7 سمات تجديدية تساعد الشركات على استعادة الموارد العالمية

المشاعات العالمية
shutterstock.com/Razvan Iuga
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدت الشركات دوراً مهماً في تدهور المشاعات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ومشاعات الحوكمة، لكن يمكنها أن تؤدي دوراً مكافئاً في استعادة هذه المشاعات من خلال تطوير سبع خصائص تجديدية.

إن مجموعةً واسعةً من الموارد التي يتشاركها سكان الأرض، التي تسمى المشاعات العالمية، معرضة للخطر.  لقد وصلنا إلى نقطة تحول في أنظمتنا الكوكبية، ونتيجةً لذلك، نشهد تغيرات بيئية واسعة النطاق لا يمكن التنبؤ بها تشمل ارتفاع درجات الحرارة ومنسوب مياه سطح البحر، وانتشار جائحة عالمية، ونقص الغذاء والمياه العذبة، والتناقص السريع في التنوع البيولوجي. يهدف نظامنا الاقتصادي إلى تعزيز النمو المالي، مع إبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة، لكنه يولي اهتماماً أقل لتأثيره على رفاه البشر والطبيعة.  نتيجةً لذلك، يستخرج اقتصادنا حالياً من الأرض أكثر مما ينتج إنتاجاً مستداماً، وينبعث منه تلوث أكبر مما يمكنه امتصاصه بشكل مستدام.

وهذا ما كتبه الدكتور سامويل مايرز، عالم الأبحاث الرئيسي في “كلية هارفارد للصحة العامة” ومؤسِّس مؤسسة بلانيتاري هيلث ألايانس (Planetary Health Alliance): “هذه الاضطرابات في الغلاف الجوي والمحيطات وعلى سطح اليابسة لا تؤدي إلى انقراض الفصائل فحسب، بل تشكل تهديدات خطيرة على صحة الإنسان ورفاهه”. فمثلاً شركات التعدين، تتخلص من نفايات التعدين السامة غالباً في الجداول المجاورة بدلاً من أن تتكبد تكاليف التخلص الآمن منها. فعوضاً عن ذلك، تدفع المجتمعات المحلية ثمن هذه الممارسة، إذ تسهم النفايات في نهاية المطاف في زيادة الفقر والإصابة بالسرطان والعيوب الخلقية وغيرها من المشاكل. كما يضطر المجتمع أيضاً إلى تحمل نتائج التغير المناخي والتلوث الزئبقي الناتج عن احتراق الفحم.

في الوقت نفسه، تضر العنصرية وعدم المساواة في الدخل وانعدام الثقة والاستقطاب السياسي الشبكة الحساسة للمشاعات الاجتماعية ومشاعات الحوكمة الجماعية. يمكن أن تضاعف الشركات هذه القضايا. على سبيل المثال، ساهمت ممارسات الإسكان في قطاع العقارات التي تتسم بالتمييز مساهمةً ضخمةً في توسيع فجوة الثروة العرقية. ومن المعروف أن العديد من خوارزميات شركات وسائل التواصل الاجتماعي فاقمت العنصرية والمعلومات المضللة والاستقطاب وانعدام الثقة، وهذا يقوض الدعم المقدَّم للمبادرات التي تسعى إلى تحسين الصالح العام. وكحال مشكلة التغير المناخي، يتطلب حل مشكلة عدم المساواة اتفاقاً جماعياً، لكن عندما ينظر الناس إلى بعضهم بازدراء، فمن الصعب تحقيق ذلك.

لا تولد هذه القضايا البيئية والاجتماعية ضغوطاً كبيرةً على الشركات (التي تطال موظفيها وعملائها ومورديها) فحسب، بل تخلق أيضاً بيئة تخطيط وعمل شديدة الاضطراب. لذلك مع أن الشركات أدت دوراً رئيسياً في خلق المشكلات، إلا أنها تمتلك الدافع والقدرة على معالجتها. يقتضي هذا العصر إعادة تصور الشركات لدورها في المجتمع، وتصور مستقبل أفضل، وصياغة نموذج التحول الذي تسعى إلى تحقيقه. فبدلاً من تعظيم الشركات لإيراداتها من خلال تسببها بتدهور المشاعات، عليها تحسين أنشطتها من خلال تجديد المشاعات.

