كيف تسهم الأبحاث العلمية في تطوير قطاع التعليم؟

shutterstock.com/anyaberkut
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن أن تؤدي الشراكات بين الباحثين والمهنيين الممارسين إلى مساعدة الباحثين الأكاديميين وقادة المناطق التعليمية على اكتشاف الممارسات المناسبة للمدارس والفصول الدراسية.

في شهر أبريل/نيسان من عام 2020، كان على رئيس المنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو، فنسنت ماثيوز، التوصل إلى طريقة لإعادة فتح مدارس منطقته على نحو آمن وسريع بعد أن أغلقها بسبب جائحة كوفيد-19 كما هو حال جميع المدارس في الولايات المتحدة، وعمل مع فريق الإداريين على تحديد إجراءات السلامة والتعلّم اللازمة لإعادة 55 ألف طالب في منطقتهم التعليمية إلى مدارسهم. ولكن كيف يمكنه الحصول على أدلة موثوقة حول التصميم الفعال للمدارس والفصول الدراسية الذي يتيح فتح المدارس من جديد؟

على الرغم من أن الجائحة العالمية لا تحدث سوى مرة واحدة في العمر، فقادة قطاع التعليم يحتاجون دائماً إلى أدلة مثبته توجههم في عملية صنع القرار، ولكن في كثير من الأحيان تواجههم فجوة بين الأبحاث والممارسات في قطاع التعليم؛ هي شرخ بين المعرفة التي يحتاج إليها المدرّسون لصنع قراراتهم والمعرفة الناتجة عن الأبحاث في مجال التعليم. يسعى الباحثون في مجال التعليم لإنتاج المعرفة القابلة للتعميم، في حين ترتبط القرارات التي يصنعها قادة المناطق التعليمية بالسياق ارتباطاً وثيقاً.

ومن أجل جَسر هذه الفجوة، لجأ ماثيوز ورئيسة البحث والتخطيط والتقييم في منطقته التعليمية، ريتو كانا، إلى طلب مساعدة شريكتهم جامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم؛ تعمل الشراكة بين جامعة ستانفورد والمنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو على الجمع بين الأبحاث والممارسات بهدف رفع سوية تحصيل الطلاب في هذه المنطقة التعليمية، ولطالما سعت هذه الشراكة القائمة منذ زمن طويل إلى جمع باحثي الجامعة مع قادة المنطقة التعليمية من أجل دراسة المشكلات التي تواجه مدارس المناطق التعليمية ذات الاهتمامات المشتركة.

ومن أجل دعم عملية التخطيط التي تقوم بها المنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو بهدف إعادة فتح المدارس، تواصلت مديرة الشراكة مع أستاذتي جامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم، باتريشا بروملي وكريستين مين ووتيبكا، بخصوص حاجة رئيس المنطقة إلى الأبحاث، فعمدت الأستاذتان إلى حشد شبكة خريجي برنامج درجة الماجستير في التعليم المقارَن بجامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم، وطلبتا الوثائق الرسمية المتعلقة بتصميمات المدارس والفصول الدراسية من الدول التي فتحت مدارسها من جديد في ربيع عام 2020. حللت الأستاذتان الوثائق مع مراعاة أولويات المنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو، وصاغتا ملخصاً عن السياسة بحلول شهر يونيو/حزيران من عام 2020 يشكل أساساً لخطة إعادة فتح مدارس المنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو، وهي تشمل التركيز على التهوية المناسبة ومعايير التباعد الاجتماعي. وفي نفس الوقت، أجرى الباحثون تحليلاً منظماً بدرجة أكبر بما يتوافق مع معايير المجتمع الأكاديمي وقدموا مقالاً لإحدى المجلات الأكاديمية بحلول شهر أغسطس/آب من عام 2020.

