تعرفوا إلى أهم المبادرات العربية لدعم مرضى السرطان

مرض السرطان
shutterstock.com/Jose Luis Carrascosa
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اكتشفت إصابتي بسرطان الثدي وأنا في الثلاثين من عمري، وكنت حاملاً بابني الأول، فاضطر الأطباء إلى التحضير للولادة في شهري السابع للانتقال إلى سيرورة العلاج، لكن ما أرهق تفكيري في هذه الفترة؛ هل عرف الناس بمرضي؟، هل انتبهوا للشعر المستعار الذي أضعه بسبب جلسات العلاج الكيميائي؟. اكتشفت أني كنت مخطئة في محاولة إخفاء المرض، وأن الاعتراف به وتقبله والفحص المبكر أهم خطوات للقضاء عليه.

كثيرة هي القصص التي تعكس مشاعر القلق والخوف والعجز أمام مرض السرطان، والذي ما زال البعض يطلق عليه، ذاك المرض، تخوفاً من لفظ اسمه. قد يبدو مجرد التفكير في محاولة تخطيه مرحلة صعبة أو مستحيلة للبعض، لكن عند خوض التجربة وتلقي الدعم المادي والمعنوي، تتحقق المعجزة.

حقائق عن مرض السرطان

يُعد السرطان سبباً رئيسياً للوفاة في جميع أنحاء العالم، وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، أدى إلى وفاة 10 ملايين شخص في عام 2020، وكان سرطان الثدي أكثر الأنواع شيوعاً بواقع 2.26 مليون حالة، ومن الشائع ظهور أعراض السرطان في مرحلة متأخرة وعدم إتاحة خدمات تشخيصه وعلاجه، وخصوصاً في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وتتوقع الوكالة الدولية لأبحاث السرطان ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان سنوياً إلى أكثر من 24 مليون حالة بحلول 2030، وفي المنطقة العربية، ينمو مرض السرطان بوتيرة تنذر بالخطر، ومن المرجح أن تتضاعف أعداد المصابين 1.8 مرة بحلول عام 2030.

أمام هذه الوقائع والأرقام، يهدف اليوم العالمي للسرطان (World Cancer Day)، الذي يوافق الرابع من فبراير/شباط في كل عام، إلى زيادة الوعي بالمرض، والتشجيع على الوقاية منه واكتشافه وتشخيصه وعلاجه في أقرب وقت ممكن، وتَحدّد لأول مرة في مؤتمر القمة العالمي لمكافحة السرطان (World Summit Against Cancer) الذي عُقد في باريس 4 فبراير/شباط عام 2000، وتزامناً مع هذه المناسبة، نستعرض فيما يلي أبرز المبادرات العربية لدعم مرضى السرطان:

جمعية أصدقاء مرضى السرطان

تأسست جمعية أصدقاء مرضى السرطان في الإمارات عام 1999، تحت رعاية قرينة حاكم الشارقة، رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، لمساعدة مرضى السرطان وعائلاتهم في التغلّب على التحديات من خلال مرافقتهم خلال مسيرة التعافي، وإتاحة الفرصة للمتبرعين للمساهمة المجتمعية والتأثير الإيجابي في حياة الآخرين، وأثمرت جهود الجمعية في دعم 5 آلاف مريض مادياً ومعنوياً منذ تأسيسها حتى منتصف عام 2019. 

وتقدّم الجمعية دعماً مادياً لتغطية تكاليف علاج السرطان من أجل استمرار خطة العلاج بنجاح، ومن برامج الدعم المادي التي تقدمها، حملة أنا أستحق الحياة؛ التي أطلقتها في شهر رمضان لعام 2013، بهدف جمع الزكاة وتخصيصها لعلاج مرضى السرطان غير القادرين مادياً، بما يشمل توفير المستلزمات الطبية والفحوصات المبكرة، ونجحت الحملة خلال عامي 2015 و2016 في توفير علاج بقيمة 2.3 مليون درهم لـ 452 مصاب بالسرطان. وتزامناً مع عام الخير 2017؛ وفّرت العلاج بقيمة 2.225 مليون درهم لـ 400 مريض بالسرطان.