ما الذي يجعل الشركة تجديدية؟

تشتري شركة لايم تيمبر كومباني (Lyme Timber Company) غابات مهددة بإزالة أشجارها، وهي عملية تؤدي إلى تدهور التربة، وتدهور التنوع البيولوجي، وتزيد من المخاطر المناخية، وتوجِد اقتصادات ازدهار وكساد محلية – وتضع تسهيلات للحفاظ عليها حتى تتمكن من إدارتها بشكل مستدام ومسؤول. يجسد نموذجها قدرة الشركات على موازنة تأثيرها على المشاعات.  لكن ما الذي يجعل الشركة تجديديةً بالضبط، وكيف تبدأ الشركات ورواد الأعمال في بناء شركة كهذه؟

وصف العديد من الكتاب هذا المفهوم في أعمالهم. فمثلاً يكتب الناشط البيئي بول هاوكينز في كتابه “التجديد: إنهاء الأزمة المناخية في جيل واحد” (Regeneration:Ending the Climate Crisis in One Generation): “التجديد يعني جعل الحياة محور كل عمل وقرار”. وعرّف المستشاران الإداريان كيم كورن وبي جوزيف باين الشركة التجديدية في مقال نشراه في مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو” في عام 2014 بعنوان: “قوانين الشركات التجديدية السبعة”، بأنها: “شركة تزدهر مدى الحياة”. وعرّفت المعلمة التنفيذية كارول ساندفورد في كتابها “الشركة التجديدية” (Regenerative Business) بأن التجديد: “هو عملية تطوير الأشخاص والمؤسسات والمواد لقدرتهم على تحقيق طاقاتهم الكامنة في عالم يتغير باستمرار من حولهم”. كتب مؤسِّس مركز التفكير كابيتال إنستيتيوت (Capital Institute) جون فوليرتون في تقرير الورقة البيضاء الذي أصدره عام 2015 أن “الرأسمالية التجديدية”، وهي فكرة متوافقة مع الشركات التجديدية، “تنتج حيويةً اجتماعيةً واقتصاديةً دائمةً لمجمَل الحضارة العالمية”.

توفر هذه التعريفات ركيزةً لتطوير تعريف أقوى للشركات التجديدية ومساراً إلى تأسيسها. لقد سعيت إلى تحقيق كل منهما خلال عملي في شركة جوناثان روز كومبانيز (Jonathan Rose Companies)، وهي شركة إعادة تطوير حضرية تعيد تطوير المواقع التي يكون معظمها ملوثاً إلى نماذج لمجتمعات خضراء متفاوتة الإيرادات ومتعددة الاستخدامات تعزز رفاه المقيمين فيها وفرصهم. مع أن الشركة تعد رائدةً في ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)، فقد شعرنا أن إطار عمل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات غير كافٍ لمعالجة قضايا عصرنا. وكذلك الأمر بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة (SDGs)، التي، على الرغم من كونها جديرة بالثناء، وجدنا صعوبةً في تحويلها إلى إجراءات واضحة.

بعد كثير من الاستكشاف لهذه الأطر وأنظمة التقييم، وجهودي الخاصة لتوجيه شركتي نحو تحولها إلى قوة تجديدية أكبر، أعددت إطار عمل جديد أعتقد أنه سيساعد المبادرين الاجتماعيين على جعل مؤسساتهم تجديدية. يقترح في جوهره أن الشركات التجديدية تتصف بسبع سمات رئيسية: رؤية أو منظور عالمي متكامل، وغاية تعزيز النظم، ومنتجات تلبي الاحتياجات الأساسية للمجتمع، ومنتجات مصنوعة وفق إجراءات مسؤولة بيئياً واجتماعياً، وعلاقة تعزز حياة الناس الذين تخدمهم، وشراكات وشبكات مزدهرة، والاستخدام التجديدي لأرباحها.  لنلقي نظرةً عن كثب على كل سمة من هذه السمات.

