كيف تشكّل مواقع التواصل الاجتماعي القيم الأخلاقية للطلاب؟

استخدام مواقع التواصل الاجتماعي
shutterstock.com/Rawpixel.com
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تخيلت حياتك بدون مواقع التواصل الاجتماعي؟، بالطبع يصعب عليك ذلك، إذ تمتلك هذه المواقع القدرة على تبسيط سبل التواصل مع الآخرين وتضعك في صورة ما يحدث من حولك لحظة بلحظة.

وتجذب هذه المواقع طلاب الجامعات بنسبة أكبر من غيرهم، الذي بات يشكل العالم الرقمي جزءاً منتظماً من حياتهم اليومية، فمنهم من يقضي 8 ساعات يومياً باستخدام هذه المواقع، ما يسبب لهم تأثيرات سلبية أكثر منها إيجابية، ومن هنا تأتي ضرورة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بحكمة.

أهمية الاستخدام المسؤول لمواقع التواصل الاجتماعي

تساهم مواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل المواقف والآراء حول القضايا المختلفة حول العالم، وتؤثر في القيم الاجتماعية السائدة، ونظراً لأن جيل الشباب من طلاب الجامعات أكثر ارتباطاً وتأثراً بالتكنولوجيا، استهدفت الباحثة الجزائرية نزيهة عثامنة من خلال دراسة بعنوان: تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على القيم الاجتماعية للطلبة الجامعيين تحديد دوافع استخدام طلاب الجامعات لمواقع التواصل الاجتماعي وأنماط استخدامهم لتلك المواقع، ومدى تعزيز هذه المواقع للقيم الاجتماعية.

أوضحت الدراسة التي اعتمدت على عينة قوامها 121 طالب وطالبة من جامعة المسيلة الجزائرية، أن أغلبية الطلاب يتعرضون لمواقع التواصل الاجتماعي بطريقة غير انتقائية دون مراعاة لما تقدمه من مضامين تتنافى مع العادات الراسخة لديهم، ويعود ذلك للقيم السلبية التي تعززها تلك المواقع، مثل هدر الوقت، وعدم الإحساس بالإنجاز، والعزلة الاجتماعية، والتمييز الاجتماعي.

ترتبط حياة طلاب الجامعات بأشكال متعددة من التكنولوجيا التي تُمكنهم من الوصول الفوري إلى مواقع التواصل الاجتماعي والانغماس في عالم رقمي يفصلهم أحياناً عن الواقع الحقيقي الذي يعيشونه، ما يؤثر سلباً في قيمهم الاجتماعية، وعليه، أكدت دراسة إسبانية بعنوان: الشباب الرقميون واكتسابهم للقيم عند استخدام الإنترنت (Digital Youth and Their Acquisition of Values When Using the Internet) أهمية تعزيز الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بين طلاب الجامعات، في تنمية المهارات الشخصية والقيم الاجتماعية، إذ تفرض التحديات المجتمعية على الشباب الجامعي مجموعة من المهارات العملية والمعرفة والقيم والمكونات الاجتماعية للتأثير في طرق التواصل واكتساب القيم والتدريب، كما لاحظت دراسة نيجيرية بعنوان: مواقع التواصل الاجتماعي وتغيير القيم الاجتماعية والثقافية بين طلاب الجامعة النيجيرية (Social Media and Changing Socio-Cultural Values Among Nigeria University Undergraduates) أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يؤثر في العلاقات الاجتماعية للطلاب الجامعيين، ومستواهم الدراسي.

تُعد مواقع التواصل الاجتماعي فضاءً مفتوحاً يضم الآراء والثقافات المختلفة، لكن يجب وضع ضوابط لاستخدامها بما لا يضر مصالح الآخرين وسمعتهم. لذا أوصت دراسة سعودية بعنوان دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز قيم الوسطية والاعتدال: دراسة حالة عن الشباب السعودي، بالعمل على تصميم برامج للشباب حول كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بما يدعم القيم المعرفية مثل مناقشة الأفكار والآراء حول تنمية المجتمع، والاستثمار الإيجابي لوقت الفراغ، والقيم الأخلاقية السلوكية مثل الصدق والإنصاف في التعامل مع المحتوى المنشور، وتجنب العزلة والإيمان بقيمة الحوار وقبول رأي الآخر.

التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي على طلاب الجامعات

إن هامش الحرية الذي توفره مواقع التواصل الاجتماعي يدفعك كطالب جامعة لقضاء أكبر وقت ممكن عليها، لكن هل فكرت بالآثار السلبية لتلك المواقع عليك؟ وكيف يمكنك التخلص منها؟

  • الإضرار بالصحة العقلية والنفسية

يرتبط الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي بالاكتئاب والقلق والخوف، ما يؤثر في الصحة النفسية والعقلية لطلاب الجامعات، إذ يسبب الخوف من فقدان ما يعتبره الآخرون حياة أكثر مثالية، مشاعر الاستياء والعزلة الاجتماعية، ويتزايد الاكتئاب والقلق بين طلاب الجامعات بمعدل سريع يُنذر بالخطر. أظهرت دراسة أميركية بعنوان: المقارنات الاجتماعية، وإدمان مواقع التواصل الاجتماعي، والتفاعل الاجتماعي: فحص لسلوكيات معينة على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق باضطراب اكتئابي كبير في جيل الألفية (Social Comparisons, Social Media Addiction, and Social Interaction: An Examination of Specific Social Media Behaviors Related to Major Depressive Disorder In A Millennial population)، أُجريت على طلاب جامعيين في ولاية تكساس الأميركية، أن طلاب الجامعات الذي يعانون من اضطراب الاكتئاب الشديد يميلون إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، ما يزيد من احتمالية الإضرار بصحتهم العقلية، وبين التقرير السنوي لمركز الصحة النفسية في جامعة بنسلفانيا أن 1 من كل 5 طلاب يبلغون عن قلق شديد بسبب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