شجع قادة المنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو وجامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم فرقهم على العمل معاً في

مشروع شراكة الباحثين والمهنيين الممارسين من أجل إجراء التحقيقات البحثية الأكاديمية المتعلقة بالسياسات في حينها. تعد شراكة الباحثين والمهنيين الممارسين بمثابة علاقة منفعة متبادلة تركز على الأبحاث المرتبطة بأولويات كل من واضعي السياسات والمهنيين الممارسين أصحاب الخبرة، وهي تنتج تحليلات أولية وتتبع طرقاً منظمة للعمل التعاوني تلغي الأدوار الوظيفية التقليدية. في الشراكة بين جامعة ستانفورد والمنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو، يتعاون الشركاء في تطوير مسائل البحث ويعقدون اجتماعات لمناقشة النتائج الأولية ويؤسسون علاقات تستمر طويلاً بعد انتهاء المشروع وتمهد الطريق لأبحاث مستقبلية.

ومن خلال العمل في هذه الشراكة على مدى العقد الماضي، تمكن الفريقان من جَسر الفجوة بين الأبحاث والممارسات بطرق مميزة، وأدى هذا النجاح إلى توليد فكرة لدى قادة جامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم؛ هل بإمكانهم تأسيس شراكات مماثلة مع المناطق التعليمية القريبة من مقر جامعة ستانفورد؟ ساعد هذا السعي لتوسيع نموذج شراكة الأبحاث والممارسات ونشره في التعرف على فوائده وصعوباته في المساعدة على جَسر الفجوة بين الأبحاث والممارسات في قطاع التعليم وغيره.

انتبه للفجوات

للفجوة بين الأبحاث والممارسات 3 أبعاد: أولاً، فجوة المعارف المتعلقة بالمعرفة الناتجة عن الأبحاث التي تكون مكتوبة غالباً وتستهدف الأكاديميين الآخرين وتشمل الأوجه الفنية غير الملائمة للمهنيين الممارسين الذين يفتقرون بدورهم إلى العلاقات أو السبل اللازمة لمشاركة معرفتهم العملية مع الباحثين. ثانياً، فجوة التصميم النابعة من مستوى عبء الإثبات العالي والوقت الكبير الضروريين ليتمكن الباحثون والمصممون من تقييم الابتكارات، في حين يحتاج المهنيون الممارسون إلى حلول جاهزة للمشكلات التي تواجههم وهم مستعدون لقبول مستوى أدنى من عبء الإثبات. ثالثاً، فجوة السياق التي تشير إلى الصعوبة التي يعانيها قادة قطاع التعليم في الاستفادة من الممارسات المستندة إلى الأبحاث التي تم تطويرها ضمن سياق إحدى المناطق التعليمية لتطبيقها على المناطق التعليمية الأخرى. قطاع التعليم في الولايات المتحدة لا مركزي بدرجة كبيرة، وهو غير خاضع لرقابة القادة الفيدراليين وقادة حكومات الولايات فيما يتعلق بالممارسات المطبقة في المناطق التعليمية في البلاد والبالغ عددها 13 ألفاً، وهذا يزيد صعوبة اختبار الممارسات التي تم تصميمها لسياقات معينة وتبنيها على نطاق واسع.

تثبت الشراكة بين جامعة ستانفورد والمنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو أن شراكة الأبحاث والممارسات قادرة على معالجة هذه الفجوات الثلاث؛ من أجل معالجة فجوة المعارف، تعتمد هذه الشراكة على وسيط، وهو مهني محترف تتمثل وظيفته في دعم العمل التعاوني بين المؤسستين ومساعدة الأفراد على العمل خارج نطاق مؤسساتهم عن طريق الاجتماعات الدورية ومناقشة الأدوار والمسؤوليات والتوقعات على نحو منظم. كان الوسيط في شراكة جامعة ستانفورد والمنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو مديراً يعمل بدوام كامل لدى طرف ثالث، هو مؤسسة كاليفورنيا إديوكيشن بارتنرز (California Education Partners – Ed Partners) غير الربحية، وكان يحضر إلى المنطقة التعليمية 3 أو 4 أيام في الأسبوع وإلى جامعة ستانفورد يوماً أو اثنين.