1. المنظور

كتبت دونيلا ميدوز، الباحثة في مركز بيو (Pew) والزميلة  في مؤسسة ماك آرثر (MacArthur)، في ورقتها البحثية التي عنوانها “نقاط القوة، ومواضع التدخل في النظام”: “نقاط القوة … هي مواضع ضمن نظام معقد (شركة، أو اقتصاد، أو جسم حي، أو مدينة، أو بيئة عمل) حيث يمكن أن يؤدي تغيير بسيط في إحداها إلى تغييرات كبيرة عامة”. وتشير إلى أن أكثر مواضع التدخل في نظام ما فاعليةً هي “العقلية أو المنظور الذي ينبثق منه هذا النظام، بأهدافه وبنيته التنظيمية وقواعده وحالات تأخيره ومعاييره”.

إن المنظور هو طريقة جديدة للتفكير في مجال النشاط تطرح أساليب جديدة للعمل والحصول على النتائج المرتبطة به. ومن الأمثلة على ذلك شركة موندراغون كوربوريشن (Mondragón Corporation)، وهي اتحاد تعاونيات عمالية، أسسها القس الكاثوليكي خوسيه ماريا أريزمنديارييتا عام 1956 في منطقة باسك في إسبانيا.  عكست الشركة منظور شركة دَتش إيست إنديا كوربوريشن (Dutch East India Corporation – DEIC)، وهي إحدى أوائل الشركات التي روجت لفكرة الكيان محدود المسؤولية مع العديد من المساهمين. ركزت شركة (DEIC) على الأرباح التي حققتها لمدينة أمستردام، ولم تولي اهتماماً كبيراً لأثر أنشطتها على سكان المناطق النائية وللموارد التي استغلتها. بخلاف ذلك، كان هدف شركة موندراغون تحسين رفاه منطقة باسك وقاطنيها. على الرغم من أن المنطقة لديها تاريخ طويل مع المؤسسات المجتمعية التعاونية، إلا أن هذه المؤسسات اختفت في ظل نظام “فرانكو الفاشي”. اقترح خوسيه إنشاء تعاونية كمسار بديل للتوظيف، وذلك سعياً وراء إيجاد حل لمسألة الأبرشيين شديدي الفقر مستمداً ذلك من التعاليم الاجتماعية الكاثوليكية عن التكافل. انبثقت تعاونيات موندراغون من وجهة نظر عالمية مفادها أن الشركات ستخدم موظفيها على أفضل وجه إذا امتلك هؤلاء الموظفون الشركة، ولديها مهمة محددة تتمثل في تعزيز حياة السكان المحليين من خلال توفير التوظيف الموثوق وصناعة القرار الجماعية.

إن تعاونيات موندراغون البالغ عددها 96 تعاونية تحقق هذا الهدف، إذ بلغ اليوم مجمَل إيراداتها 14.5 مليار دولار وما يزيد عن 80 ألف موظف. يسعى كل منها إلى كسب الأرباح لتقاسم المخاطر وزيادة الاستقرار، وتساهم جميعها في صندوق مشترك يقدم تعويضات البطالة وقروضاً للتعاونيات التي تواجه صعوبات. فبدلاً من تسريح الموظفين عندما تتباطأ وتيرة الاقتصاد، يحصل الموظفون على أجورهم المعتادة، وهي أرصدتهم المستحقة عن ساعات عملهم التي تستفيد منها الإدارة عند تحسن الأوضاع. وبذلك ينتقل الموظفون من العمل في تعاونيات متعثرة إلى تعاونيات ناجحة. تسعى التعاونيات لتعزيز جودة الحياة في المنطقة وذلك من خلال تمويل التنمية الثقافية والتعليمية، التي تشمل تمويل جامعة وأوركسترا سيمفونية. كما تمتد وجهة النظر العالمية هذه التي تتمحور حول الأفراد والمجتمع وترتكز على المنافع المتبادلة، إلى خارج المنطقة. تعمل التعاونيات مع أكثر من 150 دولة، وألهمت تشكيل تعاونيات جديدة حول العالم.

2. الغاية

تشرح ريبيكا هندرسون، الأستاذة في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، في كتابها “إعادة تصور الرأسمالية في عالم يحترق” (Reimagining Capitalism in a World on Fire)، أن: “الإدراك الجماعي الواضح لأهداف الشركة الذي يتجاوز جني الأموال، والمتأصل في القيم المشتركة والراسخ في استراتيجية الشركة وتنظيمها هو عنصر أساسي لإعادة تصور الرأسمالية. … إن بناء مؤسسة تحركها غاية صادقة يعد بحد ذاته فعلاً يخلق قيمةً مشتركةً”. تتجاوز غاية الشركة تحقيق الربح حين تكون مدمجة بعمليات الشركة، وتصير بذلك سمة أخرى من سمات الشركات التجديدية.

اقترح رائد الأعمال راي أندرسون في عام 1994 أن تصبح شركة الأرضيات الأميركية إنترفيس (Interface) التي أسسها إحدى أول الشركات المستدامة بيئياً والإصلاحية في العالم. مذكور في موقع الشركة على الإنترنت: “كان هذا طموح لم يسمع به أحد من قبل، لكنه مهد لنا الطريق لنصبح الشركة التي يحركها هدفها والتي نحن عليها اليوم. هدفنا تخفيض آثار أعمالنا وعملياتنا على هذا الكوكب. نحن دليل حي على أن تغييراً بسيطاً – وتحديد أهداف عظيمة – يمكن أن يكون قوةً في سبيل الخير”.

واصلت الشركة وضع أهداف صارمة لإنتاجها، تشمل تخفيض الضغط على مدافن النفايات إلى الصفر، وتخفيض استخدام طاقة الوقود الأحفوري والمياه المعالجة  وانبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصفر أيضاً. لتحقيق هذه الأهداف، أصبحت من المؤيدين الرائدين لممارسات الاقتصاد الدائري، فأوجدت قيمةً اقتصاديةً من خلال جعل إعادة التدوير جزءاً من دورات حياة منتجاتها.  على سبيل المثال، كانت شركة إنترفيس (Interface) رائدةً في عملية استعادة السجاد القديم الذي يستبدَل على أرضياتها غالباً، وتحلله، وتستخدم المواد الكيميائية الناتجة كمواد أولية لإنتاج سجاد جديد منها أو تدعيمه. قلل ذلك مساحة مدافن القمامة، وألغى الحاجة إلى إجراء تعدين إضافي واستهلاك قدر أكبر من الوقود الأحفوري لتوليد مواد جديدة. تسعى شركة إنترفيس اليوم إلى أن تكون تجديدية. إذ تصرح على موقعها “مهمتنا هي التغلب على أكبر تحدٍ يواجه البشرية وعكس ظاهرة الاحتباس الحراري، لم يعد يكفي الحد من الضرر الذي نسببه بل علينا التفكير في طريقة لعكسه. نريد استعادة كوكبنا وترك أثر إيجابي، لتحسين المناخ فيصبح ملائماً للحياة”.

3. المنتجات

تحقق الشركة التجديدية هدفها من خلال إنشاء منتجات أكثر مسؤولية اجتماعياً وبيئياً. مثل الحديد الذي يعد بين أكثر ثلاث منتجات صنعت في العالم إنتاجاً للكربون. إحدى البدائل له “الحديد الأخضر”، الذي لا تصنعه إلا الشركة السويدية ساب (SAAB). تصنِّع شركة ساب الحديد باستخدام مزيج مبتكر من الكهرباء المولدة من الطاقة المائية والهيدروجين الذي ينبعث ثاني أكسيد الكربون من عملية تصنيعه بنسبة أقل بـ 98% مقارنةً بطريقة تصنيع الحديد المعتادة، مدفوعةً بتركيز الاتحاد الأوروبي على إزالة الكربون وبطلب العملاء.

