ما تأثير رواية القصص في إحداث التغيير الاجتماعي؟

shutterstock.com/Jordi Mora
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعد رواية القصص أفضل أداة يمكننا استخدامها لإيصال القضايا المهمة والمنهجية مثل التمييز العرقي والطبقي بأسلوب فعال، فالناس يتفكرون في القصص. عند عدم وجود رواية ترشدهم إلى كيفية التفكير في قضية ما، أو عندما تفتقر الرواية إلى الدقة أو تكون جزئية أو تجريدية أكثر مما ينبغي، فإننا نملأ تلك الفجوات بأنفسنا، ويمكن أن تكون القصص التي ننسجها في أذهاننا مشوبةً بالعيوب وتتضمن الكثير من أوجه التحيز والافتراضات.

تساعدنا القصص الرائعة على فهم القضايا المنهجية لأننا نعيش من خلالها حياة شخصياتها، فنرى العالم من منظورها، وتغيرنا تجاربها إذ نشعر كما لو أنها كانت تجاربنا الشخصية، كما يمكن لهذه القصص أن تغير أفكارنا الحالية خلال إعادة صياغة فهمنا لها، وأن تساعد المجتمعات على تبني تصورات مختلفة كلياً لأساليب جديدة لعيش الحياة ورؤيتها.

يبحث العديد من الأشخاص الذين يتواصلون في سبيل تحقيق التغيير الاجتماعي عن طريقة لرواية قصص متنوعة وشاملة تركز على المجتمعات المهمشة وتفسر استمرار مشكلة عدم المساواة. يمكن أن تساعدنا في هذا الخصوص نظرية التقاطعية وهي نظرية تمتد جذورها إلى فكر النسويات ذوات البشرة الداكنة، ومن ذلك أعمال سوجورنر تروث، وآنا جوليا كوبر، وباربرا سميث، وأودري لورد، وأنجيلا ديفيس، وبيل هوكس، وباتريشيا هيل كولينز، وكيمبرلي كرينشو.

ما هي التقاطعية؟

باختصار، يمكن تشبيه التقاطعية بالموشور الذي يلقي الضوء على كيفية تفاعل العنصرية والتحيز الجنسي والطبقية والعديد من الأيديولوجيات الأخرى التي تؤثر في الأشخاص تبعاً لمعتقداتهم الدينية وحالات العجز التي يعانونها ومظهرهم الخارجي، وتخلق التجارب التي يعيشونها ضمن المؤسسات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية والعدالة الجنائية والسياسة الحكومية ووسائل الإعلام. يحلل باحثون في نظرية التقاطعية التأثير المتفشي لهذه الأيديولوجيات في نسيج مجتمعنا كاملاً، من ناحية القصص التي نتقبلها والسياسات التي نطبقها وكيف يتفاعل بعضنا مع بعض. هذه الأيديولوجيات لا تأتي فرادى، بل هي متداخلة، وتؤثر في الأفراد على نحو متفاوت وحينما لا نستند إلى المنظور التقاطعي في إيصال القضايا المنهجية، فإننا غالباً لن نتمكن من إيصالها بطريقة صحيحة.

ابتكرت أستاذة مادة القانون في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس كيمبرلي كرينشومصطلح التقاطعية في عام 1989،وفي مقابلة أجرتها عام 2019 ونشرها موقع فوكس (Vox)، أشارت إلى مثال عن التمييز الذي ينطوي عليه القانون فقالت: “يبدو أن المحاكم على وجه الخصوص تظن أن التمييز العنصري هو جل ما تعرض له أصحاب البشرة السوداء من الجنسين، والتمييز الجنسي هو جل ما تعرضت له النساء، لكن هذا المنظور يصعّب رؤية ما تتعرض له النساء ذوات البشرة الداكنة والملونة”، بمعنى آخر، يجب أن تتناول قصصنا حقيقة أن ذوي البشرة الداكنة والملونة أو السكان الأصليين أو النساء، غالباً ما يتعرضون لعدة مستويات من التمييز.