لا يقتصر دور الجمعية على الدعم المادي فقط، وإنما تدرك أيضاً أهمية الدعم المعنوي والنفسي لأي رحلة علاج ناجحة، لأنه يساعد المرضى في تقبل المرض، وتحسين جودة حياتهم في أثناء مرحلة العلاج وبعد انتهائها، لذا تقدم الجمعية برامج الدعم المعنوي لمرضى السرطان والمتعافين منه ولمقدمي الرعاية سواءً في المستشفى أو المنزل أو عبر الإنترنت، ومن هذه البرامج:

  • لوِن عالمي: هي إحدى الحملات التي تقدم من خلالها الجمعية العديد من الورش والأنشطة الترفيهية والرياضية لرفع معنويات المرضى، وخلق حالة إيجابية لمساعدتهم في التعافي، وإتاحة فرص تواصل المرضى مع بعضهم البعض لتعزيز السلوك الفعّال.
  • عربة المرح: تهدف هذه المبادرة لإسعاد المرضى الأطفال ومساعدتهم في مواجهة تحديات رحلة العلاج؛ إذ يقوم فريق الحملة بزيارات شهرية للأطفال في المستشفيات، وتنظيم أنشطة ترفيهية وتقديم الهدايا لهم للتخفيف من وطأة المرض عليهم.
  • خُصَل الأمل: أُطلقت هذه الحملة بالتعاون مع شركة دي إتش إل (DHL) لخدمات البريد السريع، وتعمل على توفير أجود أنواع الشعر المستعار لمكافحي السرطان الذين فقدوا شعرهم في أثناء جلسات العلاج الكيميائي؛ ما يعزز لديهم شعور الثقة بالنفس واستكمال رحلة العلاج بإيجابية.

لم يعد مرض السرطان مجرد مسألة شخصية تتعلق بالمرضى وحدهم، وإنما النِسب المتزايدة للمصابين تجعله قضية عامة تتطلب مسؤولية مشتركة لرفع مستوى الوعي بأهمية مواجهة المرض مبكراً، ومساعدة الآخرين في تجاوز صعابه، لذا تقدم الجمعية عدة برامج توعوية حول المرض، منها، مبادرة القافلة الوردية الهادفة إلى رفع مستوى الوعي بأهمية الفحوصات المتزامنة لاكتشاف المرض في مراحله المبكرة. 

مؤسسة ومركز الحسين للسرطان

انطلقت مؤسسة ومركز الحسين للسرطان في الأردن عام 2001، وتعمل على إنقاذ حياة مرضى السرطان من خلال توفير أفضل علاج شمولي لهم والتوعية بأهمية الكشف المبكر عن السرطان، وطرق الوقاية منه، وإجراء البحث العلمي؛ بهدف خفض معدل الوفيات وتخفيف المعاناة من المرض.

وتؤمن المؤسسة بفئة الشباب وقدرتهم على العطاء، فعملت على توظيف طاقاتهم من أجل مساعدة الأطفال المرضى بالسرطان، إذ نظمت خلال عام 2021، وللمرة الرابعة على التوالي، مبادرة الجبال السبعة بهدف جمع التبرعات لهم؛ إذ يقوم فريق من الطلبة المغامرين بتسلق جبل بهدف جمع مبلغ 100 ألف دولار أميركي، يخصص بالكامل لدعم علاج المرضى. وخلال الأعوام الماضية، تمكن فريق المبادرة من جمع أكثر من 370 ألف دولار لدعم الأطفال غير المقتدرين.

وفي الإطار ذاته، وتشجيعاً للشباب على خوض تجارب إنسانية مؤثرة، أطلقت مؤسسة الحسين للسرطان مبادرة الأردن ضدّ السرطان – شباب، بهدف جمع تبرعات تصل إلى 100 ألف دينار أردني لدعم علاج مرضى السّرطان غير المقتدرين في مركز الحسين للسرطان؛ حيث يعمل فريق من اليافعين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و27 عاماً، من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، على استقطاب كافة فئات المجتمع من الأفراد والشركات للمساهمة في تقديم الدعم المادي للمرضى.

يُشكل وعي النساء أهمية كبيرة في الكشف المبكر لمرض سرطان الثدي، لكن الخوف من المرض يعيق إقبالهنّ على الفحص المبكر، لذا أطلقت رئيس هيئة أمناء مؤسسة ومركز الحسين للسرطان، الأميرة غيداء طلال، الحملة العربية السادسة للتوعية حول سرطان الثدي، تحت شعار تصورتي؟؛ بهدف  نشر الوعي بأهمية صورة الأشعة السينية، الماموغرام، للكشف عن المرض  في مرحلة مبكرة.