كما أن أثر المواد البيولوجية البيئي أقل بكثير، تعد جزيئات الكربون المكون الأساسي لهذه المواد التي تستطيع الشركات زراعتها، وتسميد التربة بها في نهاية عمرها الإنتاجي. تشيد الشركات في أوروبا وكندا الآن مبانٍ يصل ارتفاعها إلى 24 طابقاً باستخدام إطارات خشبية ثقيلة ومكونات بناء. ومن الأمثلة على ذلك برج هوهو فيينا (HoHo Vienna)، أطول برج خشبي في العالم. تقطع الشركات الهياكل الخشبية في المصنع وتعدها للأنظمة الجاهزة، لتخفض قدراً كبيراً من إنتاج النفايات وتكاليف العمالة. كما يؤدي استخدام الأخشاب المقطوعة بطريقة مستدامة إلى دعم الوظائف طويلة الأمد في المناطق الريفية وتعزيز سلامة الغابات.

4. الإجراءات

إن الإجراءات التي تتبعها الشركات في تصنيع منتجاتها تمثل رسالتها، وإن أفضل الشركات تكون إجراءاتها أنيقة وفعالة ومتعاطفة وتعزز المشاعات الاجتماعية والبيئية. مثل شركة أيروفارمس (Aerofarms)، وهي شركة زراعية عمودية حضرية تتمثل مهمتها في “زراعة أفضل النباتات التي يمكنها زراعتها لتحسين حياة البشرية”. تؤسس مزارعها في المجتمعات منخفضة الدخل التي تحتاج إلى تأمين وظائف والحصول على الغذاء الصحي، وتزرع الغذاء في بيئات خاضعة للرقابة، إذ تستهلك مياهاً أقل من المزارع التقليدية بنسبة 95% ولا تستخدم مبيدات حشرية. تمزج إجراءاتها بين علم الوراثة النباتية والأمن الغذائي والتغذية وعلم البيانات لتوفر مستوى استثنائي من التقييم، الذي يزيد بدوره جودة الغذاء والتغذية ويخفض التكاليف. زرعت حتى هذا التاريخ أكثر من 550 نوع من الأطعمة، ويمكنها إنتاج الغذاء على دار العام.

5. العنصر البشري

كتبت شارون سالزبيرغ المؤسِّسة المشاركة لمؤسسة إنسايت ميديتايشن سوسايتي (Insight Meditation Society)، وديانا كالثورب روز الرئيسة المؤسِّسة لمؤسسة غاريسون إنستيتيوت (Garrison Institute) في مقال افتتاحي لمجلة “نيوسويك” (Newsweek) نشر عام 2021: “وجد استقصاء حديث أن نسبة 93% من الموظفين في مجال الرعاية الصحية يعانون من التوتر، و 86% منهم يعانون من القلق، و82% منهم يشعرون بالإرهاق العاطفي، و 70% منهم يعانون من مشاكل في النوم، و 76% يعانون من الاحتراق الوظيفي. من الذي سيهتم بمقدمي الرعاية، حتى يتمكنوا من مواصلة رعاية الآخرين؟”.

تعزز الشركات التجديدية ثقافةً تساعد الموظفين على الازدهار من خلال تقديم عمل هادف وتعويضات منصفة، والأهم من ذلك، دعماً عاطفياً واجتماعياً في مكان العمل. تقترح شارون وديانا أن تدريب المرونة القائم على التأمل (CBRT) قد يساعد في تحسين رفاه الموظفين ومرونتهم. يستخدم هذا التدريب أدوات مثل التأمل والإجراءات النفسية والاجتماعية ليساعد في تشجيع الموظفين على التحلي بالوعي حول الضغوطات التي يواجهونها، ويقدم وسائل لاستعادة التوازن النفسي والمعيشي، ويشدد على أهمية التواصل الاجتماعي. إن تدريب الموظفين على فهم هذه الاحتياجات وتلبيتها يعزز رفاههم، وهو شرط لسعادة الموظف وتحليه بتفكير تجديدي.