ومن أجل جَسر فجوة التصميم يعمل المشاركون في مشروع الشراكة على تطوير عقلية “يد الجماعة أقوى” من أجل التعامل مع ديناميات السلطة والمكانة التي تقوض الثقة، تحفز هذه العقلية الباحثين والمهنيين الممارسين على التعاون فيما بينهم من أجل التشارك في تصميم مسائل البحث وإجراءات التدخل وفهم المشكلات بصورة جماعية وتصميم الحلول التي يمكن تطبيقها على نطاق واسع يشمل المنطقة التعليمية بأكملها، واختبار الحلول خارج المختبرات وتقييمها على نحو منهجي مع مرور الوقت. يتم تشجيع الشركاء على تبني هذه السلوكيات عندما يشعرون أنهم لن يتمكنوا من إنجاز عمل أفضل بصورة فردية وأن العمل التعاوني سيؤدي إلى نتائج أفضل.

ومن أجل جسر فجوة السياق، تنتج الشراكة أبحاثاً تخدم غاية مزدوجة؛ فهي مرتبطة دوماً بظروف مناطق تعليمية محددة، ولكنها تدعم جهود هيئة جامعة ستانفورد التدريسية في الأبحاث بأسلوب صياغتها الذي يجعلها قابلة للتعميم على عدة سياقات وبالتالي تعود بالفائدة على المنظومة الأكاديمية. يؤدي ذلك إلى إنشاء أبحاث تعود بالمنفعة المتبادلة على الباحثين والمهنيين الممارسين على حد سواء.

غرس الشراكات

في عام 2016، عندما فكر عميد جامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم، دان شوارتز، في نشر مفهوم شراكة الباحثين والمهنيين الممارسين في سياق مختلف، توجه إلى الرئيس السابق لمنطقة سيكويا يونيون التعليمية للمرحلة الثانوية المجاورة، جيم ليانايدز، الذي أبدى اهتمامه بشرط واحد: يجب أن تشمل شراكة الأبحاث والممارسات المناطق التعليمية الابتدائية الثمانية التي تدخل ضمن إدارته، وهي بيلمونت ريدوود شورز، ولاس لوميتاس، ومينلو بارك، وبورتولا فالي، وريفنزوود، وريدوود سيتي، وسان كارلوس، ووودسايد. شكّل قادة المناطق التعليمية وجامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم برنامج البحث التعاوني الشامل لجميع المراحل الدراسية، ستانفورد سيكويا كيه-12 (Stanford-Sequoia K-12 Research Collaborative – Sequoia Collaborative)، وهو شراكة بين باحثين ومهنيين ممارسين توجه تركيزها الأساسي على إجراء أبحاث أولية مع الهيئة التدريسية في جامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم. عمل برنامج البحث التعاوني ستانفورد-سيكويا على جمع 9 مناطق تعليمية تعمل بصورة مستقلة ولكنها تنفذ جهوداً مشتركة لتعليم الطلاب بدءاً من مرحلة رياض الأطفال وصولاً إلى التخرج في المدرسة الثانوية.

ومن أجل تأسيس شراكة الأبحاث والممارسات ضمن برنامج البحث التعاوني ستانفورد-سيكويا، عمل قادة جامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم ومدراء المناطق التعليمية التسعة مع الوسيط ومؤسسة كاليفورنيا إديوكيشن بارتنرز من أجل توسيع تصميم مشروع شراكة الأبحاث والممارسات لتطبيقه على سياق المناطق التعليمية المتعددة الجديد والتغلب على الفجوات. ومن خلال هذا العمل التعاوني، تعلم القادة 3 دروس مهمة في تحسين تصميم مشروع شراكة الأبحاث والممارسات.

أولاً، يدعم الوسيط استمرار العمل والعلاقات المتينة. شهد برنامج البحث التعاوني ستانفورد-سيكويا معدلات عالية من الدوران الوظيفي في قيادة المناطق التعليمية منذ عام 2016، وفي حين تحرز مجموعة مدراء المناطق التعليمية عادة تقدماً في وضع الرؤية المشتركة، يواجه هذا التقدم تهديداً بعد فترة قصيرة بسبب تغيير عدد من هؤلاء المدراء في الشراكة. كما يحرص الوسيط على دعم استمرار العلاقات القائمة مع العمل على إطلاع القادة الجدد برؤية الشراكة المميزة وهويتها وجدول أعمالها في نفس الوقت. كما يحرص الوسيط على بناء العلاقات والمعارف اللازمة بين القادة عن طريق إعداد القادة الجدد وإطلاعهم بالمعلومات والمعارف الحالية في الشراكة.

