4 مبادئ اعتمدتها قطر لإدارة النفايات الناجمة عن بناء الملاعب

إدارة النفايات
shutterstock.com/roibu
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بناء ملاعب كبرى بمواصفات هندسية ومعمارية لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، ارتبط بتحدي معقد يتمثل بإدارة النفايات الناجمة عن عمليات البناء الضخمة تلك. ومنذ البداية، تركزت جهود قطر على أن تكون هذه الدورة من كأس العالم خالية من النفايات عبر تطبيق ممارسات إعادة تدوير مخلفات الملاعب ومناطق المشجعين، وتوظيفها في استخدامات أخرى تعود بالنفع على المجتمع. فكيف أدارت قطر ملف النفايات في رحلة تصميم ملاعب كأس العالم وتشييدها؟

إدارة مستدامة من أجل التنمية

تعد إدارة النفايات على نحوٍ مستدام واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الدول لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاحتفاظ بالأداء البيئي الإيجابي، إذ يتجاوز إنتاج العالم الحالي من النفايات ملياري طن سنوياً، مع التوقعات بأن يصل إلى 40 مليار طن بحلول عام 2050، أي أكثر من ضعف النمو السكاني خلال نفس الفترة، فيما تنتج قطر 28 ألف طن يومياً من النفايات الصلبة، ويعاد تدوير 3% منها فقط، لكن استراتيجية التنمية الوطنية 2011 – 2016، استهدفت رفع نسبة إعادة التدوير إلى 38% من النفايات الصلبة، والحد من مكب النفايات إلى 53% وتحويل النفايات إلى طاقة.

إذن، تدخل الممارسات الصديقة للبيئة، ومنها إدارة النفايات، في صلب الخطط التنموية للدولة ومنها رؤية قطر 2030. وتجلت هذه الممارسات عملياً في المشاريع التي تنفذ على أرض الواقع، وتمكنت قطر خلال كأس العرب لعام 2021 من تنظيم البطولة دون تحويل أي مخلفات إلى مكبّات النفايات، ونجحت في إعادة تدوير 42% على الأقل من النفايات في كل ملعب، واستمرت هذه الجهود في بطولة كأس العالم 2022 لتتمكن الجهات المنظمة من تدوير نحو 79% من مخلفات البناء وإعادة استخدامها. فكيف حققت ذلك؟

خطوات تنظيمية لتسهيل المهمة

شهدت مراحل تصميم ملاعب كأس العالم وتشييدها تركيزاً كبيراً على الحد من كميات النفايات الناتجة عن أعمال البناء، مع فرزها ثم إعادة تدويرها والاستفادة منها، وتنبهت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في مرحلة مبكرة للعواقب البيئية لهذه العمليات، فاتخذت مجموعة خطوات تنظيمية قبل تطبيق مبادئ البناء الأخضر لإدارة النفايات، وهي:

  • فرز النفايات المختلفة مثل الخشب والبلاستيك والورق والكرتون والمعادن والمواد الغذائية والمواد الكيميائية الخطرة، وما إلى ذلك، لضمان إدارتها بطريقة فعالة. تُطبق هذه الخطوة إما في مراكز المعالجة أو في موقع البناء، ويعد الخيار الأخير الأفضل لأنه يقلّل من الآثار البيئية عبر الحد من تحويل المخلفات إلى مكبّات النفايات، ويسهّل عملية إعادة التدوير، كما يساعد في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عبر تجنب عمليات النقل الإضافية، ويزيد وعي العمال بأهمية فرز النفايات وإعادة تدويرها.
  • اعتماد نظام تقييم الاستدامة العالمي “جي ساس” (Global Sustainability Assessment System. GSAS) لتقييم المباني وتصنيفها وفق تأثيراتها على الاستدامة. نجحت الملاعب الثمانية في الحصول على شهادات “جي ساس” من فئة أربعة نجوم على الأقل في التصميم والبناء، وحازت ستة ملاعب على شهادة من الفئة المميزة في إدارة أعمال الإنشاء.
  • تحديد كمية النفايات التي أُنتجت في مواقع البناء، لتسهيل عملية التخطيط المستقبلي لإدارتها. يمكن تحديد معدلات توليد النفايات استناداً للبيانات الإحصائية المستخلصة من المقابلات والاستبيانات أو عن طريق فرز النفايات ووزنها، ويعد الحفاظ على نظام قوي لتوثيق النفايات عنصراً مهماً لتتبع النفايات من الموقع إلى مرفق التخلص، وكذلك الاحتفاظ بسجلات لكميات النفايات.
  • تحليل بيانات إدارة النفايات. بما أن التأثير البيئي الأساسي لمخلفات البناء يرتبط بمكبّات النفايات؛ اعتمدت اللجنة العليا للمشاريع والإرث النسبة المئوية للنفايات المحوُلة من المكبّات كواحد من أهم مؤشرات الأداء الرئيسية في بناء الملاعب.

