القارة الثامنة: قصة أكبر رقعة نفايات في المحيط الهادئ

النفايات الكبرى
shutterstock.com/Benny Marty
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تضم المحيطات 5.25 تريليون قطعة بلاستيكية تهدد حياة الحيوانات البحرية، وتسبب مخاطر صحية واقتصادية على البشر. وتعد مخلفات البلاستيك من بين أخطر مصادر تلوث البيئة، لا سيما وأن 80% من المواد البلاستيكية لا يُعاد تدويرها، ويُلقى معظمها في المياه. وتمثل رقعة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ أكبر مستودع لنفايات المحيطات في العالم، إذ تحتوي على 1.8 مليار قطعة من البلاستيك العائم، تزن ما يُقدر بنحو 80 ألف طن، ما يعادل وزن 500 طائرة بوينغ 747 (جامبو).

ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا

تُلقب رقعة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ بـ “القارة الثامنة”، وتقع في منتصف المسافة بين هاواي وكاليفورنيا، وتغطي مساحة سطحية تُقدر بنحو 1.6 مليون كيلومتر مربع؛ ما يعادل ضعف مساحة ولاية تكساس الأميركية أو ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا.

كان القبطان وعالم المحيطات الأميركي تشارلز مور (Charles Moore) أول من دق ناقوس الخطر حول رقعة النفايات، إذ أصيب بالرعب عندما واجه في طريق عودته من سباق قوارب شهير عام 1997، بحراً من البلاستيك الواسع استغرق منه سبعة أيام لعبوره، ليحشد بعدها اكتشاف مور اهتمام المجتمع العلمي بدراسة واحدة من أكبر أعراض الأزمة البيئية التي يعاني منها الكوكب.

بعد عقدين من الزمان، أصبحت الرقعة تنمو باستمرار، وعلى الرغم من زيادة حجمها؛ فإنها غير مرئية للأقمار الصناعية، لأن 94% منها تتكون من شظايا بلاستيكية دقيقة تآكلت من قطع أكبر. لكن ما أصل هذه الرقعة، وكيف تشكلت؟ وما نوع البلاستيك الذي تحتويه؟ وما العواقب التي تسببها؟

آسيا المُساهم الأكبر

تشكلت رقعة النفايات من المواد البلاستيكية الدقيقة التي تُلقى على الأرض ومن معدات الصيد المهجورة، بما في ذلك الشباك والسلال والأقفاص، كما يعد قطاع الشحن مساهماً رئيساً في هذه المأساة البيئية، بسبب مخلفات السفن.

تشير الدلائل العلمية إلى أن الغالبية العظمى من النفايات البلاستيكية في الرقعة تأتي من آسيا، إذ توصلت مجلة نيتشر (Nature) إلى أن ثلثي العناصر التي جُمعت خلال البحث احتوت على نص مكتوب باللغة اليابانية أو الصينية، فيما يعود تاريخ أقدم قطعة نفايات في الرقعة إلى نهاية سبعينيات القرن العشرين.

يدخل المحيط ما بين 1.15 إلى 2.41 مليون طن من البلاستيك سنوياً عن طريق الأنهار، وأكثر من نصف هذا البلاستيك أقل كثافةً من الماء، ما يعني أنه لن يغرق بمجرد اصطدامه بالبحر، إذ تُظهر المواد البلاستيكية الأقوى والأكثر طفواً مرونة في البيئة البحرية، ما يسمح بنقلها لمسافات طويلة، وتستمر على سطح البحر وهي تشق طريقها بعيداً عن الشاطئ، ثم تُنقل عن طريق التيارات المتقاربة لتتراكم في النهاية داخل الرقعة.

بمجرد دخول هذه المواد البلاستيكية إلى الدائرة الواقعة شمال المحيط، فمن غير المرجح أن تغادر المنطقة حتى تتحلل إلى جزيئات بلاستيكية أصغر تحت تأثير الشمس والأمواج والحياة البحرية. نظراً للتخلص من المواد البلاستيكية بطريقة غير صديقة للبيئة؛ فإن تركيز البلاستيك الدقيق في رقعة النفايات سيستمر في الزيادة. لكن ما طبيعة البلاستيك الذي يطفو في رقعة نفايات المحيط الهادئ؟

يتراوح حجم المواد البلاستيكية التي تحتويها الرقعة من شظايا صغيرة إلى أجسام أكبر وشبكات صيد بحجم المتر، وأغلبها مصنوع من البولي إيثيلين الصلب أو البولي بروبلين، أو معدات الصيد المهملة مثل الشباك والحبال، ويمكن تصنيف حجم البلاستيك الموجود داخل الرقعة إلى أربع فئات:

  1. الجسيمات البلاستيكية (0.05 – 0.5 سم).
  2. الميزوبلاستيك (0.5 – 5 سم).
  3. البلاستيك الكبير (5 – 50 سم).
  4. البلاستيك الضخم (أي شيء يزيد عن 50 سم).