تعد مؤسسة سيرفيسِس فور ذي أندرسيرفد (Services for the Underserved – SUS) نموذجاً لمؤسسة تتبع هذا النهج، وهي مؤسسة غير ربحية تدعم العيش المستقل لضحايا العنف المنزلي، والأشخاص الذين يطلق سراحهم من السجن، والأشخاص الذين يتعافون من الأمراض العقلية، وغيرهم. فهي تقدم تدريب المرونة القائم على التأمل لموظفيها لمساعدتهم على التعامل مع الصدمات النفسية غير المباشرة التي يتلقونها من العملاء، وتخفيض الاستنفاذ ومعدل الدوران الوظيفي، وتحسين رفاه العمال ورضاهم الوظيفي.

6. الشراكة

لكل شركة شبكات تعامل تجاري، تشتري كل منها الموارد والخدمات من بعض الموردين، وتبيع المنتجات والخدمات لآخرين.  تحرص معظم الشركات على الحصول على أفضل سعر أثناء إجرائها هذه المعاملات، حتى لو كانت تضغط على الطرف المقابل أو تستنزفه. وبخلاف ذلك، تقيم الشركات التجديدية شراكات وشبكات علاقات تهدف إلى تحقيق تقدم بمهمة كل مؤسسة منها وزيادة مرونتها. توفر أفضل الشراكات منافع متبادلة بهدف التعزيز المتبادل.

وتحسن الشراكات المثلى – التي تغذيها النزاهة، والهدف المشترك، والجدارة بالثقة، والكفاءة – الاستقرار المؤسَّسي وتشجع الابتكار. يسمي المحاسبون هذه الصفات ” الأصول غير الملموسة” ويقدرونها على أنها “سمعة تجارية”. عندما لا يثق الشركاء في شركة أو في منتجاتها، تنخفض قيمة سمعتها التجارية انخفاضاً حاداً. على سبيل المثال، بعد فترة وجيزة من شراء شركة الأدوية الألمانية باير (Bayer) المنتجات الزراعية لشركة مونسانتو (Monsanto) لتنوِّع عروض منتجاتها، انخفضت قيمتها السوقية بأكثر من 20 مليار دولار. كان جزء كبير من خسارتها في شهرتها التجارية، وذلك نتيجةً لخسارة شركة مونسانتو لملياري دولار في دعوى قضائية رفعت ضدها بسبب تأثيرات قاتل الحشائش راوندأب (Roundup) الذي تنتجه المسببة للسرطان.

من ناحية أخرى، استفادت شركة الصناعات الدوائية روش (Roche) استفادة كبيرة من الشراكات القائمة على المنفعة المتبادلة. فمثل معظم شركات التكنولوجيا الحيوية، يرد أعلى مصدر دخل لشركة “روش” عادةً من تحقيقها براءات اختراع.  تدير عدة أقسام بحث وتطوير لتنمية رأس مالها الفكري، معززةً بشبكة تضم أكثر من 150 مؤسسة شريكة خارجية. إذ ترد 40% من مبيعات شركة روش من أنشطة البحث والتطوير التي ينفذها شركائها. لتحقيق ذلك، تخلل كل جزء من أعمال الشركة ثقافة تسعى إلى الشراكة التي تشجع الابتكار وتراعي الدقة العلمية وتشارك القيم المشتركةً. على مدار السنوات التسعة الماضية، انتخبت شركة روش الشريك المختار الأول بين باحثي الأدوية.

