أبرز 3 مؤسسات عربية تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة

العناية بأصحاب الهمم
shutterstock.com/Olesia Bilkei
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما شُخّص البريطاني ستيفن هوكينغ (Stephen Hawking) بمرض الضمور العصبي أو ما يُسمى مرض العصبون الحركي (Motor Neuron Disease) في عامه الـ 21، اعتقد الأطباء أنه سينجو فقط لبضع سنوات، لكن هوكينغ تحدّى الصعاب، وأصبح من أبرز علماء الفيزياء النظرية وعلم الكون على مستوى العالم، وتُوفي عن عمر 76 عاماً.

قصة هوكينغ تؤكد الإمكانات الهائلة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وقدرتهم على المشاركة بفعالية في المجتمع إذا أتيحت لهم سبل الدعم وإعادة التأهيل وفرص التعليم، والتوظيف المناسبة لهم، لكن العديد منهم لا يحظى بفرصة المشاركة الكاملة في الفرص الاجتماعية والاقتصادية بسبب الافتقار إلى البيئة المادية المناسبة والخدمات الحكومية والأجهزة والتكنولوجيا المساعدة، فضلاً عن التحيز والوصمة التمييزية في المجتمع.

يواجه نحو 110 إلى 190 مليون شخص إعاقات كبيرة، وبحسب البنك الدولي، يعاني أكثر من مليار شخص من إعاقات، يعيش نحو 80% منهم في الدول النامية، ويزيد الفقر من مخاطر الإعاقة نتيجة سوء التغذية، وعدم كفاية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، وظروف العمل غير الآمنة، والبيئة الملوثة، وعدم الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، ومن جهة أخرى، تزيد الإعاقة أيضاً من خطر الفقر عن طريق نقص فرص العمل والتعليم، وانخفاض الأجور، وارتفاع تكلفة المعيشة على ذوي الاحتياجات الخاصة. ويتزايد الوعي العالمي بالتنمية الشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، إذ تُعزز اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة (Convention on the Rights of Persons with Disabilities. CRPD) الاندماج الكامل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمعات، وتنص خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بوضوح على أن الإعاقة لا يمكن أن تكون سبباً أو معياراً لعدم الوصول إلى برامج التنمية وتطبيق حقوق الإنسان.

ويتطلب هذا الوعي، أن تكون البيانات المفتاح الرئيسي لتحديد التحديات والحلول التي يمكن أن تحسّن حياة ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن فيما يخص المنطقة العربية؛ التي تواجه فيها هذه الفئة تحديات أكبر، هناك نقص أو فجوة في هذه البيانات، إذ خلصت إحصائية منظمة الصحة العالمية لعام 2011، إلى وجود ما يزيد عن 34 مليون شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة، فيما تشير تقديرات حديثة إلى وصول هذا العدد إلى 60 مليون شخص.

وتزامناً مع اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، والذي يوافق الثالث من 3 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، نستعرض أبرز 3 مؤسسات عربية معنية بهذه الفئة.

1- الجمعية الخيرية لذوي الاحتياجات الخاصة بالجبيل إرادة

تأسست جمعية إرادة في مدينة الجبيل الصناعية بالسعودية عام 2008؛ بمبادرة من سامي الصويغ وزوجته خلود الدبيكل، اللذان حوّلا معاناة ابنتهما أروى مع متلازمة داون إلى مبادرة اجتماعية تهدف إلى تلبية احتياجات المجتمع في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وتعليمهم وتأهيلهم، عبر تقديم برامج وخدمات تعليمية وتأهيلية واجتماعية وصحية شاملة لكل فئات الإعاقة عبر مراكز متخصصة.

كانت خلود الدبيكل تعمل في حقل التعليم وعندما رُزقت بابنتها أروى، قررت الاستقالة من عملها والتفرغ لرعاية ابنتها. وعدم وجود مركز متخصص يمكنه التعامل مع حالة أروى في المنطقة الشرقية، دفع الزوجان للبحث عن بدائل والتواصل مع جمعية متلازمة داون (Down Syndrome Association) في بريطانيا لجمع المعلومات عن كيفية التعامل مع مصابي متلازمة داون، ثم تعاون الزوجان مع إحدى المراكز التابعة لجمعية النهضة النسائية، وساهما بإنشاء مركز تدريب تابع للجمعية، ثم توسعت الفكرة لتأسيس مركز مستقل في منطقة نجد الجنوبية عام 2002 يضم 16 طفلاً، واستمر التوسع في عام 2006 وأصبح يخدم المركز نحو 190 حالة من أطفال متلازمة داون أُحيل العديد منها للدمج في المؤسسات التربوية العامة.