ثانياً، التفاوض الجماعي في الأبحاث هو أمر ضروري، يجب أن يعمل الشركاء معاً على تحديد مواضيع البحث ومراجعة نتائجه. مثلاً، عقد مدراء المناطق التعليمية التسعة عدة جلسات مناقشة لتضييق جدول أعمال البحث وحصره بموضوع واحد يتمثل في دعم الطلاب غير المتحدثين باللغة الإنجليزية الذين يحتاجون إلى دعم إضافي لإتقانها من أجل الحصول على التعليم حسب مستواهم العلمي المناسب. ومن أجل دعم العمل التعاوني بين المناطق التعليمية التسعة، تعمل الهيئة التدريسية في جامعة ستانفورد على وضع الجداول الزمنية للمشروع واستراتيجيات التواصل وتحديد المنجزات المستهدفة كي يتمكن قادة المناطق التعليمية من مراجعة النتائج ضمن فرق البحث والممارسة وبمشاركتها كلها.

ثالثاً، قدرات الشريك مهمة. يشمل برنامج البحث التعاوني ستانفورد-سيكويا مناطق تعليمية تتمتع بقدرات ذات مستويات تختلف باختلاف أحجامها (بين 600 طالب إلى 9,000 طالب) ومواردها (الميزانيات المتفاوتة) ومشكلات الحوكمة التي تواجهها (مثل الأمور السياسية ضمن مجلس إدارة المدرسة) وبحسب الباحثين ضمن شراكات الأبحاث والممارسات على اختلاف مستويات خبراتهم. مثلاً، كانت بعض المناطق التعليمية بحاجة إلى المساعدة في تنظيم البيانات ومشاركتها، في حين كان بعض مدراء المناطق يقدمون نتائج الأبحاث لمجالس إدارة مدارسهم على نحو روتيني. واستفادت بعض المشاريع من تجارب الباحثين في مركز جون غاردنر بجامعة ستانفورد، إذ عملوا مع بعض قادة هذه المناطق التعليمية وأصبحوا مختصين في هذا النوع من الشراكات.

أدت تجربة توسيع شراكة الأبحاث والممارسات من سياق إلى آخر إلى الكشف عن عدد من التحديات والعوائق، وبعد 10 أعوام لا يزال أعضاء الشراكة بين جامعة ستانفورد والمنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو يواجهون في بعض الأحيان صعوبة في تحديد مسائل البحث معاً أو في جعل البحث يعود بفائدة متبادلة على الطرفين. عملت جامعة ستانفورد للدراسات العليا في التعليم جاهدة للتغلب على هذه الصعوبات عن طريق تحفيز أعضاء هيئتها التعليمية بتقديم فرص التمويل التنافسية لإجراء أبحاث مع المنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو والمناطق التعليمية المشاركة في برنامج البحث التعاوني ستانفورد-سيكويا حول المواضيع التي تهمّ قادة المناطق التعليمية. عملت المنطقة التعليمية الموحدة في مدينة سان فرانسيسكو بجد للتغلب على هذه الصعوبات عن طريق بناء قدرات قسم البحث الداخلي، وعينت بعض المناطق التعليمية في منطقة سيكويا موظفين يتمتعون بخبرات في البحث والتحليل.

الفجوات بين الأبحاث والممارسات ليست محصورة بقطاع التعليم، بل نراها في قطاعات الطب والعمل الاجتماعي والسياسة العامة أيضاً، حيث يعمل المهنيون الممارسون في واقع يبدو بعيداً عن الأبحاث. ولكن القواعد العامة التي تعلمناها من شراكات الأبحاث والممارسات في قطاع التعليم قابلة للتطبيق على نطاق واسع، وجهود الوسيط في بناء العلاقات بين المشاركين والطرق التي يتبعونها في العمل التعاوني لتطوير البحث والتفكير فيه وقدرات الأطراف على العمل ضمن هيكلية شراكة الأبحاث والممارسات هي جميعها عوامل مهمة لنشر شراكات الأبحاث والممارسات من سياق إلى آخر.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.