وتشكل الجسيمات البلاستيكية التي تزيد عن 0.5 سم 92% من الحطام الموجود في الرقعة، فيما تُصنع ثلاثة أرباع الكتلة الكلية من البلاستيك الكبير والضخم، وتمثل اللدائن الدقيقة 94% من إجمالي الكتلة.

خطر صحي وتكلفة اقتصادية كبيرة

بدا القبطان تشارلز مور متشائماً خلال مشاركته في مؤتمر الرابطة الدولية للنفايات الصلبة بإسبانيا عام 2019، وحذّر من انتشار البلاستيك في كامل محيطات العالم بالمستقبل، ولا يمكن اعتبار هذه النبوءة مبالغ فيها، إذ حذّرت الأمم المتحدة من وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في أكثر من 800 نوع بحري وساحلي، ولا يمكن تحديد حجم الأضرار التي لحقت بالكائنات البحرية إذ تموت الآلاف من الثدييات البحرية والطيور المائية سنوياً بعد الخلط بين العناصر الموجودة في رقعة النفايات في المحيط الهادئ للحصول على الطعام أو الوقوع في شباك الصيد المهجورة، علماً أن 84% من البلاستيك يحتوي على مادة كيميائية، فيما تشكل شباك الصيد 46% من كتلة النفايات في الرقعة.

أظهرت الدراسات أن نحو 700 نوع من الحيوانات قد واجه حطاماً بحرياً، و92% من هذه التفاعلات كان مع البلاستيك، و17% من الأنواع المتأثرة بالبلاستيك مُدرجة في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض.

البشر أيضاً ليسوا بمنأى عن أضرار التلوث البلاستيكي في رقعة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ، فبمجرد دخول البلاستيك إلى شبكة الغذاء البحري، هناك احتمال تلوث السلسلة الغذائية البشرية، فضلاً عن الأعباء المالية الكبيرة لجهود تنظيف المحيطات من المخلفات البلاستيكية والحد منها، إذ قدّرت شركة ديلويت (Deloitte) للخدمات المهنية، التكلفة الاقتصادية للمخلفات البلاستيكية في البحار بما يتراوح بين 6 و19 مليار دولار.

مبادرات لحل المشكلة

أدى اكتشاف رقعة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ إلى زيادة الوعي بأهمية المشكلة، وأسفر عن مبادرات متعددة لتقليل كمية البلاستيك في المحيطات، منها، مبادرة 4 المحيط (Ocean4) الأميركية التي تقدم عناصر مصنوعة من مواد معاد تدويرها مثل الأساور والحقائب القماشية، وكل عنصر يتم شراؤه يمول جهود إزالة ملايين الأرطال من النفايات من محيط وأنهار وسواحل العالم، ومنذ تأسيسها عام 2017، جمعت المبادرة 28 مليون طناً من بلاستيك المحيطات من جميع أنحاء سواحل 27 دولة.

وتسهم سيبين (Seabin)، وهي شركة استرالية ناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة، في مهمة طموحة للمساعدة في حل مشكلة التلوث البلاستيكي للمحيطات من خلال إنتاج حاوية تستخدم لفلترة البلاستيك وبعض الزيوت والمنظفات والوقود العائم في الموانئ والأحواض والمراسي حول العالم.

وظهر في تشيلي مشروع الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل، سولوباغ (Solubag) كحل صديق للبيئة يساعد على مواجهة التحدي العالمي المتمثل في التلوث البلاستيكي، فيما قدمت المبادرة الإفريقية للتنظيف (African Clean Up Initiative) في نيجيريا البرنامج التعليمي القائم على الدفع بإعادة التدوير (Recycle Pay Educational Program) لتُمكن الآباء من سداد جزء من إجمالي رسوم مدارس أطفالهم بجمع النفايات البلاستيكية وأكياس مياه الشرب المستعملة لإعادة تدويرها لاحقاً.