ما هي الزراعة المستدامة؟ وكيف تسهم في تأمين الغذاء؟

الزراعة المستدامة
shutterstock.com/KarlosWest
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان نظام الزراعة قائماً على زراعة المحاصيل نفسها سنوياً وباستخدام كميات هائلة من المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية التي تدمر التربة والمياه والهواء والمناخ، لكن الضرر الناجم عن هذا النظام، أدى لانتشار الزراعة المستدامة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين.

ويعود الانتشار الذي حققته الزراعة المستدامة خلال العشرين سنة الماضية، لما أبانت عنه من قدرة على الحفاظ على الموارد الطبيعية وتأمين الغذاء الصحي والسليم للجميع، وترسيخ قيم العدالة والإنصاف من خلال دعم الاحتياجات الغذائية للأجيال المقبلة.

الزراعة مصدر للتنمية

يواجه العالم تحديات متعددة أبرزها ضرورة زيادة إنتاج الغذاء بمقدار 70% لتلبية احتياجات نحو 9  مليارات نسمة بحلول عام 2050، والتوسع في الإنتاج الصناعي، والأضرار البيئية الناجمة عن التلوث والتصحر وتعرية التربة، ما يخلق حاجة مُلحة إلى تحول الزراعة نحو مفهوم الاستدامة، وتحسين سلسلة التوريد العالمية، والحد من فقدان الأغذية وهدرها، والقضاء على الجوع.

وتعد الاستدامة الزراعية أداة فعّالة لتحقيق أهداف التنمية المرتبطة بالأمن الغذائي وإنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك، فالقطاع الزراعي يشكل مصدر دخل 65% من الفقراء، ويسهم بأكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض أقل البلدان نمواً.

التوجه نحو نظام زراعي أكثر استدامة يعني إتاحة مساحة للمَزارع مختلفة الأحجام لتنتج مجموعة متنوعة من الأطعمة المتوافقة مع الظروف المحلية والأسواق الإقليمية، واستخدام أحدث الممارسات القائمة على العلم والتي تزيد من الإنتاجية والأرباح مع تقليل الأضرار البيئية، وإبداء مرونة أكبر في مواجهة الجفاف والفيضانات والآثار الأخرى لتغير المناخ.

ترتكز ممارسات الاستدامة في الزراعة على تحقيق المردود الاقتصادي، والحفاظ على البيئة وتنوعها، وابتكار نظم اجتماعية جديدة تنمية الأفراد العاملين في القطاع وتدريبهم، وبشكل أساسي الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة لتوفير الغذاء الآمن والصحي على المدى الطويل.

كان نظام الزراعة قائم على المزارع الكبيرة التي تزرع نفس المحاصيل سنوياً وباستخدام كميات هائلة من المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية التي تدمر التربة والمياه والهواء والمناخ، لكن الضرر الناجم عن هذا النظام، أدى لانتشار الزراعة المستدامة وممارستها في أميركا الشمالية وبعض البلدان الأوروبية خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين.

أبرز الممارسات الزراعية المستدامة

بعد تجارب كثيرة، أثبتت الممارسات الزراعية المستدامة فعاليتها في تحقيق التنمية، وأبرز هذه الممارسات:

تناوب المحاصيل وتنويعها. قد تحقق زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل العديد من الفوائد، بما في ذلك الحفاظ على التربة والحياة البرية والحد من الأخطار المحتملة بسبب تقلبات الطقس أو الإصابة بالآفات.

زراعة المحاصيل الغطائية والنباتات المعمرة. تحافظ المحاصيل المعمرة على التربة عن طريق منع تآكلها، وتجديد مغذياتها، والقضاء على الأعشاب الضارة، ما يقلل من الحاجة إلى المبيدات، وقد تسهم زراعة محاصيل، مثل الشوفان كنباتات تغطية بعد حصاد المحاصيل في تحسين خصوبة التربة والحد من انجرافها.

تقليل الحرث أو القضاء عليه. يساعد الحرث التقليدي على تهيئة الحقول للزراعة ولكن قد يتسبب أيضاً بتلف التربة. بالتالي يمكن للحد من الحراثة أو اعتماد الحراثة المخففة التي تنطوي على إدخال البذور مباشرة في التربة السليمة، أن يقلل من التعرية ويحسن صحة التربة.

تطبيق الإدارة المتكاملة للآفات. أي الاعتماد على تقنيات زراعية ووسائل حيوية والتقليل من استخدام المكافحات الكيماوية، للحد من الآفات الزراعية المختلفة والمخاطر الصحية والبيئية والاقتصادية، وكذلك الاستفادة من الكائنات الحية المفيدة، مثل والعناكب المفترسة وبعض الحشرات.