وتضم إرادة حالياً مراكز تأهيلية للأشخاص المصابين بمتلازمة داون والتربية الخاصة والتأهيل لحالات التوحد، والإعاقات العقلية الأخرى، وبجهود 90 مختصاً ترعى الجمعية هذه الحالات وتوفر لهم الفرص اللازمة للتعليم والتأهيل، وتعتزم تدشين مجمّع إرادة للتربية الخاصة والتأهيل في الجبيل الصناعية عام 2022، على أرض مساحتها 31 ألف متر مربع، ليخدم 1200 طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتأتي أغلب إيرادات الجمعية من مبنى الوقف الخيري التابع لها، الذي اكتمل في منتصف 2011 بدعم الهيئة الملكية بالجبيل وينبع لتعزيز مسيرة إرادة في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال عدة برامج، أهمها:

  • برنامج التأهيل المهني: يستهدف البرنامج تدريب وتأهيل الإناث المصابات بمتلازمة داون من الفئة العمرية بين 12 و40 عاماً، وتقديم الرعاية الطبية والعلاج الطبيعي لهنّ، والقيام بالأنشطة اللازمة للحياة اليومية ضمن حدود قدراتهنّ واحتياجاتهنّ بما يحقق التوافق الاجتماعي.
  • برنامج الدمج الجزئي والكلي: يعمل هذا البرنامج على دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع نظرائهمهم النموذجيين في المدارس العامة أو رياض الأطفال عبر إلحاقهم بفصول التعليم العام لجزء من اليوم أو كامله.
  • برنامج الإرشاد الأسري: يعمل على تأهيل الأسر وفئات المجتمع كافة وتدريبهم على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال الجلسات التدريبية والتأهيلية والإرشادية، وبلغ عدد مستفيدي هذا البرنامج  713 شخص.

وتدخل أعمال الجمعية في إطار جهود السعودية لتحسين فرص الحياة والتعليم والعمل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها، استراتيجية وزارة التعليم 2016-2020 التي أكدت أهمية ضمان التعليم الجيد المُنصف للجميع، وتعزيز فرص التعليم للجميع مدى الحياة، من خلال تقديم فرص تعليمية متساوية في الجودة والشمولية إلى جميع عناصر المجتمع من الجنسين، سواء كانوا طلاب موهوبين، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو كبار السن، أو ممن يحتاجون إلى محو أميّة. 

2- مركز الشفلح للأشخاص ذوي الإعاقة

تسعى دولة قطر لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة وتوعيتهم بحقوقهم، وتأهيلهم وتدريبهم لرفع مستوى مهاراتهم، وفي هذا الإطار، تأسس مركز الشفلح للأشخاص ذوي الإعاقة عام 1999، واعتباراً من عام 2013، بدأ المركز العمل تحت مظلة المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي.

وجاءت تسميته نسبةً إلى نبتة الشفلح البرية التي تنشأ في الصحراء الجافة، وتُعد هذه النبتة رمزاً للحياة وسط جفاف الصحراء، وكذلك المركز الذي يزرع الأمل لمنتسبيه، إذ يقدّم خدمات تعليم وتأهيل نموذجية للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية والتوحد الذين لا تتجاوز أعمارهم 21 عاماً، ويعمل على رفع مستوى التوعية المجتمعية بقضاياهم وحقوقهم لتعزيز فرص إدماجهم في المجتمع.

وقدّم المركز لمنتسبيه البالغ عددهم 650 منتسباً، خدمات وبرامج تسير وفق معايير عالمية، وحرص على مواكبة التكنولوجيا لتعزيز قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة وإدماجهم بالمجتمع، تماشياً مع رؤية قطر 2030، التي تشمل تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم، من خلال أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة

ويُعد برنامج بست باديز (Best Bodies)، أحد البرامج الرئيسية لمركز الشفلح للمساهمة في توفير بيئة ملائمة لدمج ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة والمتوسطة وذوي الإعاقة النمائية، إذ يعمل البرنامج على تنمية مهارات المنتسبين من فئات عمرية مختلفة، وذلك من خلال تنفيذ أنشطة التواصل المجتمعي، والرياضة، والفن، وتنظيم الورش الفنية، ووصل عدد مستفيدي البرنامج إلى 1010 أشخاص في مراحل التعليم المختلفة.