لمساعدة الناس على رؤية الأوجه المعقدة لمعاناة المجتمعات من أنظمة عدم المساواة (الأيديولوجيات المتعددة)، علينا أن نروي لهم قصصاً متقاطعة، وفيما يلي بعض المبادئ التوجيهية في هذا الخصوص:

لا تحدّث الناس عن أنظمة عدم المساواة بل أرهم إياها

“لا تحدث الناس عن الأمر بل أرهم إياه”، هي قاعدة ذهبية لصياغة القصص وتبرز أهميتها في هذه الحالة تحديداً. بالنسبة للناس الذين لا يعون معنى الأنظمة، تجسد القصص المفاهيم المجردة مثل التمييز العرقي والطبقي والتحيز الجنسي والحرية والعدالة والمساواة وتوصل الإحساس الناتج عنها،

وفي حين أن لكل قصة بداية وعرض ونهاية، يُذكر فيها الصراع وحله، وتتضمن شخصيات ومواقف، فإننا حينما نروي القصص المتقاطعة ينبغي أن نوضح أيضاً كيف تؤثر الأيديولوجيات في حياة الشخصيات، أي أن يكون ما تعرضوا إليه بسبب أنظمة عدم المساواة مثل العنصرية والسلطة الأبوية والطبقية جزءاً من القصة، مع الحرص على ألا نختزل الشخصيات في تجاربها تلك، على الرغم من تفاعلها مع هذه الأنظمة في القصة.

إذا أحسن رواة القصص فهم ذلك، سينقلوننا إلى عالم الشخصيات، فنشعر بالعبء العاطفي الذي واجهته حينما خاضت في هذا العالم الظالم، ونرى كيف تمنح هذه الأنظمة الامتيازات لفئة مقابل قمع أخرى. تجعل تجارب الشخصيات هذه المشكلات المعقدة وصعبة الفهم وحلولها المحتمَلة ظاهرةً وواقعيةً وملحة،

يوضح ذلك مقطع فيديو نشرته مؤسَّسة ريفورم أليانس (REFORM Alliance) توضيحاً كافياً، وهي مؤسَّسة تركز على تغيير أنظمة المراقبة والإفراج المشروط، إذ يتتبع مقطع الفيديو الذي عنونته بـ “غير قانوني من الناحية الفنية” (Technically Illegal) الاضطرابات العاطفية للأشخاص الخاضعين للإفراج المشروط أو تحت المراقبة أثناء انخراطهم في أعمال غير قانونية من الناحية الفنية، مثل زيارة أحد أحبائهم على فراش الموت، أو التأخر عن الاجتماع مع ضابط الإفراج المشروط. بعد مشاهدته رأينا أنفسنا في كل شخصية، وفهمنا انتهاكات الإفراج المشروط أكثر، وثرنا على واقع هذه القوانين اللاإنسانية، وبتنا نتحمل مسؤولية الدعوة لاتخاذ إجراء حيال هذه القضية، لنعيد للناس أمهاتهم وأبنائهم وأصدقائهم وحياتهم، من خلال انضمامنا إلى المؤسَّسة.

فصحيح أن القصص يجب أن تركز على الأفراد ضمن المجتمع لتعزيز المشاركة العاطفية، إلا أن تحديد المشكلات وحلولها على المستوى الفردي يخفي آلية عمل أنظمة عدم المساواة. يجب أن يوضح رواة القصص كيف يصوغ المجتمع الذي تعيش فيه هذه الشخصيات تجاربها وأن يظهروا في الوقت ذاته قوتها وتأثيرها، درس ثلاثة باحثين نقديين في الأعراق وهم ليندسي بيريز هوبر ولورينا كامارغو غونزاليس ودانييل جي سولورزانو قصص الأطفال، ووضعوا بناءً عليها إرشادات لتأليف قصص تخدم تلك الغاية:

  • حينما تروي قصصاً تتناول أصحاب البشرة الملونة، ركز على قضيتي العرق والتمييز العرقي وتقاطعهما مع أنواع أخرى من الاضطهاد، ينبغي أن تكون تجارب الشخصيات مع عدم المساواة أو الامتياز بناءً على العرق والطبقة الاجتماعية والنوع جزءاً أساسياً من القصة.
  • وضّح آلية استخدام النفوذ والتأثير في هذا السياق. على سبيل المثال، يجب أن يكون أولئك الذين يستغلون نفوذهم لإيذاء الآخرين هم الأشرار في القصة، ويجب أن تكون المجتمعات التي تشارك في العمل الجماعي هي الحل.
  • ركز على تفنيد الأيديولوجية المؤذية المتفشية التي تعزز أوجه عدم المساواة الاجتماعية، مثل تفوق أصحاب البشرة البيضاء والسلطة الأبوية والنزعة الفردية، وأوضح الرواية السائدة الحالية حول القضية والأشخاص الذين تؤثر فيهم. احرص على تعرية تلك الروايات وتفنيدها من خلال هيكليات الحبكة التي تختارها ومنظور الشخصية الذي تركز عليه والمشاعر التي تظهرها.
  • ركز على التجربة التي يعيشها أصحاب البشرة الملونة بأساليب تراعي المصداقية الثقافية، عليك أن تظهر الجوانب المعقدة والمتعددة للشخصيات الرئيسية، وينبغي أن تبدو تجاربهم للمجتمع حقيقيةً وصادقةً، تعاون مع أفراد المجتمع حتى تنجح قصصك في إيصال ذلك بطريقة صحيحة.
  • أضف إلى القصة سياقاً تاريخياً وثقافياً وسياسياً وجغرافياً واقتصادياً لصياغتها، أدرج عناصر في قصتك تساعد الجمهور على فهم سياق الأحداث.
  • لتكن العبرة من القصة الالتزام بالعدالة الاجتماعية. سواءً أدرجت في القصة دعوة مباشرة لاتخاذ إجراء أو لا، ينبغي أن يعقد الجمهور العزم مع نهايتها على الالتزام بتغيير الأنظمة التي تخلق ظروف وتجارب الشخصيات تلك، أي أن يعزز الحل الذي تطرحه في القصة، حس العدالة الاجتماعية والعمل الجماعي.

يمكننا أن نرى جميع هذه العناصر في مسلسل قصير من إنتاج نتفليكس (Netflix) بعنوان “عندما يروننا” (When They See Us)، الذي يروي لنا قصة إدانة كل من كيفن ريتشاردسون وأنترون مَكراي ويوسف سلام وكوري وايز وريموند سانتانا ظلماً بتهمة الاعتداء الجنسي على امرأة بيضاء البشرة في منتزه سنترال بارك في مدينة نيويورك. تركز المؤلفة والكاتبة المشاركة والمخرجة آفا ديفورني في قصتها على تجربة العنصرية الفريدة التي يتعرض لها الذكور ذوو البشرة الداكنة واللاتينيون ضمن نظام العدالة الجنائية. كانت العنصرية تحيط بالشخصيات من كل جانب ومثلت مجرى الأحداث الرئيسي في حياتهم، ينقلنا المسلسل إلى عالم هؤلاء الصبيان، الذين أصبحوا رجالاً في النهاية، وعالم عائلاتهم من خلال التصوير الصادق لحياتهم في نيويورك، تصوير شخصياتهم وصداقاتهم وحياتهم الأسرية، فنشهد على أسلوب تعامل الشرطة معهم بسبب عرقهم وطبقتهم الاجتماعية ونشعر بقلقهم وخوفهم وسخطهم وهم يبحثون باستماتة عن العدالة في نظام وسمهم بالمجرمين قبل أن تتاح لهم فرصة رواية قصصهم، نرى كيف يبني قسم الشرطة والمحامية بيضاء البشرة القضية ضدهم على افتراض أنهم مذنبون، وليس على براءتهم والأدلة المقدمة.

بدلاً من إخبارنا بأن نظام العدالة الجنائية عنصري، توضح لنا آفا ذلك من خلال متابعة هذه المحاكمة الجنائية الجائرة في سياق اجتماعي وسياسي وتاريخي معين، فنرى من خلال قصصهم كيف يضطهد نظام العدالة الجنائية الرجال ملوني البشرة، وننهي المسلسل راغبين في تغيير هذا النظام.

قدّم إطاراً تاريخياً

لا يمكننا فهم الحركات أو القضايا التي تسعى هذه الفئات إلى تغييرها دون معرفة السياق الذي ظهرت خلاله. تشير الأبحاث إلى أنه عندما لا يُذكَر الإطار التاريخي، فقد يكمل الأشخاص الحقائق أو البيانات الناقصة باستخدام افتراضاتهم. لذا تتبع السياق التاريخي منذ البداية وحتى الوقت الحاضر، أظهِر الجذور التاريخية للسياسات العنصرية والطبقية والمتحيزة جنسياً، وكيف تستمر هذه السياسات ضمن الأنظمة الحالية.