دمج الثروة الحيوانية والمحاصيل. تميل الزراعة التقليدية إلى الفصل بين الإنتاج النباتي والحيواني، حيث تعيش الحيوانات بعيداً عن مناطق إنتاج أعلافها، وتنمو المحاصيل بعيداً عن الأسمدة الوفيرة، لكن التكامل الذكي بين إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيواني يمكن أن يجعل المزارع أكثر كفاءة وربحية. فما الفوائد الناتجة عن استخدام هذه الممارسات؟

فوائد الزراعة المستدامة

أدى الاعتماد على الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية إلى زيادة الغلة والإنتاجية لكن تسبب أيضاً في ارتفاع أسعار المنتجات وزيادة انبعاثات الغازات السامة، ومستويات تلوث المياه والهواء، والآثار الصحية الضارة. لذا ستساعد ممارسات الزراعة المستدامة في:

الحفاظ على البيئة

مع تبني الممارسات المستدامة سيقلل المزارعون من اعتمادهم على الطاقة غير المتجددة، واستخدام المواد الكيميائية وسيعملون على توفير الموارد، ما سيساعد على استدامة الحياة للأجيال المقبلة لمواكبة زيادة أعداد السكان وارتفاع الطلب على الغذاء.

وتشكل الانبعاثات الناتجة عن روث الماشية والمواد الكيميائية 95% من انبعاثات الأمونيا، والتي تعد مسؤولة عن 58% من تلوث الهواء في أوروبا، لكن يمكن للزراعة المستدامة أن تعزز جودة الهواء عن طريق امتصاص المخلفات الزراعية في التربة واستخدام كميات مناسبة من الحرث. كما يمكن أن تساعد زراعة مصدّات الرياح أو محاصيل التغطية على منع الغبار الناتج عن الحرث والحصاد وحركة المرور.

يُفقد سنوياً نحو 10 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية بسبب تآكل التربة، ما يقلل من مساحة الأراضي الزراعية المتاحة لإنتاج الغذاء العالمي، ولكن يمكن مواجهة هذه المشكلة من خلال الحد من الحرث أو القضاء عليه وإدارة أنظمة الري لتقليل الجريان السطحي، فالحراجة الزراعية وغيرها من طرق التنويع المستدام للمحاصيل تساعد على تعزيز التنوع البيولوجي والاستقرار الاقتصادي للمزرعة.

تقليل التكاليف

يمكن أن تساعد الممارسات المستدامة على خفض التكاليف، فالزراعة العضوية، على سبيل المثال، تعتمد على السماد الطبيعي والنفايات العضوية التي يمكن تحويلها إلى أسمدة، بدلاً من المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية والأسمدة الاصطناعية، وتتطلب المزارع العضوية عادةً عمالة أقل من المزارع التقليدية، لكنها تحقق أرباحاً أعلى.

وتوظيف تكنولوجيا إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار والطائرات بدون طيار وغيرها، يجعل الزراعة أكثر ذكاءً وكفاءة وفاعلية، كما أن تحسين ظروف عمل المزارعين يقلل من اعتمادهم على الإعانات الحكومية ويعزز المجتمعات الريفية.

تحسين الصحة العامة

تتسبب المبيدات بآثار ضارة على صحة الإنسان وخاصة الأطفال، لكن من خلال التحول إلى الزراعة المستدامة والامتناع عن استخدام المبيدات الحشرية، تصبح المحاصيل والمزارع أكثر أماناً للمزارعين والمجتمعات المحيطة.

توعية بأهمية الممارسات المستدامة والتشجيع عليها

من أكبر العقبات التي تواجه تطبيق الزراعة المستدامة هو عدم معرفة المزارعين بعواقب الأساليب التقليدية القديمة ونقص التمويل اللازم لهم للانتقال إلى الممارسات المستدامة، لذا يقع على عاتق الحكومات والمؤسسات وواضعي السياسات مسؤولية تدريب المزارعين وتأهيلهم ودعم الإنتاج، وتوعية المستهلكين أيضاً بأهمية الممارسات الزراعية المستدامة وتشجيعها.

على سبيل المثال، تعمل مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية في مصر، من خلال برنامج التنمية الزراعية المستدامة على الحد من الجوع، وتحسين مستوى دخل المزارعين، وتحديد الممارسات الزراعية الفعّالة واختبارها وتوسيع نطاقها بما يساهم في الحد من الفقر بمنطقة الصعيد.

كما اعتمدت دولة الإمارات في عام 2020 النظام الوطني للزراعة المستدامة، الذي يهدف إلى تحسين ربحية القطاع، ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية، وتوظيف التكنولوجيا لزيادة الإنتاج.

من خلال العمل لصالح البيئة، يمكن للمزارعين تجنب الآثار الضارة دون التضحية بالإنتاجية أو الربحية.