جهود الأعمال بهدف تقديم المساعدة الاجتماعية والحماية للأشخاص الذين لن تُلبى احتياجاتهم.
تفتح ريادة الأعمال الاجتماعية مسارات جديدة للمهمشين والمحرومين، وتُطلق العنان لإمكانات المجتمع لإحداث تغيير اجتماعي، لكن المؤسسات الاجتماعية تواجه عدة تحديات، أبرزها:
- نقص الدعم التمويلي بسبب الاعتقاد الخاطئ الأساسي بأن المؤسسات الاجتماعية غير مربحة وهناك مخاطر تتعلق بتمويلها، لذا يكافح رواد الأعمال الاجتماعيون لجمع رأس المال المطلوب واستثمار مدخراتهم في الغالب لمعالجة المشكلات الاجتماعية.
- الافتقار إلى بيئة مناسبة تدعم وتعزز استدامة المؤسسات الاجتماعية. بالنظر إلى أن معظمها يبدأ بمعالجة المشكلات الاجتماعية مع ندرة الدعم الحكومي؛ تصبح فرص التوسع محدودة من العمل الإضافي بسبب قيود الموارد.
- الافتقار إلى استراتيجية عمل مناسبة تساعد في تطوير الحلول الاجتماعية؛ إذ يفتقر رواد الأعمال الاجتماعيون، في بعض الأحيان، إلى المعرفة اللازمة لإدارة المشاريع الاجتماعية، والمهارات الإدارية المطلوبة التي تسمح لهم بالتخطيط والتنبؤ المالي وما إلى ذلك.
إعداد الطلاب الجامعيين لريادة الأعمال الاجتماعية
على الرغم من التوجه العالمي لتبنيّ أنظمة التعليم المعاصرة المواكبة لاقتصاد المعرفة بهدف إعداد الشباب وتهيئتهم للتأثير في المجتمع، فإن التعليم الجامعي ما زال يعاني من التباين بين المضمون الذي يتم تعليمه حالياً في الجامعات والتوقعات التي تفرضها التغيرات السريعة في عالم اليوم. من هنا تبرز الحاجة إلى مزيد من الجهود لصانعي القرارات التعليمية بتجديد مضمون التعليم الجامعي، والتركيز في دور الخدمة الاجتماعية التي تسعى لتحقيق العدالة والتنمية الإجتماعية.
تتطلب الثقافة الريادية تشجيع الشباب الجامعي وتحفيزه لتعلم مهارات ريادة الأعمال وتطوير السمات العامة لها؛ إذ أكدت دراسة سعودية بعنوان: "ريادة الأعمال الاجتماعية وموقف الخدمة الاجتماعية منها" أهمية البدء بالاهتمام بتعليم ريادة الأعمال الاجتمـاعية ضمن مناهج الخدمة الاجتماعية لتحقيق التقارب، والاستفادة من المعطيات النظرية والمهنية التي يمكن أن تحقق العدالة الاجتماعية التي تنشدها المهنة.
كي يحدث تغيير اجتماعي حقيقي؛ يجب الترحيب بأصحاب المشاريع الاجتماعية من جميع الخلفيات، ولكن الجامعات ببساطة لا تستطيع القيام بذلك في شكلها الحالي. لذا يجب أن يكون الدخول إلى برامج تعلم ريادة الأعمال الاجتماعية متاحاً للجميع، وفي هذا الإطار تقدم أفضل كليات إدارة الأعمال الآن ضعف عدد الدورات التدريبية في الإدارة غير الربحية. نظراً لتزايد ميل صانعي التغيير من الطلاب الجامعيين نحو عالم الأعمال، فإن السؤال المهم الذي يجب على جميع المهتمين بالتقدم في المجال أن يفكروا فيه هو: ما مدى جودة إعداد الطلاب للتعامل مع الجوانب العملية لريادة الأعمال الاجتماعية؟
على سبيل المثال، يهدف برنامج ستانفورد للريادة الاجتماعية إلى زيادة وعي بالدور الحيوي لتعلم الخدمة، أي التدريب القائم على المهارات في الفصل الدراسي لمشاركة الحكمة التجريبية حول العمل اليومي لريادة الأعمال الاجتماعية، في سد الفجوة بين المعرفة والممارسة، على سبيل المثال، تدريب الطلاب على طرق جمع التبرعات، وقياس تأثير البرامج، ولتوفير رؤية عملية إضافية؛ يتمتع طلاب التعلم الخدمي بفرصة تطبيق ما تعلموه من خلال المشاريع النهائية التي تدعم عمل المؤسسات غير الربحية، كما يتمثل أحد الجوانب الفريدة لبرنامج ريادة الأعمال الاجتماعية في ستانفورد باستضافة روّاد أعمال اجتماعيين مقيمين "سيرز فولوز" (SEERS Fellows).
تتأثر نية الطلاب الجامعي بممارسة ريادة الأعمال الاجتماعية بعدة عوامل، ووفق دراسة كندية بعنوان: "تأثير الجامعة على نية ريادة الأعمال الاجتماعية لدى الطلاب" تحفز المعايير البيئية والاجتماعية في الجامعة، إلى جانب الخبرة في القضايا الاجتماعية والثقافية والبيئية لممارسة ريادة الأعمال الاجتماعية من خلال التأثير في بوادر التعاطف الأقرب مع الآخرين، والكفاءة الذاتية المتصورة، والدعم المجتمعي المتصور والمسؤولية الاجتماعية والثقافية والبيئية.
قدّمت دراسة مصرية بعنوان: "استراتيجية مقترحة لتفعيل دور جامعة حائل في تأصيل ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب الجامعي"، استراتيجية مقترحة لتفعيل دور "جامعة حائل" في تأصيل ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب الجامعي، تمثلت في إنشاء أقسام ريادة الأعمال في الكليات، والمعاهد العليا، وإنشاء وحدات للإبداع، والابتكار لتكون المحفز لنشر ثقافة التعليم الريادي وريادة الأعمال، وتدريب الطلاب على مهارة الأعمال.
إذن، من مسؤولية التعليم الجامعي نشر ثقافة العمل الريادي الاجتماعي، وتزويد الشباب بالمهارات التي يحتاجونها بعد التخرج، وتنمية روح المبادرة، والابتكار، والإبداع لتفعيل دورهم في التغيير الإيجابي بالمجتمع.
نُشر المقال استناداً على بحث من منصة "ساهم".