إنّ العمل مع المتغيرات الطارئة أمر ضروري ويستدعي التعايش مع الظروف التي تتطلب العمل عن بُعد وفق إجراءات تنظيمية، وإيماناً بدور التكنولوجيا في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كوفيد-19، وفّر مركز الشفلح البرامج الإلكترونية والموارد الضرورية لاستكمال أنشطته على أكمل وجه، وتمكّن من تخريج 53 من منتسبيه عام 2020.

وحرص المركز على خلق أجواء مختلفة لمنتسبيه تزيد من خبراتهم ومهاراتهم، فأطلق في الفترة من 4 يوليو/تموز إلى 4 أغسطس/آب 2021، النسخة الخامسة من برنامجه الصيفي عبر منصته الإلكترونية، تحت شعار خليك في البيت، وصيفك على المنصة، وتتويجاً لجهوده، حصد مركز الشفلح ثلاث جوائز متقدمة في المسابقة الدولية في الفن التشكيلي التي نظمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو؛ بهدف زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة.

3- مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم (ZHO)

أطلقت الإمارات مُسمى أصحاب الهمم على الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ويُعد التعريف الأروع حتى الآن كما وصفه قاضي المحكمة العليا في ولاية ميتشغان الأميركية، ريتشارد بيرنستاين (Richard Bernstein)، الذي وُلد كفيفاً نتيجة التهاب الشبكية الصباغي.

وتضْمن دولة الإمارات حقوق أصحاب الهمم وعدم التمييز بينهم وبين الأصحاء في جميع التشريعات، وبرامج وسياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ وصلت نسبة أصحاب الهمم المواطنين الحاصلين على وظائف ثابتة إلى 37.7% عام 2019، بواقع 2310 أشخاص في سن العمل وظروف إعاقة مواتية، وفي هذا الإطار، انطلقت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم (ZHO) في 19 أبريل/نيسان عام 2004 لتكون مظلة تضم مراكز ومؤسسات دُوْر الرعاية الإنسانية والخدمات الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة، وكل ما ينشأ مستقبلاً من جهات في إمارة أبوظبي.

وتوفر المؤسسة الخدمات المتكاملة لإعادة تأهيل أصحاب الهمم في المجتمع، منها التعليم، والتدريب المهني، والتأهيل العلاجي الذي يشمل التقييم، والتدخل المبكر، والعلاج الطبيعي، والعلاج الوظيفي، وعلاج النطق، إضافة إلى الرعاية النفسية والإرشاد الأسري ودعم الأنشطة التعليمية والرياضية.

وتحرص المؤسسة على تقديم خدمات متطورة لأصحاب الهمم، واستثمار الموارد والطاقات في بيئة إيجابية تؤهلهم تعليمياً ووظيفياً وثقافياً واجتماعياً لزيادة تفعيل دورهم في المجتمع، فعملت على تنظيم عدة برامج  منها برنامج فنون الطهي الذي أطلقته بالتعاون مع شركة أبوظبي الوطنية للفنادق؛ بهدف تدريب مجموعة من صاحبات الهمم من ذوي الإعاقة الذهنية للحصول على شهادة فن الطهي، بعد تدريبهن في شركات وفنادق معتمدة وتجهيزهن لسوق العمل، كما تعاونت مع جمعية القهوة المتخصصة (SCA) لإنشاء أول برنامج تدريبي مرخّص لأصحاب الهمم في مجال صناعة القهوة بإمارة أبوظبي، يعمل على تدريب أصحاب الهمم وتأهيلهم للحصول على شهادة باريستا (Barista) المعتمدة من الجمعية.

أخيراً، الإعاقة الحقيقية للإنسان هي استسلامه للعجز والجنوح إلى منطقة الراحة، وعجزه عن تحقيق ما يهدف إليه رغم توفر كل الإمكانيات، لذا يجب أن ينظر الإنسان دائماً للجانب الإيجابي للموقف الذي يواجه ويحاول اقتناص الفُرص المتاحة؛ والجهود التي تقوم بها هذه المؤسسات تساعد في تعزيز الأمل وتمهيد السبل أمام ذوي الهمم لتحقيق طموحهم وتطوير مهاراتهم وتشجيعهم على الإسهام في تنمية المجتمع.