تقدم الصحفية والباحثة نيكول هانا جونز وزملاؤها نموذجاً لهذا النوع من رواية القصص في مشروع 1619 لصحيفة نيويورك تايمز، من خلال الصحافة المطولة، يوضح لنا المشروع كيف أنشأت العبودية المجتمع بالهيئة التي نعرفها، ويغير نظرتنا إلى عام 1619 الذي شهد ميلاد الولايات المتحدة، فيذكرنا بأنه العام الذي أحضرت فيه أول دفعة أناس مستعبدين إلى البلاد.

تبين كل من نيكول والصحفية جينين إنترلاندي في إحدى الفقرات كيف أن التفاوتات الصحية العرقية اليوم هي نتيجة تاريخ من السياسات العنصرية التي ترجع جذورها إلى العبودية، فترويان قصصاً عن أفراد يتعاملون مع أنظمة صممها أشخاص أصحاب معتقدات عنصرية، ونتيجةً لذلك كانت مجتمعات أصحاب البشرة الداكنة تحصل على رعاية صحية ضئيلة أو لا تحصل عليها مطلقاً، ما كان يزيد احتمالات الوفيات ضمنها. تصور الصحفيتان هذا الواقع الذي تعيشه تلك المجتمعات منذ تحررها وحتى يومنا هذا فتنسجان ببراعة قصص الأشخاص الذين يتعاملون مع أنظمة الرعاية الصحية، مع توضيح كيف صممت هذه الأنظمة لتخذلهم.

أبرز أصوات المهمشين

في مجلة “ذا نيويوركر” (The New Yorker) تستشهد الكاتبة كيانغا ياماهت تايلور بكلام مؤسَّسة كومباهي ريفر التعاونية للنسويات ذوات البشرة الداكنة (Black feminist Combahee River Collective): “إذا تحررت النساء ذوات البشرة الداكنة، فهذا يعني تحرر كل شخص، لأن حريتنا ستستلزم تدمير أنظمة القمع كلها”،

ويمكن أن نطبق هذا المنطق على طريقة بناء الاستراتيجية والتواصل من أجل تحقيق العدالة والتغيير على مستوى الأنظمة، إذ يحتاج الأشخاص الذين تعرضوا لعدة أوجه من عدم المساواة إلى من يمثلهم في صناعة القرار وإلى أن يحطوا قصصهم بأنفسهم، فحينما نفتقر إلى التمثيل الشامل في لجان التخطيط لدينا وبين رواة القصص، من المرجح ألا ندرك حقيقة الصعوبات نواجهها، ومن ثم قد ننشر روايات لا تعطي هذه الصعوبات حجمها،

على سبيل المثال، في أثناء إجراء بحث ميداني حول حركة حقوق المهاجرين، وجدت عالمة الاجتماع إميلي كابانيس أن مؤسَّسات المناصرة على المستوى الوطني روت قصصاً تصور المهاجرين بأنهم مجتمع اجتماعي منفرد، لدى أفراده أهداف مشتركة ويتمتعون بالهوية السياسية ذاتها، وفي عام 2009، نظم المراهقون والطلاب الجامعيون مؤسَّسة يقودها الشباب، بسبب خيبة أملهم من قادة هذه المؤسَّسات التي لم تضمّن وجهات نظرهم، إذ كانت أولويتهم إصدارقانون التنمية والإغاثة والتعليم للقصر الأجانب الذي يشار إليه اختصاراً بكلمة (DREAM) أي حلم، وهو مشروع قانون لحماية اليافعين غير المسجلين الذين نشؤوا في الولايات المتحدة، وصار يشار إلى هؤلاء الناشطين بكلمة DREAMers أو الحالمين. في ذلك الحين، أبرزت السرديات الرائدة حول حقوق المهاجرين بوضوح مدى قصور نظام الهجرة وركزت على أصوات المواطنين المناصرين البالغين. في المقابل، صاغ الناشطون اليافعون سردية جديدة أكدت الاحتياجات الفريدة للشباب غير المسجلين، وعملوا على نشرها،

ونتيجة لهذه الجهود، تمكن الناشطون من الانضمام إلى الحوار الوطني الذي يتناول إصلاح قوانين الهجرة، وتحديداً إصدار قانون التنمية والإغاثة والتعليم للقصر الأجانب، وحصلوا على دعم مؤسَّسات المناصرة الوطنية، وقد تحقق ذلك من خلال نشر الشهادات التي أدلى بها المهاجرون غير المسجلين، فأبرزوا وجهات نظرهم بوصفها منطلقاً أساسياً في مسير النضال نحو الحصول على حقوق المهاجرين. إيلا هي من المهاجرين غير المسجلين وهي أيضاً زعيمة لإحدى الحركات، وقد قالت الكلام التالي خلال مكالمة مؤتمر عبر الفيديو مع مكتب السناتور الأميركي ريتشارد دوربين وشباب غير مسجلين من جميع أنحاء الولايات المتحدة: “إحدى أقوى الأدوات بحوزتنا هي قدرتنا على رواية قصصنا، والتحدث عن حالتنا بصراحة، وأرى أن اعتراف اليافعين بأنهم غير مسجلين، من أقوى الخطوات التي اتخذوها واتخذناها معهم”.

حينما تتعاون مع أفراد المجتمعات لنشر قصصهم، احرص على أن تشملهم في العملية الاستراتيجية حتى يقرروا كيف ومتى تستخدم هذه القصص، وإذا لم تفعل ذلك فإنك قد تميز هؤلاء الأشخاص بهويتهم المحددة أو قد تعرضهم للصدمة القديمة مجدداً حينما تطلب منهم إعادة سرد تجربة صعبة تعرضوا لها، عندما تطلب من شخص ما رواية قصته، امنحه الفرصة ليتحدث بلسان حاله، أي دعه يعرِّف عن نفسه دون التقيد بجدول أعمال المؤسسة.

خلال عملها على تقرير “الحلم الأميركي: الخطة التوجيهية لتعزيز صمود رواة القصص غير المسجلين”، أجرت مؤسَّسة ديفاين أميريكان (Define American)، وهي مؤسَّسة تهدف إلى تغيير الروايات السائدة حول الأشخاص غير المسجلين في الولايات المتحدة، استقصاء شمل 40 ناشطاً غير مسجلين أو كانوا غير مسجلين حكوا قصصهم لوسائل الإعلام الوطنية والإقليمية لدعم جهود المناصرة بين عامي 2010 و2016، ووجدت المؤسسة أن رواية القصص منحت البعض إحساساً بالقوة والانتماء، ورأى الكثيرون أن رواية قصص معينة ساعدتهم على إقامة علاقات عامة وثيقة. يستخدم المؤلفون ضمير الجماعة “نحن” لتوضيح نتائج الأبحاث:

اختلافاتنا تمدنا بالطاقة. ومع ذلك، فإن الضغط من أجل تقديم استراتيجيات لإنشاء علاقات عامة وثيقة وخطط سياسية كبرى دفعنا في كثير من الأحيان إلى تقليص نشاط حركتنا والاكتفاء برواية “أفضل” القصص فقط، وعلى هذا النحو منحْنا الآخرين سلطة تحديد ما نرويه وما نغفله من القصص، فقبلنا تقييد حركتنا على الرغم من أن أساسها هو الدفاع عن حرية الجميع.

وجدت الدراسة أيضاً أن النشطاء تعرضوا للتوتر والصدمة مجدداً بسبب رواية قصصهم، ولذلك، تقدم مؤسَّسة ديفاين أميريكان مجموعة مهمة من الأسئلة التي ينبغي أن تعتمدها مؤسَّسات المناصرة التي تتعاون مع المجتمعات لرواية قصصها، وهي كما يلي:

  • هل الوقت مناسب الآن لرواية قصتك؟ كيف حالك منذ آخر تواصل بيننا؟
  • ما النواحي التي يمكنك التحدث عنها بأريحية الآن؟
  • هل حكيت قصتك أوهذه القصة من قبل؟

تضع مؤسَّسة ديفاين أميريكان أيضاً معايير خاصة بها عندما تسرد قصص الآخرين، التي نعتقد أن جميع مؤسَّسات المناصرة يجب أن تعتمدها:

  • سنحدد نطاق العمل والتعويضات وجدولاً زمنياً لسرد القصص ونسألك عما إذا كان يتماشى مع توقعاتك.
  • سنصمم طرائق لاستقبال الآراء والاقتراحات في مسألة رعاية الصحة العقلية لرواة القصص ورفاههم خلال عملنا معهم.
  • سنحاسب الأطراف الأخرى التي نعمل معها ولا سيما في وسائل الإعلام على ما يتم نشره، تكريماً لمساهمات الروّاة، لضمان ما يلي:
    • نطق اسمك وتهجئته بطريقة صحيحة.
    • احترام نوعك الاجتماعي.
    • احترام صراحتك وشفافيتك بشأن متى تكون المحادثات للنشر ومتى لا تكون كذلك.
    • إشراكك بعملية صناعة القرار الذي سيتخذ حول قصصك.
    • وعندما يكون ذلك ممكناً، تسليمك مسودة للقصة قبل نشرها، أو إجراء التعديلات التي ترغبها بعد نشرها إذا لم تكن راضياً عن تفاصيلها.
    • تزويدك برابط للقصة مكتوبة أو مسجلة فور نشرها.
    • شكر الراوي على منحنا وقته وقبوله إظهار ضعفه حينما يروي القصة.

اروِ كامل القصة

تتألف السرديات من القصص الكثيرة التي ترشدنا مجتمعة إلى فهم قضية ما وإلى أسبابها وحلولها، ويتطلب تغيير السرد أن ندعم المجتمعات برواية الكثير من القصص الكاملة التي تؤسس طريقة فهم جديدة. ومع ذلك، عند تأليف سرديات جديدة، ينبغي لنا التأكد من عدم نشر روايات جديدة مؤذية دون أن نقصد تؤدي إلى اكتساب القارئ فهماً محدوداً للقضايا.

درست عالمة الاجتماع بيس روتنبرغ استراتيجية السرد لحركة النساء المعنفات التي ظهرت في السبعينيات لتغيير طريقة سرد قصص العنف ضد المرأة، والتي لم يكن ينظر كثير من الناس قبل ظهورها إلى العنف الأسري بوصفه قضية سياسية، إذ نشرت الحركة القصة تلو الأخرى عن نساء يتعرضن للعنف على يد الرجال، وأظهرت قصة كل امرأة كيف تعرضت للإيذاء الشديد وحالة اليأس والعزلة التي كانت تحيط بها، كما وصفت القصص العنف ضد النساء الميسورات لتبين أن أي امرأة معرضة له، مهما كان وضعها الاجتماعي والاقتصادي.

خلقت هذه الاستراتيجية دعماً للموارد المحلية المتاحة للمرأة وغيرت السياسة على المستوى المحلي ومستوى الولاية والمستوى الفيدرالي، كما أنها أنشأت رواية ثقافية واحدة صاغت فهماً حول قضية العنف الأسري وضحاياه ومرتكبيه. في حين ألّفت الحركة قصصاً لربط العنف بالتحيز الجنسي، فقد حذفت العنف الذي ترتكبه النساء والمرتكَب بحق الرجال، فضلاً عن التجارب الفريدة للأشخاص غير المسجلين وأصحاب البشرة الملونة. لم تكن للنساء سيطرة على القصص، ولم تكن هنالك قصص عن العمل الجماعي، كما أنها طرحت أكثر أشكال العنف وحشية، ما دفع البعض للتساؤل عما إذا كانت أشكال العنف الأقل خطورة تمثل عنفاً.

لتجنب تأليف سرديات مقيدة وجزئية، ساعد المجتمعات على رواية قصصها الخاصة، فمن خلال ذلك نسرد التفاصيل الإنسانية كاملة بما تتضمنه من أوجه فريدة ومتعددة ونتجنب تأليف روايات تختزل الأشخاص والقضايا في تجربة واحدة أو هوية معينة.

