كيف نواجه مشكلة الفقر ونعالجها؟

مشكلة الفقر
shutterstock.com/New Africa
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعد مواجهة مشكلة الفقر ومعالجتها أحد التحديات الصعبة التي تتطلب تظافر جهود الجميع شركات ومؤسسات خيرية وحكومات للتغلب عليها.

خريطة الفقر مرشحة للاتساع بالمنطقة العربية

وعلى الرغم من التقدم التدريجي في الحد من الفقر؛ فإن استمرار الصراعات والأزمات في البلدان متوسطة الدخل والأقل نمواً أو حتى التي تمر بمرحلة التعافي من النزاع يقلل من فرص القضاء على الفقر، إذ توقع تقرير للبنك الدولي أن تؤدي جائحة كوفيد-19 إلى ارتفاع عدد الفقراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 178 مليون نسمة إلى 200 مليون نسمة، من أصل نحو 450 مليوناً يسكنون المنطقة، وقد يدفع للتغير المناخي أكثر من 100 مليون شخص حول العالم إلى الفقر بحلول عام 2030.

في حين تراجعت معدلات الفقر العالمي بأكثر من النصف منذ عام 2000، وأتت بعض السياسات والبرامج الصحيحة ثمارها، مثل التركيز على تعزيز فرص التعليم، والحصول على الكهرباء والمياه النظيفة، وتقديم الرعاية الصحية الشاملة؛ إلا أنه بحسب الأمم المتحدة، قد تؤدي جائحة كوفيد-19 إلى زيادة الفقر العالمي بما يصل إلى نصف مليار شخص، أو 8% من إجمالي السكان، إذ لا يزال أكثر من 700 مليون شخص، أو 10% من سكان العالم، يعيشون في فقرٍ مدقع، في إفريقيا مثلاً، الغالبية يعيشون على أقل من 1.90 دولاراً في اليوم.

وفي الواقع، يبدأ حل معضلة الفقر من إعادة النظر في طريقة قياس الفقر، والاستثمار في البيانات، ووضع خطط فعّالة، وتجاوز التبعية التكنولوجية. لنفصل الحديث في كل إجراء من هذه الإجراءات:

قياس الفقر

يعد خط الفقر مقياس نسبي، لكن المتعارف عليه دولياً أنه يمثل الحد الأدنى لمعدل الدخل المطلوب لتوفير احتياجات الحياة الأساسية، مثل الطعام واللباس والرعاية الصحية والمسكن. وفي أبريل/نيسان عام 2013، وضع البنك الدولي هدفاً جديداً لإنهاء الفقر المدقع خلال عقد واحد، لخفض معدل الفقر لأقل من 3% من سكان العالم ممن يعيشون على 1.90 دولاراً فقط في اليوم بحلول عام 2030، ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال قياس مستويات الفقر لمساعدة البلدان النامية في تحديد فعالية البرامج التنموية وتوجيه استراتيجياتها الإنمائية في بيئة اقتصادية سريعة التغيير، وتقديم الدعم لمستحقيه الفعليين، وتشجيع المستفيدين على الخروج من دائرة الفقر إلى فضاء العلم والعمل والاعتماد على الذات، بما يحقق النفع المشترك للاقتصاد والمجتمع.

وستساعد الإحصائيات الدقيقة حول نسب الفقر الحكومات والمؤسسات في معرفة تأثيره السلبي على المجتمع مثل ارتفاع نسبة الجريمة، لتتمكن من تحديد الاحتياجات المجتمعية وتلبيتها.

الاستثمار في البيانات

تفرض الضغوط المرتبطة بالأسر ذات الدخل المنخفض ضرورة إعادة النظر في مفهوم الفقر، والبحث عن أدوات وأساليب مبتكرة للقضاء عليه، منها توظيف البيانات في تقييم البرامج الاجتماعية وتحقيقها الأثر المطلوب، وفي هذا الإطار، يساعد مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر الحكومات والجهات المانحة في اتخاذ قرارات حول المبادرات ذات الأثر بعيد المدى بالاعتماد على الأدلة والتقييمات العشوائية المحكمة، من أجل تحديد شكل الدعم الأنسب الواجب تقديمه للمستفيدين، والعقبات التي تحول دون الاستفادة الفعلية منه.

ويعكس نجاح المختبر في تطوير برامج المؤسسات الاجتماعية مثل مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية في مصر، أهمية تسخير البيانات لنواجه مشكلة الفقر ونعالجها ونساعد المؤسسات الاجتماعية والحكومات والمانحين في تحويل أفكارهم إلى قرارات مبنية على الأدلة.

وضع خطط حكومية فعّالة

يرتبط الفقر في المنطقة العربية بعدم تكافؤ الفرص الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية، وبحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020 الصادر عن صندوق النقد العربي، فإن ثلثي السكان الفقراء ونحو 83.4% ممن يواجهون الفقر المدقع يقطنون المناطق الريفية، ما يتطلب إنشاء أطر وسياسات تؤدي إلى نمو اقتصادي مستدام يستوعب الجميع في مجالات التوظيف والرعاية الصحية والاجتماعية، والخدمات المالية بما يشمل تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ومع ارتفاع معدلات التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 14.8% عام 2021؛ ظهرت مخاوف من استمرار زيادة أسعار المواد الغذائية، والتي قد تدفع 23 مليون شخص إضافيين إلى دائرة الفقر، لكن يمكن تخفيف أثر ارتفاع معدلات التضخم على الأسر الفقيرة من خلال سياسات الحماية الاجتماعية لضمان حصول الأفراد على خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة وتمكينهم اقتصادياً عبر تدريبهم وتأهيلهم للحصول على فرص عمل تؤمن لهم مصدر دخل مستدام، من قبيل برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية المشروطة الذي أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي المصرية عام 2015.

تجاوز التبعية التكنولوجية

في الوقت الذي يمكن أن يكون للتكنولوجيا دوراً كبيراً في إعادة التوازن عبر تعزيز فرص الاتصال الإلكتروني والحصول على الخدمات المالية والتجارية والعامة؛ إلا أن عدم استفادة الدول النامية بعد من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كما هو الحال في الدول المتقدمة، سيجعل من الابتكار التكنولوجي سبباً في عدم المساواة في الأجور وتراجع فرص العمال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة في جني فوائد الثورة الصناعية الرابعة، والتقدم في علوم الأحياء والوراثة والذكاء الاصطناعي.

وفي هذا الإطار، دعا تقرير سياسة الابتكار للتنمية المستدامة الشاملة في المنطقة العربية، الصادر عام 2017 عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، الإسكوا، البلدان العربية لوضع سياسات ابتكار فعّالة تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والحد من التبعية التكنولوجية عبر تشجيع الابتكار المحلي وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير للاستفادة من الموارد المحلية بما يؤدي إلى رفع الإنتاجية وإحراز التقدم.