العطاء لمن هم أقل حظاً، سمة نتعلم تقديرها منذ الصغر. عند حدوث إعصار مثلاً يسارع الأفراد إلى تعبئة جهود الإغاثة، وتوفير بنوك الطعام، وتنظيم حملات بيع الملابس، ومطابخ الإيواء لمساعدة جميع الضحايا دون تمييز؛ فالعطاء صفة إنسانية تتخطى جميع السياقات بما في ذلك الجغرافيا والعِرق والدين.
في الواقع، عندما يتعلق الأمر بالعطاء نجد المجتمعات العربية أكثر كرماً في بعض المواسم، لأنها تعمل على تعزيز أهمية عمل الخير للفرد والمجتمع، ويمكن الاعتماد على ذلك في إدارة العمل الخيري على نحوٍ مستدام.
توظيف المبادئ الإدارية في العمل الخيري
"اعمل خيراً وألقه في البحر"، مثل شعبي يتداوله الناس في المنطقة العربية تعبيراً عن عدم توقع مقابل عند مساعدة الآخرين؛ فالعطاء وسيلة مهمة لإنشاء شبكة أمان اجتماعي للمحتاجين، وفي كثير من الأحيان، يكون الدافع وراءه هو مواقف الناس وسلوكهم، ومعتقداتهم الدينية، وثقافاتهم، وتعليمهم، والتي يمكن الاستفادة منها وتوظيفها لإدارة العمل الخيري بطريقة أفضل، وعليه، عمل الباحثون من "جامعة المدينة العالمية" الماليزية، "عبد المجيد بن عبد العزيز البشر"، و"إسموليادي لوبيس"، و"فضلية بنت منصور" على دراسة بعنوان: "المبادئ الإدارية في العمل الخيري من حيث دورها وأهميتها من منظور إسلامي" لمعرفة أهم المبادئ الإدارية في العمل الخيري ودورها في تحقيق أهدافه ومقاصده، وتوصلت الدراسة أن العمل الخيري الناجح يمكن أن يسهم بفاعلية في إحداث تنمية شاملة ومستدامة، بتأهيل المحتاجين مهنياً ليتحولوا من الاحتياج إلى الإنتاج، وأن فهم المبادئ الإدارية للعمل الخيري وتطبيقها يؤدي إلى تحقيق أهدافه ومقاصده.
أدى تطور المجتمع المستمر إلى التحول نحو العمل المؤسسي المبني على أسس علمية ومهارية، وباتت الإدارة وتطبيقاتها وممارساتها المهنية تمثل إحدى الركائز المحورية للعمل المؤسسي، وأداة رئيسة في نجاح أي مؤسسة أو إخفاقها.
تساعد الإدارة الفعّالة في تحقيق أهداف المجتمع عبر مؤسساته المتعددة، وتستخدم كأداة لتحفيز الطاقات واستثمار الإمكانات البشرية والمادية، وزيادة كفاءة الجهد الإنساني، وتعدى دورها التنفيذ إلى الإسهام في وضع السياسات العامة، وصياغة الأهداف، واتخاذ القرارات، وهذا ينطبق على مؤسسات العمل الخيري التي يجب عليها توظيف مبادئ الإدارة لإنجاح العمل الخيري وتحقيق أهدافه.
تعتمد الإدارة على مبادئ رئيسة في تقديم العطاء تتمثل في عدم التباهي، وعدم المساس بكرامة المحتاج، والاستمرار في العطاء حتى يصل المتلقي إلى حالة الاكتفاء الذاتي، أي إقامة علاقة مستدامة بين المانح والمتلقي بدلاً من خلق دورة من التبعية، وهذا ما ينعكس في شعار "المركز الباكستاني للأعمال الخيرية": "أعط بفاعلية، أعط بذكاء، أعط بسلاسة، أعط بطريقة استراتيجية".
دور المبادئ الإدارية في نجاح العمل الخيري
إن ما يميز عمل المؤسسات الخيرية هو تعدد أهدافها، لذا، تحتاج إلى أن تقوم على 5 أسس متينة لضمان بلوغ غاياتها المنشودة، وهي:
- وضوح الأهداف والرسالة وتركيزها على المستفيدين، يساعد في تنفيذ المبادرات والبرامج بطريقة صحيحة وفعالة، ويشجع المانحين والمتبرعين على العطاء ويخلق لديهم شعور بالمساهمة شخصياً في تحقيق رؤية المؤسسة، ويمكن تطبيق ذلك من خلال عقد لقاءات دورية بين مؤسسات العمل الخيري والعاملين فيها من جهة، وبينها وبين المانحين من جهة أخرى لتوضيح الرؤية والأهداف والآليات الإدارية، ما يساعد في زيادة الوعي بكافة الإجراءات والجهود المبذولة والمطلوبة لتحقيق مقاصد العمل الخيري.
- التركيز على احتياجات المستفيدين وتلبية توقعاتهم من العمل الخيري؛ إذ ينبع رضا المستفيد من تفعيل المبادئ والأخلاق لمراعاة حق المستفيد وحفظ كرامته، ولتحقيق ذلك، يجب العمل بكل الوسائل لرصد متطلبات المستفيدين وترجمتها إلى خصائص، والتطوير الدائم في التعامل مع هذه المتطلبات والسعي لتحقيقها.
- الالتزام بإنجاز العمل وإتقانه مبدأ أصيل في العمل الخيري، وينعكس من خلال إدارة المؤسسات الخيرية وفق خطط منظمة ومدروسة، والتركيز على "الكيف" المتمثل في الإتقان، وليس "الكم" المتمثل في العدد؛ فتفعيل هذا المبدأ يساعد في تحقيق الجودة ويزيد فاعلية الوسائل والأساليب الإدارية المناسبة، ويقلل من الأخطاء في العمل الخيري، ويعزز من الابتكارات والمبادرات ذات الأثر طويل المدى.
- التنظيم الجيد من خلال إيجاد معايير محددة وملزمة للعاملين والمستفيدين، مع تنمية الرقابة الذاتية لضبط السلوك، والحد من وقوع الأخطاء، ما يساهم في توقع المشكلات قبل حدوثها والحفاظ على السلامة الإدارية والمالية والبشرية للمؤسسة الخيرية.
- بناء فريق العمل الواحد عبر تعزيز روح العمل الجماعي، وتشجيع العاملين على التفاعل والتأثير الإيجابي.
اختلاف النظريات الإدارية حول العمل الخيري
تختلف نتائج النظريات الإدارية من حيث الغاية والهدف باختلاف الثقافات، فالفكر الغربي الليبرالي يغلب عليه الطابع المادي البحت الذي يمنح المنفعة والمكاسب أولوية على حساب القيم والجانب الإنساني، وبذلك، يختلف عن الفكر الإداري في المنطقة العربية نتيجة التباين في الأسس والمنطلقات الفكرية والمبادئ.
تتناول النظرية الغربية الأمور بصورة مادية ومحسوسة؛ فأصبحت العملية الإدارية للعمل الخيري ذات مؤشرات ومعايير وأرقام تجعله قابلاً للقياس، وهذا ما لا يمكن تحققه في كل عمل خيري؛ فمن الممكن حساب عدد المستفيدين من المشروع الخيري، لكن لا يمكن وضع معيار رقمي للمشاريع الخيرية الموجهة للوعظ والتأثير في العاطفة، وعلى الرغم من التفوق الإجرائي للمنظور الغربي في الإدارة؛ لكن يبقى الفكر الإداري العربي متميزاً في مجال المبادئ والقيم، ما يجعلها تسهم بدور رئيسي في تحقيق الأهداف، ومن الخصائص التي تميزه:
- تقديم الخدمة لجميع الناس دون تمييز.
- استشعار القائمين على إدارة العمل الخيري بالرقابة الذاتية.
- ممارسة نشاطات مباحة من أجل الوصول لأهداف مشروعة.
- القيام بالمهام وفق قواعد وأحكام محددة.
- العمل على إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية والنفسية والفكرية.
ومن المبادئ الإدارية ذات العلاقة بالعمل الخيري:
- مبدأ تسهيل تحقيق الأهداف، ويتطلب سلاسة الإجراءات، وحسن التنفيذ، وتوفير الإمكانات.
- مبدأ الفاعلية في الأداء، أي تحقق الهدف بأقصر الطرق وبأقل تكلفة ممكنة انطلاقاً من نُبل الغاية.
- مبدأ وحدة الأمر والتوجيه، لضمان تحقيق الهدف في الوقت المحدد.
- مبدأ سلاسة التسلسل الإداري، والتفاوت في الدرجات والرتب هنا يخدم الهدف، وليس مقصوداً لذاته كما في العمل الحكومي أو الخاص.
بالمحصلة، يقدم المنظور الإداري للعمل الخيري نموذجاً متسقاً مع أهدافه، لاستناده إلى القيم المتسمة بالأصالة والمعاصرة التي تساعد في نجاح المشاريع والمبادرات الإنسانية.
هذا المقال نُشر بناءً على أبحاث من منصة "ساهم".