3 قرارات تسهم في تمكين التعليم من كسر حاجز الفقر

معوقات التعليم
shutterstock.com/Ieva Vincer
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما التقيت نوابيزا لأول مرة، عرفت على الفور أنها ذكية وتتمتع بإمكانات كبيرة؛ فقد نشأت في مدينة بورت إليزابيث في جنوب إفريقيا، وفقدت والديها بسبب فيروس نقص المناعة المكتسب، إلا أنها كانت مصممة على خلق مستقبل أفضل لنفسها. وقد زرع كل مرشديها في عقلها أهمية ارتياد الجامعة -مثل معلمي المدرسة، والجيران، وحتى نجوم برامج التلفاز. فالتعليم بالنسبة إليها كان طريقها للتخلص من الفقر، وإنجازاتها كانت محطّ أمل الجميع، والجامعة كانت التذكرة لتحقيق هذه الرحلة! لذا، نحن في مؤسسة صندوق أبونتو التعليمي (Ubuntu Education Fund) فعلنا ما كانت أي مؤسسة لتعتقد أنه الأفضل بالنسبة إلى نوابيزا. أرشدناها للوصول إلى الجامعة. ووفرنا لها الكتب، وحصص المساعدة بعد الدوام المدرسي، والاستشارة، وكل ما تطلبه الأمر لتتمكن من دخول الجامعة. وكانت تلك لحظة انتصار في حياتها. كانت قصة نجاح مثالية، قبل أن ينقلب كل شيء رأساً على عقب.

انسحبت نوابيزا من الجامعة بعد الفصل الدراسي الأول. فهي لم تتمكن من التأقلم مع حمْل الدروس الضخم والتكيف مع الحياة الجامعية. فقد اصطدمت بـ “حاجز مزدوج” -الظروف السيئة التي ولدت وعاشت فيها والتوقعات الهائلة التي ننتظرها منها. ولم تكن هي الوحيدة التي تعاني من ذلك. فبغض النظر عن بذلنا قصارى جهدنا، كان أغلب الأطفال في المرحلة الثانوية الذين عملنا معهم يفشلون في المرحلة الجامعية أو لا يصلون إليها حتى. كانت نوايانا ودوافعنا محقة (مثل المؤسسات غير الحكومية الأخرى). فقد اعتقدنا أن دخول الطلاب إلى الجامعة كان الطريق الأكثر فعالية للتخلص من الفقر، خاصة في مجتمع ما تزال بطالة الشباب تبلغ فيه نسبة 80%. لكن اتضح لاحقاً أن هذا الطريق للنجاح كان يُثقل كاهل الطلاب -بينما كان من المفترض به أن يساعدهم على التقدم.

إن التحول عن نهجنا الأولي كان صعباً بسبب المسار السائد للنجاح، وهو دخول الجامعة ثم الحصول على عمل براتب عالٍ. إن خبراء التنمية، والآباء، وصانعي السياسات، والمانحين، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الأكاديمية، والحكومات -والمجتمع عموماً- يصفون للشباب، عن حسن نية، مجموعة محدودة من الخيارات المقبولة. فالآباء والمعلمون نتيجة حرصهم على رؤية أبنائهم وطلابهم يتغلبون على الفقر، يقومون بتوجيه هؤلاء الأبناء إلى أهداف ضيقة الأفق من المتوقع أن تعود بنتائج كبيرة. بينما يريد المانحون مساراً مضموناً للنجاح، لذا يفضلون المبادرات ذات المقاييس الملموسة، مثل برامج المنح الدراسية.

ولكننا عبر إسقاط القيمة على خيارات معينة وعدم تشجيع الخيارات البديلة الأخرى، فنحن نحدّ من احتمال نجاح الطلاب. فالأطفال الذين يعيشون في مدن جنوب إفريقيا أو غيرها من المناطق الأشد فقراً حول العالم، يبدؤون حياتهم من دون الموارد اللازمة للنمو جسدياً وعاطفياً وأكاديمياً. وإن تقييد خيارات هذه المجموعات بالإضافة إلى ظروفهم السيئة القائمة أمر مؤذٍ. لذا علينا تحرير عقولنا من المفاهيم المزروعة مسبقاً وطرح التساؤل التالي: كيف يبدو النجاح حقاً، خاصةً بالنسبة للشباب ذوي الدخل المنخفض الذين يتوجب عليهم تجاوز هذا الحاجز المزدوج لتحقيقه؟ وقد قادنا هذا التساؤل إلى إنشاء برنامج للتدريب المهني والاستعداد للعمل للشباب خارج المدرسة في بلدات مدينة بورت إليزابيث. ومن عملنا على مدى السنوات الأربع الماضية، خلصنا إلى نهج ثلاثي المحاور لكسر الحاجز المزدوج:

1. تجاوز نظام التعليم التقليدي. على الرغم من شهرة أنظمة التعليم العالي في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، تُظهر الدراسات أن 13% فقط من الأميركيين يعتقدون أن خريجي الجامعات مؤهلون بشكل كافٍ للنجاح في مكان العمل. وعلينا الإقرار بأن النظام الحالي لا يعمل، لكن علينا أيضاً القيام بما هو أكثر من دفع الطلاب نحو الحلول التي لها مردود تقليدي كبير.

بدأ العديد من الشركات والمؤسسات بعد إدراك هذا الواقع، بتوفير خيارات بديلة مبنية على المهارات للشباب غير العاملين. ونشأت مؤخراً شراكة بين مدرستي تعليم البرمجة ذا أيرون يارد (The Iron Yard) وكود فيللوز (Code Fellows)، ومؤسسة أوبيريشن هوب (Operation HOPE)، وهي مؤسسة غير ربحية للتمكين المالي. هذه الشراكة أطلقت برنامج صندوق تمويل الفرص التقنية (Tech Opportunity Fund)، وهو برنامج بقيمة 45 مليون دولار يهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى القطاع التقني بالنسبة للمجموعات غير الممثلة تمثيلاً كافياً مثل النساء وأصحاب البشرة الملونة. وفي الوقت نفسه، أسست شركة ماكنزي آند كومباني (McKinsey & Company) برنامجها الخاص لتوظيف الشباب، تحت اسم جينيريشن (Generation)، الذي يعمل على تجهيز الشباب للعمل في قطاعات سريعة النمو مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا وتجارة التجزئة والحرف الماهرة. فالاهتمام المتزايد بالتعلم غير التقليدي يتيح فرصة أكبر للشباب للنظر في خيارات مختلفة عن الجامعة لتحقيق النجاح.

2. تطوير مسارات توظيف موثوقة. في مؤسسة أبونتو وغيرها، هناك وعي متزايد باحتياجات التأقلم الفريدة للشباب الذين تم استبعادهم من عالم التطوير المهني. ويتطلب تطوير مسارات تطوير مهني مرنة وذات طابع شخصي لهؤلاء الشباب تعاون مختلف الشركات والمؤسسات غير الربحية وغيرها في جهود جماعية.

يصف مقال حديث نُشر في مجلة “ستانفورد سوشال إنوفيشن” (SSIR) كيف تبذل الشركات المزيد من الجهود للاستثمار في “فرص الشباب”، بما في ذلك تطوير المهارات الشخصية في مكان العمل وتوفير التوجيه في أثناء العمل. وهذه الطرائق الحساسة للتوظيف يمكن أن تُحدث تأثيراً كبيراً في تحقيق النجاح الطويل الأمد للشباب المحرومين. فعلى سبيل المثال، عينت شركة الاتصالات أموبيا (Amobia) الشابة أولويثو خريجة مؤسسة أبونتو، بعد أن قدمت لها تدريباً عملياً كمتدربة في القسم المالي. وهذه التجربة سهلت انتقال أولويثو إلى مكان العمل، حيث تأقلمت مع البيئة الجديدة وطورت مهارات مهمة مثل إدارة الوقت ومهارات التواصل.

يجب أيضاً على الشركات النظر في سياساتها الداخلية وإعادة تقييم إجراءات التعيين الخاصة بها. ويمكن أن تتعاون مؤسسات تنمية الشباب مع أصحاب العمل لفهم حاجاتهم وتوفير المعلومات اللازمة لعمليات التوظيف والتقييم. كما يتعين على فرق الموارد البشرية دراسة أخلاقيات العمل لدى المرشحين للوظيفة وإمكاناتهم، بدلاً من استخدام معايير قبول مادية غير مرنة التي غالباً لا تتوافق مع مسؤوليات الشاغر الوظيفي المدروس.

