هل فشلت الرأسمالية في تأمين المساكن اللائقة؟

تأمين المساكن اللائقة
shutterstock.com/Andrii Yalanskyi
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل يمكن أن يساعدنا التحليل الماركسي على فهم مشاكل السكن في البلدان الثرية في القرن الواحد والعشرين؟ نعم، يجيب ديفيد مادن، عالم الاجتماع في كلية لندن للاقتصاد (London School of Economics)، وبيتر ماركوس، الأستاذ الفخري للتخطيط الحضري في جامعة كولومبيا (Columbia). ويعرضان حجتهما بجرأة في كتابهما القصير “دفاعاً عن السكن” (In Defense of Housing)، مطالبين باعتبار السكن حقاً أساسياً من حقوق الإنسان غير خاضع لقوانين السوق، وتوزيعه وفقاً للحاجة بدلاً من الثروة أو الدخل.

لكن نظريتهما غير مبنية على التركيز الماركسي التقليدي على التطور الرأسمالي والتصنيفات المعتادة مثل الطبقة الاجتماعية والعمل. بدلاً عن ذلك، يتبع الكاتبان منهج هنري لوفيفر الفكري، الذي دافع عن “الحق في المدينة” ورأى في سكان المدن وحركاتهم الاجتماعية قوة دافعة للتغيير.

التسليع المتزايد للمنازل

يبدأ الكتاب بانتقاد التسليع المتزايد للمنازل، بمعنى أن “وظيفة الهيكل كعقار تتفوق على فائدته كمكان للعيش”. ووفقاً لوجهة نظر المؤلفين، فإن عدم المساواة المتزايدة في الدخل والثروة، والهيمنة المتزايدة للأسواق المالية، وإلغاء القيود، والعولمة، عوامل أنتجت مجتمعة وضعاً يسمح لفاحشي الثراء دون غيرهم بالعيش في أمان من سوق إسكان استغلالي، حيث يواجه الكثير من الناس مخاطر الإخلاء وحبس الرهن (الحجز على العقار المرهون) والتشرد.

ويرى المؤلفان أن ملكية المنازل، وهي الاستجابة الاعتيادية لهذه المخاوف، الحل المتوهم الذي يثري البنوك والمصالح العقارية فقط، ويحبط العمل الجماعي من خلال التركيز على الملكية الخاصة الفردية.

يؤرخ الكتاب أيضاً لحركات مقاومة هذه التوجهات مثل إضرابات الإيجار في مدينة غلاسكو الاسكتلندية عام 1915، عندما رفضت أعداد كبيرة من سكان المدينة دفع الإيجار إلى أن التزمت الدولة بجعل الإسكان متاحاً على نطاق أوسع وبتكلفة زهيدة. ولكن يشير المؤلفان إلى أن معظم حالات المقاومة تقود إلى نتائج محدودة على المدى البعيد. وقد يرجع هذا الأمر إلى أن حركات المقاومة غالباً ما تنتهي بسرعة نظراً لأن المؤسسة الداعية للتغيير تميل إلى التركيز على نطاق ضيق فقط.

السياسات الحكومية لتوفير الإسكان

ماذا بشأن السياسات الحكومية لتوفير الإسكان بشكل مباشر أو تنظيم توافره في السوق؟ يرى المؤلفان أن مثل هذه السياسات تعود بالنفع بشكل عام على مطوري العقارات والأثرياء، مشيرين إلى أمثلة على إزالة الأحياء الفقيرة وبرامج التجديد الحضري. كما يتحدثان عن جهود العديد من المؤيدين الحقيقيين لتأمين إسكان أفضل للفقراء الذين يسعون إلى إصلاح النظام، مثل كاثرين باور، المدافعة عن الإسكان العام في حقبة الكساد والمستشارة الحكومية، ويصوران هذه الجهود على أنها غير فعالة في منع الاستيلاء على السوق من قبل المصالح الخاصة.

نظراً لمحدودية هذه الجهود، يرى المؤلفان أن فرض فكرة الإسكان كحق أساسي من حقوق الإنسان أمر ضروري للتقدم. كما يوضحان أن طرح هذا الحق ليس فكرة جديدة أو غير مسبوقة. فقد أدرجته منظمات ضمن حقوق الإنسان الأساسية منذ زمن طويل، ومن بينها الأمم المتحدة. كما أن قانون الإسكان الأميركي الصادر عام 1949 ينص على هدف تأمين “منزل لائق وبيئة معيشية مناسبة لكل أسرة أميركية”. ويعتقد المؤلفان أن المزيد من المجتمعات بحاجة الآن إلى حشد الحكومات والمطورين وغيرهم لتحقيق هذا الهدف.

إخفاقات الرأسمالية في توفير الإسكان

ما الذي يمكن أن نستخلصه من هذا التحليل الصادق والبليغ في معظم الأحيان لإخفاقات الرأسمالية في توفير الإسكان، وخاصة للفقراء؟ أولاً، قد يتوافق الكثير مما ذكر هنا مع عدد من الناس أكبر مما قد يتوقعه الليبراليون المعتدلون أو المحافظون. وعلى الرغم من ذكره في التقليد الماركسي الذي يدعو إلى الانفصال عن النظام القائم، إلا أن الحجج التي يذكرها الكتاب سوف تلقى صدى لدى العديد من دعاة الإسكان في المدن الأميركية الذين يكافحون للعمل في ظل القيود السياسية القائمة.

ومع ذلك، فإن القصة التي يرويها الكتاب بسيطة؛ يوجد سكن لائق للغالبية العظمى من السكان في بعض البلدان الرأسمالية، ولا سيما في أوروبا. وقد شهدت الولايات المتحدة الأميركية زيادة هائلة في جودة الإسكان أثناء الطفرة الرأسمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن العملية شابتها العنصرية. كما قامت الصين بتأمين المأوى لمئات الملايين من الأشخاص على مدار الثلاثين عاماً الماضية منذ أن تحولت حكومتها من الشيوعية إلى الرأسمالية. فكيف حدث هذا إذا كان النظام مليئاً بالعيوب بشكل أساسي؟ وعلى النقيض من ذلك، فإن البلدان التي تحولت إلى الاشتراكية، مثل كوبا، لم تنجح في توفير مساكن عالية الجودة، حتى لو كان لديها الآن عدد أقل من المشردين.

القصة الحقيقية معقدة في كافة الحالات تقريباً، كما هو الحال بالنسبة لمهمة التغيير، والذي من غير المرجح تحقيقه من خلال الاكتفاء بإعلان الحق في السكن، أو من خلال حشد المجتمع المحلي الذي دعا إليه المؤلفان أيضاً. بل إن التحسن سيتطلب مستوى من الالتزام الاجتماعي والسياسي والذي نادراً ما شهدناه تاريخياً.

إن مثل هذا الالتزام يجب أن يشمل العديد من العناصر المختلفة، بما فيها الحشد الاجتماعي والتمويل العام والابتكار التقني. وهذه ليست بالمطالب الكثيرة بالنسبة للدول ذات الثروات الضخمة. فنحن نعلم أن تأمين المساكن اللائقة للغالبية العظمى من السكان أمر ممكن التحقيق. لكن يكمن الإشكال في كيفيّة تحقيق ذلك.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.