7. الأرباح

ترتكز القدرة التجديدية للشركة على فلسفتها حول الغاية من نموها وأرباحها. تنظر الشركة التجديدية إلى الربح كمورد لدعم هدفها، والاستثمار في الأبحاث، والمشاركة في شبكات العلاقات، وتطوير منتجات جديدة، وتعزيز إجرائياتها، وتكوين أرصدة احتياطية لزيادة مرونتها، والاستثمار في موظفيها، ودعم رفاههم ورفاه المجتمع.

إن السؤال الأصعب هو كيف يجب على الشركات توزيع أرباحها. يفترض نظامنا الاقتصادي الحالي أن الأشخاص الذين يعملون بجد لجعل الأفكار المبتكرة شركات ناجعة والأشخاص الذين يستثمرون في هذه الشركات يستحقون أكبر قدر من العائد الاقتصادي. لكنه يفترض أيضاً أن الاستثمار الذكي هو سبب كافٍ للربح، حتى لو كان يعوق رفاه البشر والطبيعة.

لبناء شركات تجديدية فعلاً، يجب علينا تطوير نماذج تخصيص الأرباح التي تدعم رفاه الأنظمة التي تعد جزءاً منها. هذا يقودنا إلى مسألة الملكية. يقارن كولين ماير أستاذ الدراسات الإدارية في كلية سعيد للأعمال في جامعة أكسفورد، في ورقته البحثية “المالك والوكالة والوصاية”، بين النماذج المختلفة لملكية الشركات ويخلص إلى أن الملكية ليست مجرد مجموعة حقوق، بل هي مجموعة التزامات ومسؤوليات تجاه الناس والكوكب. علينا توسيع مفهومنا لتخصيص الأرباح ليشمل خدمة التزاماتنا ومسؤولياتنا.

أحد أشكال الملكية المحتملة والمثيرة للاهتمام لخدمة المشاعات هو “صندوق الهدف”، الذي يتحمل المسؤولية الائتمانية لهدف الشركة. حولت شركة بيريت كولر (Berrett-Koehler -BK)، وهي ناشرة أعمال تركز على الرسالة، ملكية مؤسِّسها الوحيدة إلى صندوق استئماني متعدد الأطراف في عام 2020. أصبح اليوم كل من المؤسِّس، ومؤسسة غير ربحية ذات صلة برسالة الشركة، وتعاونية المؤلف، وخطة ملكية الموظفين للأسهم، وغيرهم يملكون مصالح في الشركة. يضمن صندوق الهدف أن المحتوى الذي تنشره شركة بيريت كولر سيحترم رسالة الشركة وأنها ستعيد تدوير أرباحها لدعم الشركة، والمؤلفين وشركاء سلسلة التوريد في بيئة عملها.

يمتلك الصندوق أيضاً الشركة الهندسية العالمية أروب (Arup)، التي خُصِّصَت أرباحها لخدمة ثلاث أهداف: تحسين البنية التحتية للشركة، وتطوير الأبحاث التي تحسن ممارسات الشركة، ومعالجة قضايا اجتماعية، وتقاسم الأرباح مع جميع الموظفين.

في الوقت الحاضر، تؤدي العديد من الشركات إلى تدهور المشاعات العالمية بدلاً من تجديدها. تتحلى الشركات الريادية بالمرونة لتجربة ونمذجة طرائق للتفكير والعمل التي تنثر بذوراً لمستقبل متجدد أكثر. إذا أضفينا على أنظمة شركاتنا التسليم بأن أنظمتنا الاجتماعية والبيئية مرتبطة ببعضها، والهدف الراسخ بعمق في العمليات التجارية بطرائق تعزز رفاه البشر والطبيعة، وتكريس الأرباح للتقدم بتحقيق هذه الأهداف، تصبح الشركات قوةً لتحقيق التجدد. لا توجد شركة واحدة، أو قائد، أو كاتب، أو مؤسَّسة، أو كلية، أو جهة تنظيمية تعرف الشركات التجديدية تعريفاً شاملاً، لكن يمكننا معاً إفساح مجال للفكر والعمل الذي قد يبتكر هذا التعريف.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.