ما هو الابتكار المقتصد؟ وكيف يمكن للمنطقة العربية الاستفادة منه؟

الابتكار المقتصد
shutterstock.com/Vanatchanan
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الابتكار المقتصد وسيلة للوصول إلى الفئات المهمشة من خلال تقديم خدمات بسيطة نتجت غالباً عن الضرورة ونقص الموارد. وينظر هذا النوع من الابتكار إلى التحديات المجتمعية كنقاط انطلاق للحلول الفريدة من خلال تقليل تعقيد الخدمة، أو إزالة الميزات غير الأساسية.

تحقيق المزيد بموارد أقل

تحقيق المزيد بموارد أقل (Do More with Less)، هذا ما يعمل عليه الابتكار المقتصد، وبذلك لا يعني مجرد تقديم شيء جديد، وإنما ابتكار ما يفيد شريحة واسعة من الأشخاص بموارد متاحة تسهل عليهم الوصول إلى الخدمة.

قد ينجذب المستخدمون في البلدان المتقدمة إلى نوع معين من الهواتف الذكية بسبب العلامة التجارية أو التصميم أو نوعية التطبيقات المتوفرة، لكن بالنسبة إلى الدول النامية سيركز المستخدمون على عمر البطارية بسبب ضعف إمدادات الكهرباء، وتوافر مصباح يدوي مثلاً. بالتالي قيمة الخدمة تحددها احتياجات الأفراد إلى جانب عامل التكلفة بسبب انخفاض القدرة الشرائية في هذه الدول.

وقد ظهر مفهوم الابتكار المقتصد لأول مرة في مقال نشرته مجلة ذي إيكونوميست البريطانية عام 2009، فيما ارتبطت جذوره بالطفرة التكنولوجية في خمسينيات القرن العشرين، واكتسب بعدها شهرة واسعة في الهند تحت مصطلح جوجاد (Jugaad)، والذي يعني إيجاد حلول غير مكلفة بناءً على الموارد المحلية المحدودة.

الابتكار المقتصد يقع في قلب اقتصاد العصر الحالي كما وصفته صحيفة فايننشال تايمز، إذ يركز على تقديم خدمة يمكن اعتمادها بسهولة وتكييفها من قبل الأشخاص دون الحاجة إلى خبرة خاصة أو معدات أو دعم إضافي، لتحمل لهم فائدة أكبر بتكلفة منخفضة، وهو ما سمّاه الرئيس التنفيذي السابق لشركة نيسان للسيارات، كارلوس غصن، بالهندسة المقتصدة.

تحويل محدودية الموارد إلى فرص

الابتكار المقتصد أكثر بكثير من مجرد تصميم نسخة أرخص من خدمة خالية، إذ يتطلب التعمق في فهم الاحتياجات الحقيقية للمستهلكين من قاعدة الهرم، وإيجاد الفجوات التي يمكن تحويلها إلى فرص، على سبيل المثال: إنقاذ حياة الخدج من خلال محاكاة كيس الكنغر لمواجهة مشكلة نقص الحضانات في تنزانيا، إذ ثبُت أن لفّ الأطفال حديثي الولادة بقطعة قماش وملامسة جلد الأمهات ترفع معدلات البقاء على قيد الحياة، وتحسين جودة المياه في كمبوديا عن طريق مرشحات طينية تساعد على الحد من انتشار الأمراض الناجمة عن تلوث المياه.

كما تدخل ضمن أمثلة الابتكار المقتصد ثلاجة ميتيكول (MittiCool) الصديقة للبيئة التي توفر نظام تبريد عن طريق التبخر يمكن استخدامه حتى في حالة عدم توفر مصدر طاقة في الهند، وأجهزة بسيطة لغسل اليدين مصنوعة من مواد منخفضة التكلفة من أجل تحقيق وصول مستدام وأكثر إنصافاً إلى إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي المحسنة وسلوك النظافة في دارفور.

ويخدم الابتكار المقتصد المحرومين من الخدمات عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد المحلية المتاحة، لكن هذا لا يعني لبعض القطاعات مثل الرعاية الصحية التغاضي عن الجودة، فالأمر لا يتعلق بنقل التكنولوجيا إلى مجتمعات معينة بأسعار أقل، وإنما في كيفية الوصول إلى المرضى ذوي الدخل المنخفض وخدمتهم.

منهجية تفكير جديدة

خلال مشاركته في مؤتمر تيد، أوضح مؤلف كتاب “الابتكار المقتصد: كيف نفعل المزيد بتكلفة أقل” (Frugal Innovation-How to Do More With Less)، نافي رادجو (Navi Radjou)، أن الابتكار المقتصد يساعد على استخدام الوفرة في بعض المناطق للتعامل مع الندرة في مناطق أخرى.

وتحتاج الحكومات، خاصة بالمنطقة العربية، ومعها الشركات والمؤسسات غير الربحية الراغبة بالاستفادة من الاقتصاد المبتكر تبني عقلية البساطة والتكلفة المنخفضة للغاية دون التضحية بجودة الخدمات، واعتماد منهجية التفكير التصميمي والابتكار المفتوح وكذلك إنشاء مختبرات الابتكار المقتصد (Frugal Innovation Lab)، من قبيل ما قامت به شركة فورد للسيارات حين حوّلت مستودعاً لها في مدينة ديترويت الأميركية الى مختبر للابتكار، بما يتيح للموظفين قضاء وقت فراغهم في تجريب التكنولوجيات الجديدة.

تحتاج القطاعات للتخلي عن المساعي الفردية من أجل تعلم جماعي أفضل، ويمكنها الاستفادة من بعض الاستراتيجيات لتحفيز المستهلكين في قاعدة الهرم على استخدام حلول ميسورة التكلفة، واعتماد الابتكار المقتصد كطريقة لبناء مستقبل شامل ومستدام بدرجة أكبر.