ويمكنك الحفاظ على صحتك العقلية والجسدية من خلال تقليل وقت استخدامك مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ بينت دراسة أميركية بعنوان: لا مزيد من الخوف: الحد من مواقع التواصل الاجتماعي يقلل الشعور بالوحدة والاكتئاب (No More FOMO: Limiting Social Media Decreases Loneliness and Depression)، أن طلاب الجامعات الذين استمروا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لمدة 30 دقيقة يومياً تناقص لديهم الشعور بالوحدة والاكتئاب.

  • إعاقة التواصل المباشر

من المزعج حقاً أن يمسك الشخص هاتفه ويتجوّل بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وأنت تحدثه عن أمر مهم بالنسبة لك. في الواقع، وجود الهاتف يعوق المحادثات ويَصعُب في كثير من الأحيان مقاومة الرغبة بالتقاط الهاتف وتمرير أصابعنا على الشاشة، لكن يجب التخلص من هذه العادة للحفاظ على تركيزك في المحاضرات والمحادثات وجهاً لوجه مع الأساتذة، ويمكنك القضاء على عوامل التشتت من خلال تشغيل خاصية عدم الإزعاج أو وضع الطيران في هاتفك، وإعداد رسالة تلقائية تبين عدم قدرتك على الرد لفترة من الوقت.

  • مقارنة النفس بالآخرين 

يدفعك استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لقياس نجاحك بناءً على إنجازات الآخرين، وسرعان ما يتْبع ذلك شعورك بالغيرة والحسد، إذ تعكس هذه المواقع لمحة غير واقعية عن حياة الآخرين، ما يضفي لديك الإحساس بالضغط وعدم القدرة على المنافسة في إظهار نمط معين من الحياة، ووفقاً لدراسة ألمانية بعنوان: الحسد على فيسبوك: تهديد خفي لرضا المستخدمين عن الحياة (Envy on Facebook: A Hidden Threat to Users’ Life Satisfaction)، أفاد أكثر من ثلث المستطلعين، البالغ عددهم 600 من مستخدمي فيسبوك، أن مشاعر سلبية مثل الإحباط، كان سببها الحسد والغيرة من أصدقاء الفيسبوك، الأمر الذي يدفع المستخدمون إلى تجميل ملفاتهم الشخصية على الموقع، ما يؤدي بدوره إلى إثارة الحسد بين المستخدمين الآخرين، وهي ظاهرة أطلق عليها الباحثون اسم دوامة الحسد (Envy Spiral).

من جهة أخرى، توصلت دراسة في جنوب إفريقيا بعنوان: تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الطلاب؟ التفاعل الاجتماعي (The impact of social media on students’ social interaction)، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تعزز التنمر الإلكتروني، وانتهاك المعلومات الشخصية وخصوصية البيانات لدى طلاب الجامعات.

إذا كنت تعتقد أن حياتك أسوأ من حياة أي شخص آخر، فذكّر نفسك أن ما تراه على مواقع التواصل الاجتماعي ليس حقيقة. إنها صورة للواقع رسمها كل مستخدم بعناية، واستخدم هذه المواقع للتفاعل مع الآخرين ونشر محتوى مفيد خاص بك، وألغِ حسابات التواصل التي تستنزف طاقتك.

  • التفاعل مع محتوى غير مقبول

تخيل أنك قُبلت في جامعة هارفارد (Harvard University) لكن بسبب منشوراتك على مواقع التواصل الاجتماعي أُلغي القبول، حدث ذلك بالفعل عام 2017 لعشرة طلاب نشروا ميمز (Memes) مسيئة، وهو شعار أو فكرة تنتشر بسرعة عبر الإنترنت، في مجموعة دردشة خاصة تسببت إلغاء قبولهم بجامعة هارفارد، وبالتالي يمكنك التأكد أن الجامعات تهتم بالفعل بحساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي.

ربما لن تشارك ميمز مسيئة، لكن من المحتمل أنك عثرت بالفعل على منشورات مماثلة على الإنترنت؛ وبحسب مقال نُشر في صحيفة واشنطن بوست، يصادف ثلثا المراهقين محتوى يحض على الكراهية والتمييز العنصري في مواقع التواصل الاجتماعي، لذا تأكد من عدم الإعجاب أو مشاركة مثل هذا المحتويات، وفكر في إلغاء متابعة الصديق الذي نشرها في البداية.

إذاً، المشكلة ليست في مواقع التواصل الاجتماعي نفسها وإنما في طريقة استخدامك لها، فكلما كنت متوازناً في قضاء وقتك عليها، وتعاملت مع المحتوى المنشور فيها بحكمة، ستحافظ على سلامة أدائك الأكاديمي وعلاقاتك الاجتماعية.