كيف يمكن للمؤسسات غير الربحية تحقيق أقصى استفادة من تحليل بياناتها؟

بحيرات البيانات
shutterstock.com/ArtemisDiana
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يكفي أن تعيد المؤسسات غير الربحية النظر في تقنيتها لكي تستطيع استخدام أدوات فعالة لجمع البيانات وتحليلها، بل عليها أن تعيد النظر في ثقافتها أيضاً.

تفسح التكنولوجيا المجال أمام المؤسسات غير الربحية للوصول إلى كمية هائلة من البيانات، ما يساعد هذه المؤسسات على زيادة إيراداتها وإدارة عملياتها وتحقيق رسالتها. لكن الوصول إلى هذه البيانات لا يعني بالضرورة إدراك كافة المعلومات التي تشير إليها البيانات.

من السهل على المؤسسات أن تفهم بياناتها عندما تتعامل مع مجموعات قليلة منها. لكن هذه العملية تصبح أكثر صعوبة عند إضافة مجموعات بيانات إضافية، لا سيما عندما تشتري مجموعات بيانات إضافية من بائعين مختلفين مع هياكل بيانات فريدة من تصميمهم. وحينها تصبح جداول البيانات وقواعدها التقليدية غير كافية. فيمكن أن تتعطل قواعد البيانات البسيطة تحت وطأة استخدام عدد هائل من المستخدمين، ويمكن أن تتوقف عن العمل جداول البيانات الكبيرة والمعقدة التي تحتوي على آلاف الأسطر من الحسابات المدمجة أو تعمل ببطء شديد.

ولحسن الحظ، تتيح بحيرات البيانات للمستخدمين تخزين مجموعات البيانات المتنوعة وإدارتها وتنظيفها وتحويلها وتحليلها في مكان واحد. ويجب عدم الخلط بين بحيرة البيانات ومستودع البيانات حيث يتمثل الفرق الرئيسي بينهما في الترتيب الذي يتم فيه تحميل البيانات وتحويلها. وتتطلب مستودعات البيانات التقليدية تحويل البيانات أولاً ولا يتم قبول سوى البيانات التي تلتزم بتنسيق ومخطط معين. وهذا يعني عموماً أنه لا يمكن تخزين البيانات جميعها في المستودعات، وبخاصة مجموعات البيانات المكتسبة حديثاً أو غير المهيكلة، ما يؤدي إلى فقدان المؤسسات إمكانية الوصول إلى تلك البيانات. وعادةً ما تكون مستودعات البيانات مجرد مرافق للتخزين، حيث إنها لا تحتوي على الأدوات التي تسمح بفهرسة البيانات وإعداد التقارير والحوكمة والتحليل المتقدم وتعلّم الآلة.

في المقابل، تسمح بحيرات البيانات بتخزين البيانات مباشرة وإنشاء مخططات قواعد البيانات وتغييرها في أي الوقت. كما أنها تقدم مجموعة كاملة من الأدوات المعيارية للتحكم في الوصول وللفهرسة وإجراء التحليلات، والتي بدورها تسهل على المؤسسات تخصيص بحيرة لبياناتها الخاصة تلبي احتياجاتها الخاصة.

في شير أور سترينغث (Share Our Strength) وهي مؤسسة أميركية غير ربحية تهدف إلى القضاء على جوع بين الأطفال، تناولنا تحديات إدارة العديد من تدفقات البيانات المتفرقة حول جمع التبرعات من خلال بدء عملية تنفيذ بحيرة بيانات في عام 2021. ومكننا ذلك من الاستعاضة عن العديد من جداول البيانات المُدارة بشكل مستقل بنظام سجل بيانات واحد مشترك ومتاح لأقسام المؤسسة، ما قلل العبء على مسؤولي قواعد البيانات في المؤسسة من خلال توفير تقارير مؤتمتة وفورية. وهيأ لنا ذلك استخدام المفاهيم المتقدمة في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لإنشاء نماذج تنبؤية أفضل لسلوك المانحين بهدف تحسين عملية جمع التبرعات التي تقوم بها المؤسسة. كما وفرت لنا بحيرة البيانات مستوى أعلى من الأمن السيبراني من خلال منحنا القدرة على منح أو تقييد الوصول إلى مجموعات البيانات الحساسة على نحو دقيق.

وكانت العملية التقنية ابتداءً من إدراك حاجتنا إلى بحيرة بيانات إلى تنفيذها بسيطة نسبياً. كانت الأدوات السحابية لتخزين بياناتنا وتحويلها وفهرستها وتحليلها بالإضافة إلى التحكم في الوصول إليها متاحة دون عناء عبر أمازون ويب سيرفيسز (AWS). لكن العملية التي كانت أكثر صعوبة من هندسة البيانات هي إعادة هيكلة ثقافة الشركة الضرورية لتعاون فرق العمل بطرائق جديدة، وبناء الثقة في أسلوب جديد لإدارة عمل المؤسسة، والاتفاق على مجموعة جديدة من المعايير لإدارة البيانات.

إعادة هيكلة ثقافة الشركة

تعلمنا خلال هذه العملية أن العمل الحقيقي في بناء بحيرة بيانات هو إعادة هيكلة الطريقة التي تنظر بها المؤسسة إلى بياناتها. يرى فريق العمل في مؤسستنا أننا أمضينا 80% من الوقت في بناء التوافق بين فرق العمل، و20% فقط من الوقت في تصميم البنية التحتية الفعلية وتنفيذها.