يتقن برنامج بوس (pose) ذلك، وهو برنامج يعرض على قناة إف إكس (FX TV) يدور حول مشهد قاعة الرقص في الثمانينيات في نيويورك، وهو يبرز أحداث قصص أصحاب البشرة الداكنة والسمراء وغيرهم من الأقليات في المجتمع، وقد استعانت الشبكة بمجموعة من الكتاب والمنتجين والمستشارين ومصممي الأزياء ومصممي مواقع التصوير الخبراء في إعداد مشهد قاعة الرقص في الثمانينيات لضمان الدقة والمصداقية، وبدلاً من تعريف الشخصيات بأية استعارات أو صور نمطية، يروي العرض قصص أشخاص يحملون آمالاً وأحلاماً واهتمامات، ويواجهون مع عائلاتهم وأصدقائهم المقربين الممارسات العنصرية والطبقية. في مقالها بمجلة “فارايتي” (Variety)، تقول الناشطة والكاتبة والمنتجة التنفيذية لبرنامج بوس، جانيت موك: “أدى ظهورنا الخاطف على الشاشة إلى نظر الناس إلينا نظرة ضيقة، فلم نمثل أكثر من تجارب صادمة أو مجموعة من غريبي الأطوار أو خلاصة قصص. نادراً ما منحنا الفرصة لنكون محور القصة، لنكون بطلاتها”. ثم تابعت خلال المقابلة:

الشخصيات التي نمثلها هي محور قصص هؤلاء النسوة وليست أدوات لصياغة الحبكة، فهن يمثلن في العالم الذي أكتب عنه البطلات اللواتي لطالما انتظرتهن، إنهن مترابطات وتدعم كل منهنّ الأخرى، ويعشقن ويرقصن ويضحكن. هذا هو التعاضد الأخوي والعائلي والقدرة على الصمود، خاصةً في عصر تطارَد فيه النساء اللاتينيات وصاحبات البشرة الداكنة لمجرد وجودهن.

قصص تساعدنا على تخيل عالم مختلف

تسلط القصص المتقاطعة أيضاً الضوء على كيف يمكن أن يصبح العالم الذي نعيش فيه إذا نجحنا. يعتقد الباحثان أليكس كاسنابيش وماكس هيفن أن الحركات يجب أن تنطلق من الخيال الثوري، إذ يكتبان:

الخيال الثوري هو القدرة على تخيل العالم والحياة والمؤسسات الاجتماعية بصورة مختلفة عن صورتها الحالية، هو الشجاعة والفطنة التي تدفع المرء لإدراك أن العالم يمكن أن يتغير، بل وينبغي أن يتغير، وهو لا يقتصر على الحلم بمستقبل مختلف فقط، بل أيضاً جلب هذه الإمكانيات من المستقبل وتوظيفها في الحاضر، لتشجيع الناس على اتخاذ خطوات وخلق أنواع جديدة من التضامن.

بدلاً من رواية القصص لمجابهة الطريقة التي تعرف الأنظمة بها الأشخاص، ينبغي أن تساعد القصص الناس على تخيل مستقبل تسود فيه العدالة والمساواة،

وهو ما صاغته حركة بلاك لايفس (Black Lifes) ذلك بطريقة رائعة في حملة “شهر مستقبل أصحاب البشرة الداكنة”، التي أطلقَت خلال “شهر تاريخ أصحاب البشرة الداكنة” في فبراير/شباط 2021. ركزت الحملة وعلى جهات نظر النسويات ذوات البشرة الداكنة، إذ جاء في بيان لها: “كانت النساء ذوات البشرة الداكنة لفترة طويلة في مقدمة الحالمين وأصحاب الرؤى والساعين لتوسيع الإمكانيات المتاحة لحركاتنا، ومن واجبنا أن نؤكد أهمية حيوات جميع أصحاب البشرة الداكنة ونحتفي بها وندافع عنها”. تدعو الحملة الناس للانضمام إلى الحركة ومشاهدة مقطع الفيديو الخاص بها “قصيدة حرية الصيف” (An Ode to Summer Freedom)، التي تظهر لنا شكل العالم الذي يكون فيه أصحاب البشرة الداكنة أحراراً حقاً.

يجب أن تكون القصص التي تنشرها مؤسَّسات المناصرة ورواة القصص موجَّهة. من خلال رواية قصص كاملة ودقيقة تشمل الأنظمة والسياق التاريخي، وتركز على أصوات المجتمعات المهمشة، يمكننا مساعدة الناس على فهم القضايا المنهجية وتشجيعهم على اتخاذ خطوات لمعالجتها.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.