3. إعادة تقييم الهدف النهائي. يجب ألا يكون هدفنا النهائي محدوداً بمساعدة الشباب على تامين وظائف، بل علينا تمكينهم من تحقيق النجاح والاستدامة المالية على المدى الطويل. فالمشاكل التي يصارعها العديد من الشباب من البيئات الهشة للفترة العظمى من حياتهم -مثل الفقر والمشاكل الصحية وغياب الأمان والسكن- لا تختفي ببساطة بمجرد حصولهم على عمل. ويجب على الشباب، في سبيل التخلص من الفقر، أن يمتلكوا دعماً مستداماً على مختلف الأصعدة قبل الحصول على عمل وبعده.

في جنوب إفريقيا، حيث عملت لأكثر من 15 عاماً، يستطيع الشباب التسجيل في الكليات التقنية والمهنية منذ الصف التاسع. والمبادرات المؤسسية مثل هذه، التي هي أهم مميزات خطة التعليم الجديدة للبلاد، تقلل من خطر تسرب الطلاب من النظام التعليمي. كما أنها تمتلك إمكانات كبيرة لتقديم التدريب المهني كمسار مرموق ومثير وموثوق لطلاب المرحلة الثانوية. وإن تطبيع البدائل قد يقضي على الوصمة التي يواجهها الطلاب الذين لا ينجحون في نظام التعليم التقليدي، ويشجعهم على اتباع المسار الأنسب لهم، ما سيزيد فرصهم بالنجاح.

وجد بحثنا أن الشباب الذين يحافظون على عملهم الأول لمدة 12 شهراً يمتلكون فرصة أكبر في البقاء موظفين حتى نهاية حياتهم. ولمنع تعرض هؤلاء الطلاب للفشل، يستمر متخصصو البقاء على رأس العمل في أبونتو بالعمل معهم حتى بعد تعيينهم في الوظائف. فاللقاءات مع الموجهين، والمساعدة على التنقل، والإرشاد المهني من قبل متخصصين أمور مساعدة للغاية للموظفين الجدد الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية بعد في ديناميكيات أماكن العمل. وعلاوة على ذلك، في البيئات المنخفضة الدخل، يمكن أن تتفاقم المضاعفات الصحية و/ أو المشاكل العائلية بسرعة وتهدد قدرة الموظف على الاحتفاظ بوظيفته. والبرامج المستدامة مثل تدخلات الرعاية الصحية واستقرار الأسرة تمكن الطلاب من التغلب على التحديات المعقدة للفقر والتركيز على أهدافهم المهنية. فهذا المزيج من المساعدة المقدمة قبل التوظيف وبعده هو ما يصنع الفرق بين الحصول على وظيفة والاستفادة منها لتحقيق الاستقرار.

في حين أن التعليم العالي ينطوي على إمكانات هائلة لتحقيق مستقبل واعد، فإن الجامعة ليست الحل الوحيد. فقد انتهى الأمر بعودة نوابيزا إلى أبونتو حيث تتدرب لتصبح عاملة صنع مشروبات القهوة. وإن الشباب أمثال نوابيزا يحتاجون إلى المساحة الكافية لرسم أحلامهم الخاصة، دون التحيز للحصول على تقدير أو إنجاز أكاديمي في قطاعات تصنف على أنها خيارات “آمنة”. فعندما يتم تحريرهم من الضغوط السائدة التي تجبرهم على الحصول على تعليم عالٍ، سيمتلكون فرصة عادلة لاستكشاف كافة إمكاناتهم المستقبلية. وفي سبيل تحقيق نتائج تدوم طويلاً، علينا مواصلة الاستثمار في الفرص المتنوعة للشباب غير الموظفين، مع الحرص على فهم العوائق المعقدة التي يواجهونها بشكل أفضل، وتجهيزهم لاستكشاف الفرص التي نوفرها لهم. ففي سبيل تحسين حياتهم بشكل فعلي، علينا أن نبدأ من مراحل مبكرة ونستمر معهم حتى النهاية. عبر العمل مع المؤسسات والشركات وفاعلي الخبر والمعلمين، يمكننا إعادة تعريف قصص النجاح، كل على حدة.

 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.