وأدركت المؤسسة أهمية دور الإعلام في نشر التوعية المجتمعية حول المرض، فأطلقت جائزة مؤسسة الحسين للسرطان للإعلاميين لعام 2021 لرفع مستوى الوعي بأهمية مكافحة التدخين والكشف المبكر عن سرطان الثدي، وتشجيع الإعلاميين على تقديم أعمال إبداعية تساهم في إحداث تأثير إيجابي في المجتمع، وتأتي الجائزة ضمن سبع فئات تشمل جميع مجالات العمل الصحافي.

ترتبط مواجهة أي مرض بالأبحاث المتطورة والمستمرة التي تساعد على اكتشاف أفضل طرق العلاج وأكثرها كفاءة، لذا أطلقت المؤسسة في عام 2020، جائزة الحسين لأبحاث السرطان بهدف النهوض بالبحث العلمي على مستوى المنطقة العربية، وتوسيع المدارك والمعارف الطبية حول المرض للوصول إلى علاج فعّال.

مؤسسة بهية

أُصيبت السيدة بهية وهبي، زوجة المهندس المصري حسين أحمد عثمان بسرطان الثدي، ولاحظت خلال فترة علاجها معاناة السيدات المعوزات لمحاربة المرض خصوصاً مع الافتقار إلى جهاز إشعاع يساعد على اكتشاف المرض وتشخيصه مبكراً. ومن هنا بدأت  قصة بهية؛ إذ حرصت وهبي على اقتناء أحدث جهاز إشعاعي في منطقة الشرق الأوسط وحوّلت منزلها الخاص في عام 2015 إلى مركز متخصص في علاج سرطان الثدي بالمجان لكل سيدات مصر، ويضم أجهزة بقيمة 150 مليون جنيه.

تتمثل رؤية مؤسسة بهية في تقديم الدعم النفسي والرعاية والتوجيه لمحاربات سرطان الثدي خلال رحلة العلاج عبر مشاركتهن في أنشطة وورش تشمل المشغولات اليدوية، والرسم، وجلسات الدعم النفسي مع مدربين متخصصين. ولأن وعي السيدات بأهمية الكشف المبكر عن المرض يساعد في زيادة نسبة الشفاء، تحرص المؤسسة على تنظيم ندوات توعية خارجية على مدار العام بهدف تغطية جميع المحافظات المصرية.

وتؤمن المؤسسة بأن الإرادة القوية وبث الروح الإيجابية جزءاً أساسياً في خطة العلاج، لذا تركز على الفعاليات والجلسات التي تقدم الدعم النفسي للمريضات، ومنها، مِس بهية؛ وهي مسابقة للمحاربات في بهية لاختيار أقوى 20 موهبة واختيار الملكة المحاربة ووصيفاتها، نظمتها المؤسسة في ختام أكتوبر/تشرين الأول الوردي، الشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي؛ حيث قامت المريضات بعرض مواهبهن المتنوعة ما بين الطبخ، والتطريز، والرسم، وصنع  الإكسسوار.

يتطلب الدعم النفسي مساهمة مجتمعية واسعة، ونجحت بهية في استقطاب مؤسسات وفنانين وإعلاميين لمساندة المريضات في رحلة علاجهن؛ فعرضت الإعلامية إيمان رياض فكرة بوتيك بهية؛ وهو عبارة عن مكان يتيح للمريضات التسوق فيه بعد جلسة العلاج، ويحق لكل مريضة الحصول على 4 قسائم شراء سنوياً لتتمكن من اختيار الملابس المناسبة لها ولأولادها.

مع زيادة الوعي بخطورة سرطان الثدي الذي يُعد من أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين السيدات في مصر بعد سرطان الكبد، ويمثل نحو 35% من إجمالي الإصابات، لذا، أطلقت رئيسة المجلس القومي للمرأة، مايا مرسي، مبادرة لتقليل قوائم الانتظار من 45 إلى 21 يوم بهدف استقبال أكبر عدد ممكن من السيدات، وذلك في إطار حملة هديتك لبهية هتطمنها التي تستهدف جمع 21 مليون جنيه لمعالجة السيدات خلال 30 يوم.

بالنهاية، العلاج من السرطان رحلة صعبة يرافقها العجز المادي والخوف الطبيعي من الموت، ومثل هذه المؤسسات والمبادرات تحوّل المصاعب إلى محفّز للفحص المبكر، وتقدم المساندة والدعم للمصابين وصولاً إلى مرحلة التعافي.