شكلت هذه الخطوات قاعدة متينة لإدارة المخلفات الناجمة عن بناء الملاعب وفق تسلسل هرمي يبدأ بتقليل النفايات ثم إعادة استخدامها مروراً بإعادة تدويرها، وصولاً إلى التخلص منها بطريقة آمنة وصحية.

1. تقليل النفايات

يعد تقليل النفايات المتولدة من مواقع البناء، الطريقة الأكثر فعالية للتخفيف من الآثار البيئية المرتبطة بمخلفات البناء، وعملت قطر على خفض كمية النفايات الناجمة عن بناء ملاعب البطولة من خلال:

  • استبدال البلاستيك بالفولاذ المقاوم للصدأ: تُستخدم معظم الأكياس البلاستيكية والعبوات مرة واحدة فقط، لكن تحلُلها يحتاج إلى فترة زمنية طويلة. وبالنظر إلى سوء إدارة تصريف النفايات الناتجة عن المواد الاستهلاكية والصناعية، ينتهي المطاف بالكثير منها في المحيطات، ما يؤدي إلى تلوث موائل الحياة البرية والتأثير في العديد من أنواع الكائنات البحرية، لذا استُبدلت صناديق وأطباق الطعام البلاستيكية بصناديق من الفولاذ المقاوم للصدأ، كما تخلّت عن الزجاجات البلاستيكية الخاصة بمياه الشرب في المكاتب لصالح تركيب مُوزِعات المياه.
  • ترشيد مخزون المواد: تساعد ممارسات التخزين الملائمة في تجنب حدوث فائض في المواد وزيادة حجم النفايات، وعليه، اتبعت قطر أساليب تخزين مناسبة للحفاظ على مواد البناء صالحة للاستخدام، وعملت على ترتيب منطقة التخزين بطريقة تسهِل الوصول للمواد المطلوبة، وكذلك الاحتفاظ بسجلات دقيقة للمواد المخزنة في الموقع لتجنب إعادة الترتيب.
  • تقليل هدر الطعام: يتطلب بناء الملاعب عدد كبير من القوة العاملة، واحتاج تشييد بعضها إلى أكثر من 5 آلاف عامل، ما قد يؤدي إلى تراكم المخلفات الغذائية مع كل وجبة طعام تقدم إليهم يومياً، وللحد من هذا النوع من المخلّفات، نفذت اللجنة العليا للمشاريع والإرث برنامج للحد من هدر الطعام في ملعب أحمد بن علي تضمّن وضع قوائم طعام مختلفة لتلبية أذواق العاملين، وضبط جودة الطعام، والتحكم في العرض والطلب ومراقبة بقايا الطعام وطلب التوريد وفقاً لذلك، إضافةً إلى تحديد أبعاد خدمة التموين لتجنب الطوابير الطويلة؛ إذ يميل العمال إلى الحصول على كميات كبيرة من الطعام لتجنب الانتظار في طوابير طويلة لدور ثانِ.

2. إعادة الاستخدام

يُمثل الاقتصاد الدائري نموذجاً اقتصادياً جديداً وشاملاً يهدف إلى تقليل التلوث والنفايات، وإطالة دورة حياة المنتج، وخلق وظائف خضراء والحفاظ على الموارد المادية والطبيعية، ووفقاً لذلك، يمكن اعتماد مخلفات المباني كمواد خام لعمليات أخرى، ومن هنا، تم التركيز على الاستفادة من المكونات الناتجة عن العمليات الإنشائية لمشاريع كأس العالم وتوظيفها في استخدامات أخرى، منها:

  • إعادة استخدام نفايات الهدم: شُيد ملعب أحمد بن علي على موقع ملعب الريان السابق، ولم يكن هيكل الملعب القديم صالحاً لإعادة الاستخدام؛ ليتقرّر هدمه مع شرط منع تحويل 80% من المخلفات إلى مكبّ النفايات، كجزء من استراتيجية إعادة استخدام المواد الموروثة من الملعب الحالي.
  • إعادة استخدام المباني الحالية: تتطلب مواقع البناء عادةً تركيب مرافق في الموقع، بما في ذلك المكاتب ومرافق الرعاية، لكن بعض مواقع الملاعب شهدت ممارسات أكثر استدامة تتمثل في إعادة استخدام بعض المباني القائمة كمكاتب للموقع أثناء البناء، إذ استُخدم أحد عشر مبنى في موقع ملعب رأس أبو عبود كمكاتب وقاعات طعام ومسجد للصلاة، وساعدت هذه الخطوة في توفير 2.9 مليون دولار للمشروع، وتجنُب توليد آلاف الأطنان من النفايات بسبب إجراءات الهدم.
  • إعادة استخدام الأسفلت: مهّد ملعب المدينة التعليمية طرق سحب مواد البناء وممرات المشاة عبر طحن الأسفلت من موقع بناء آخر، ما ساعد في الحد من الغبار الناتج عن عمليات السحب وتوفير كميات كبيرة من المياه.

3. إعادة التدوير

كما هو الحال في الممارسات ذات الصلة بإعادة الاستخدام؛ تساعد إعادة التدوير في تقليل الآثار البيئية لمشاريع البناء، لكن الفرق الوحيد هو معالجة النفايات لتكون مناسبة لاستخدامات أخرى، وطُبّقت هذه الممارسة في بطولة كأس العالم عبر التخلص من نفايات الخشب في مرافق إعادة التدوير لإعادة استخدامها مرة أخرى في النجارة، والتخلص من الورق والكرتون في مرافق إعادة التدوير لمعالجتها وتحويلها في لفات ورقية جديدة، وكذلك إعادة تدوير نفايات النفط إلى زيت مكرر قابل للاستخدام، وتحويل مخلفات الخشب إلى نشارة لاستخدامها كأرضية غطاء للبستنة.

وتماشياً مع جهود تعزيز ممارسات إعادة التدوير؛ أطلقت شركة كوكا كولا (Coca Cola) للمشروبات الغازية، عبوات مصنّعة محلياً بنسبة 100% من مادة البولي إيثيلين في المواقع الرسمية للبطولة وفي جميع الملاعب ومدرّجات المشجعين، في خطوة تقلل من تأثير المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، كما وزّعت صناديق مخصصة لإعادة التدوير في جميع ملاعب ومواقع البطولة، وستُجري دورات تثقيفية وتدريبية لما يزيد عن 20 ألف متطوع حول إعادة التدوير لتشجيعهم على السلوكيات المستدامة.

4. التخلُص من النفايات

يبقى خيار وحيد يمكن اعتماده في حال عدم التمكن من تطبيق أي من ممارسات التقليل أو إعادة الاستخدام أو إعادة التدوير، وهو التخلص من النفايات بطريقة صحية وآمنة. وتمكنت الدولة المستضيفة لفعاليات البطولة من تصريف المخلفات الخطرة الناجمة عن بناء ملاعب كأس العالم كالبطاريات والإطارات والدهانات، مع تطبيق تدابير السلامة مثل وضع أنظمة الوقاية من الحرائق، وتركيب سدود حول منطقة هذا النوع من النفايات، ومن جهة أخرى، وضعت في ملعب لوسيل صناديق نفايات حيوية على طول ممرات المشاة مخصصّة للتخلص من الأقنعة والقفازات عند مغادرة الموقع.

تحديات إدارة النفايات

كانت إدارة النفايات الناجمة عن بناء الملاعب بمثابة رحلة شاقة واجهت خلالها اللجنة العليا للمشاريع والإرث العديد من التحديات وبعض فرص التحسين، ومن هذه التحديات:

  • محدودية الموارد: كان من الصعب العثور على ما يكفي من الموارد اللازمة لعملية إدارة النفايات في بعض المواقع، لكن التزام إدارة المشروع بتأمين هذه الموارد أو البحث عن البدائل المناسبة كان عاملاً مهماً للتغلب على هذه الصعوبة.
  • عدم شمولية نظام تتبع النفايات: معظم موافق التخلص من النفايات لا تتَبع استراتيجية فعالة وواضحة لتوثيق المخلّفات، لذا تم إشراك الإدارة المحلية في نشر أنظمة تتبع النفايات على نطاق واسع ليشمل جميع الأطراف الفاعلة.
  • صعوبة إدارة المخلفات الغذائية: مع مشاركة عمَال من خلفيات اجتماعية وثقافية متنوعة في تنفيذ مشاريع البطولة، احتاجت قطر إلى بذل جهود إضافية لزيادة الوعي بممارسات الحد من هدر الطعام.