وكان من أولى مسارات إعادة هيكلة ثقافة الشركة توطيد الشراكة بين عمل قسم تكنولوجيا المعلومات وقسم جمع التبرعات. قبل انضمامي إلى مؤسسة شير أور سترينغث رئيساً تنفيذياً للمعلومات في عام 2017، كان تركيز قسم تكنولوجيا المعلومات حينها يكاد ينحصر على صيانة المخدم ودعم أجهزة الكومبيوتر المكتبية، وعلى الرغم من امتلاكنا المهارات التقنية الفعالة، لم نشارك في النقاشات التي تناولت أفضل الأساليب لإدارة البيانات. لذا كانت خطوتي الأولى هي توسيع الخدمات التي يقدمها قسم تكنولوجيا المعلومات لتشمل بناء وصيانة بحيرة بيانات تابعة للمؤسسة. وبإقدامنا على هذه الخطوة فتح القسم نافذة جديدة للإبداع والقدرة وتوسيع الآفاق لوحدات العمل لدينا عبر استخدامها البيانات والتكنولوجيا ببراعة.

وتمثل الجانب الثاني لإعادة هيكلة ثقافة الشركة في بناء الثقة بين قسم تكنولوجيا المعلومات وقسم جمع التبرعات. ونظراً لاختلاف تخصصات الموظفين من القسمين، تطلب العمل منهم بذل الجهد والوقت لتعلم مفاهيم العمل المختلفة بعضهم من بعض ولبناء الثقة في خبراتهم. فعلى سبيل المثال، عندما عرض قسم تكنولوجيا المعلومات إمكانات بحيرة البيانات، قوبل ببعض الشكوك لأن التحليلات بدت مختلفة عن جداول بيانات إكسل التي كان جامعو التبرعات على دراية بها. وفي الوقت نفسه، كنا في قسم تكنولوجيا المعلومات بحاجة أيضاً إلى ضمان أننا نعرض قدرات وثيقة الصلة بالأولويات الحالية لجامعي التبرعات، مثل أتمتة مهام تنظيف البيانات التي تشغل جزءاً كبيراً من عملهم اليومي بدلاً من عرض القدرات التي قد تكون مفيدة في المستقبل، مثل إيجاد نزعات خاصة في سلوك المانحين. استدعى ذلك تكرار المحاولات وعدة جولات من الأسئلة التوضيحية قبل أن يبدأ الفريقان بفهم وجهات نظر بعضهم لبعض، ثم تمكنا بعد ذلك من إنشاء قائمة أولويات لحل المشكلات.

وفي المرحلة الأخيرة شرعت مؤسستنا في مسار ثالث لإعادة هيكلة ثقافة الشركة بتطوير فهم مشترك لكيفية جمع بيانات المؤسسة وهيكلتها. وغالباً ما كانت قواعد تخزين البيانات وتنظيمها واضحة بالنسبة لفريق جمع تبرعات واحد، ولكن هذه القواعد نفسها لم تفهمها الفرق الأخرى بسهولة ولم تنطبق على عملها بيسر. حيث أدى ذلك إلى تخزين بيانات غير ملائمة في بعض الحقول المهيكلة، وتخزين الكثير من البيانات المهمة في حقول التعليقات التي لم تكن قابلة للتحليل بسهولة، وتحليلات غير مكتملة في بعض الأحيان لأنها لم تأخذ في الاعتبار الفروق الدقيقة التي تشير إلى كيف تم تخزين البيانات أو أين تم تخزينها. منحتنا فهرسة البيانات التي تعد سمة أساسية لبحيرات البيانات الأدوات والفرصة لتحديد هذه العيوب وحلها وتحسين تحليلاتنا في النتيجة.

بدأنا في شير أور سترينغث باستخدام بحيرة البيانات منذ عام واحد فقط لتحسين جمع التبرعات، لكننا نشهد مكاسب هائلة. لقد بدأنا قياس عوائد الاستثمارات المتنوعة بمزيد من الدقة لأننا ندرج تدفقات من البيانات على نحو أكبر وبصورة أفضل، ما يتيح لنا اتخاذ قرارات أكثر حكمة. ونعمل أيضاً على أتمتة عمليات تحويل البيانات المعقدة والمتكررة بالإضافة إلى أتمتة سحب البيانات ما يوفر وقت فريق عمليات المانحين لدينا في عمليات الدعم الذي يقدمونه لمسؤولي جمع التبرعات من المستويين الرئيسي والمتوسط في أسواق متعددة. وأخيراً، تساعدنا معايير البيانات الأكثر اتساقاً على فهم سلوكيات المانحين على نحو أفضل، ما يسمح لنا بإجراء اتصالات ذات جدوى أكبر.

أسهمت بحيرة البيانات في كل من هذه النجاحات، ولم يكن ذلك ممكناً دون التحول الثقافي في مؤسستنا غير الربحية. بالنسبة إلى المؤسسات التي تتطلع إلى القيام برحلة مماثلة لتحسين قدراتها في جمع التبرعات، ننصحها ببناء الثقة داخل المؤسسة من ثم التكرار ثم التكرار ثم التكرار، حيث من المحتمل أن يكون هناك العديد من الفرص المخفية للابتكار ضمن مجموعات البيانات الخاصة بها.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً