لماذا تفشل بعض المؤسسات غير الربحية؟

بعض المؤسسات غير الربحية
shutterstock.com/Romolo Tavani
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تفشل نحو 30% من المؤسسات غير الربحية في الاستمرار بعد 10 سنوات من العمل. وذلك لأسباب ترتبط بمشاكل في القيادة والتنظيم، والافتقار إلى الكفاءات والمواهب القادرة على العمل بما يتناسب مع أهداف المؤسسة. في الماضي، كان تركيز المؤسسات غير الربحية منصباً على وصول البرامج والمبادرات إلى الفئات المستهدفة واستخدامها في دعمهم، لكنها أصبحت مُطالبة اليوم بإظهار النتائج والحلول الاستراتيجية، وإثبات نجاحها في تحقيق أهداف التأثير الاجتماعي، ما يجعل العملية أصعب بكثير بالنسبة إلى بعض المؤسسات غير الربحية التي وجدت نفسها غير قادرة على الاستمرار.

5 أسباب تؤدي إلى فشل المؤسسات غير الربحية

لماذا تفشل المؤسسات غير الربحية؟” (Why Nonprofit Fail)، في هذا الكتاب، استعرض المؤلف ستيفن بلوك (Stephen Block)، 5 أسباب رئيسية تؤدي إلى إخفاق هذه المؤسسات تتمثل في:

1. ضعف التنظيم وسوء الإدارة

الفشل في التخطيط يعني التخطيط للفشل، فالخطط الاستراتيجية هي الأساس لكيفية أداء المؤسسات غير الربحية، إذ يتعثر بعضها لأن القادة لم يحسبوا بدقة مقدار الدعم الذي سيكون متاحاً والتحالفات والشراكات التي يحتاجون إليها.

بعض المؤسسات غير الربحية لا تعمل وفق خطة واضحة تتم مراجعتها كل ثلاثة أشهر على الأقل، لإجراء تعديلات والبقاء في المسار الصحيح، فتواجه خطر خسارة المتبرعين والمانحين، من جيل الألفية خصوصاً، لعدم توافق اهتماماتهم وإسهاماتهم مع الإنجازات الفعلية، إذ يرى براد زولوز (Brad Szollose)، مؤلف كتاب: “القيادة السائلة” (Liquid Leadership)، أن جيل الألفية يكره عدم الكفاءة ويتجنب المؤسسات التي تُدار على نحوٍ سيء، ويصعُب إقناعهم ليكونوا مانحين جادين بعد الانطباع الذي كونوه عن المؤسسة.

وبالتالي تفقد المؤسسة غير الربحية ثقة الجهات المانحة، فبحسب دراسة: “حالة الحوكمة في قطاع العطاء الاجتماعي – منطقة الخليج عام 2018″، فإن غالبية المؤسسات الخيرية تكتفي بالحصول على رأي وملاحظات الأطراف المعنية الداخلية فقط، ما يدفع الجهات المانحة إلى تولي تنفيذ برامجها الاجتماعية بنفسها.

فشل المؤسسات غير الربحية في هذا الجانب مرتبط أيضاً بعدم تقبل فكرة المنافسة أو التكيف معها، والبحث عن المؤسسات الأخرى التي تقدم الخدمة نفسها أو تعمل على ذات الأهداف، أو حتى عدم التفكير بطرق أفضل لتقديم الخدمات في حال التعاون أو الاندماج مع مؤسسة أخرى أكثر كفاءة.

2. استقطاب أشخاص غير مناسبين

تسعى العديد من المؤسسات غير الربحية إلى الفوز بمعركة المواهب عند التنافس مع الفرص في القطاعات الأخرى. ما يطرح تساؤلات حول: هل تستقطب هذه المؤسسات الأشخاص المناسبين؟ هل تبحث في نوع الأشخاص المهتمين بالانضمام إلى القطاع الخيري؟ ولما لا يهتم الآخرون بالانضمام إليه؟

يعد توظيف أفضل المواهب مسألة صعبة عندما تكون موارد المؤسسات غير الربحية محدودة، كما أن استقطاب المتطوعين وأعضاء مجلس الإدارة وتوظيفهم في المؤسسات دون توضيح حدود مهامهم وأعمالهم والتزاماتهم، يؤثر في آلية العمل، ويمكن أن تفقد المؤسسة بذلك مصدر تمويل مهم، فعند انضمام المتطوع للمؤسسة واكتشاف خلل في طبيعة المهام، فلن يساعدها على الوصول إلى موارد مالية جديدة.

تتجه بعض المؤسسات غير الربحية إلى تعيين مدراء ورؤساء تنفيذيين ممن ليس لديهم خبرة بالعمل الإداري غير الربحي، كما أنها لا تتيح الفرصة لتحقيق تكامل الأعمار والاستفادة من قوة الفرق متعددة الأجيال؛ إذ يرغب العديد من كبار السن بتوظيف خبرتهم بعد التقاعد في مجالات جديدة ذات تأثير اجتماعي أكبر، فنحو 31% من البالغين، الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و92 عاماً، يسعون لتحقيق أهداف ذات مغزى شخصي وتسهم في الصالح العام.

مسألة أخرى متعلقة بالتوظيف، هي معدل الدوران. فعندما تنتهي مهمة الموظف في المؤسسة غير الربحية، أو يُنقل للعمل في منطقة أخرى، سيحتاج باقي الموظفين إلى مزيد من الجهد لإكمال المهام بوقت أقل، وما لم تكن المؤسسة حريصة على التوثيق الشامل للعمل، سيغادر الموظفون بمعرفة وخبرة قد لا يتمكن باقي الفريق من الوصول إليها، ما قد يتسبب في تعطيل مهمة المؤسسة.

3. متلازمة المؤسِس

تنطلق المؤسسة غير الربحية من أفراد يضعون وقتهم وأموالهم وطاقتهم بهدف جعل المجتمع مكان أفضل، لذا من الطبيعي أن يعتبرونها “مُلكهم”. لكن عندما يسعون للهيمنة وفرض رؤيتهم؛ ستفشل المؤسسة في تحقيق أهدافها بسبب غياب روح الفريق والمشاركة في صنع القرار.

كثيراً ما توصف متلازمة المؤسِس بأنها “مقاوَمة للتغيير”، وتبدأ تدريجياً عندما تُعين المؤسسة غير الربحية موظفين جُدد أو تحوّل الموظفين الحاليين إلى أدوار أخرى، فيشعر العضو المتحمس في فريق القيادة وكأنه يفقد السيطرة على المؤسسة.

وترتبط متلازمة المؤسِس بأعضاء مجلس الإدارة أو الرؤساء التنفيذيون الذين يتحملون قدراً غير متناسب من مسؤولية اتخاذ القرارات، ما يعني اعتراضهم على كل فكرة تخالف رؤيتهم أو أنهم يتخذون قرارات دون استشارة قادة آخرين.

ويصعُب على الأشخاص المهنيين التعامل مع رئيس مجلس إدارة أو مدير تنفيذي مصاب بمتلازمة المؤسِس، لأنهم أتوا إلى المؤسسة غير الربحية محمّلين بأفكار بنوها على مدى سنوات، وقبل انضمامهم إلى أي مؤسسة يبحثون عن آلية صناعة القرار فيها.

4. الصعوبات المالية

تجد المؤسسات غير الربحية صعوبة في تأمين دخل ثابت من أي مصدر، ما يجعل وضع الميزانية تحدياً حقيقياً لاستمرارية عملها، فبعض المؤسسات تحصل على تمويل بأقل مما تحتاجه، فيما يُترك البعض الآخر بدون تمويل على الإطلاق.

تعاني المؤسسات غير الربحية من الضعف المالي بسبب فشل التخطيط وسوء القيادة، وصحيح أن زيادة الدعم المادي يشكل تحدياً إلا أن المانحين يحبون سماع أسباب مُقنعة لتقديم الدعم حتى في الأوقات الاقتصادية الصعبة.

قد تحدث المشاكل المالية بسبب عدم قدرة أعضاء مجلس إدارة المؤسسة غير الربحية على قراءة التقارير المالية، فالقرارات اليومية الصادرة عن الإدارة التنفيذية تؤثر في الموازنة المالية، ومن دون المال لا يمكن تطوير أي مؤسسة مهما كان نُبل مهمتها.

وتمثل التبرعات مصدر دخل مهم للمؤسسات غير الربحية، وتعتمد في جمعها إما على مستشار مؤقت أو قدرات المدير التنفيذي، لذا تضع القدرة على الوصول إلى منافذ جديدة للدعم أحد أهم معايير اختيار القادة، ومن جهة أخرى، تركز على جذب كبار المانحين دون التفكير في أهمية الجهات المانحة الصغيرة، وتتوقع من المانحين الحفاظ على حجم إسهامهم أو زيادتها في كل مرة يقدمونها فيها، ما يؤدي إلى فشلها في الحصول على التبرعات اللازمة.

تتبع بعض المؤسسات غير الربحية وسيلة غير فعّالة في جمع التبرعات؛ إذ تركز على قلة حجم الإنفاق على البرامج، وليس التأثير الناتج عنه. “عليك أن تنفق المال لكسب المال”، هذا مقبول في القطاع الربحي لكنه لا يُناسب المؤسسات غير الربحية. بين واين ايلسي (Wayne Elsey) في كتابه: “صعود المؤسسات الخيرية وفشلها في القرن الحادي والعشرين” (The Rise and Fail of Charities in the 21st Century)، أنه لا ينبغي أن تُطلِع المؤسسات غير الربحية المانحين على ضآلة إنفاقها، وإنما يجب أن تحدّثهم عن مدى تأثير تبرعاتهم بالنسبة لميزانيتها.

5. عدم التكيف مع الظروف المتغيرة

إن الفشل في التكيف مع الاحتياجات المتغيرة للفئات المستهدفة، وعدم مواكبة التطور التكنولوجي، والتأقلم مع التقلبات الاقتصادية، وإتاحة المرونة في الجداول الزمنية للعمل، من العوامل التي تؤثر في نجاح المؤسسات غير الربحية واستمراريتها على المدى الطويل.

لعل جائحة كوفيد-19 من الأزمات التي كشفت عن نقاط الضعف في عمل الشركات والمؤسسات غير الربحية التي لم تكن مستعدة للعمل عن بُعد في غضون مهلة قصيرة، وبينت لهذه المؤسسات ضرورة مواءمة التكلفة والتأثير الاجتماعي لتقديم نتائج قادرة على إحداث فرْق حقيقي في حياة الأفراد، واستخدام الأدوات المناسبة التي تجعل الأشخاص والعمليات الخاصة بالمؤسسة غير الربحية أكثر مرونة وجاهزية لمواجهة الظروف المتغيرة في إطار الموارد المتاحة، وتتيح لهم إمكانية تتبع النتيجة النهائية في الوقت الفعلي.