دمج التعليم المدرسي والتعليم ما بعد المدرسة لتحقيق الإنصاف

التعليم الاجتماعي والعاطفي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أعقاب جائحة كوفيد-19 ومع تزايد الجهود الوطنية لمحاسبة الظلم العنصري في الولايات المتحدة، دعا كثير من المعلمين إلى زيادة التركيز على التعلّم الاجتماعي العاطفي غير الأكاديمي والارتقاء بمستوى العدالة في المدارس، وفي المقابل أثارت هذه الدعوات أسئلة حول قدرة التعلّم الاجتماعي العاطفي على تعزيز العدالة في المدارس والمجتمع، لا سيما في نتائج التحصيل العلمي الإيجابية لأبناء المجموعات العرقية الفرعية.

التعلّم الاجتماعي العاطفي يعزز العدالة في التعليم نظرياً؛ تُعرِّف المؤسسة التعاونية للتعليم الأكاديمي والاجتماعي والعاطفي (كاسل) (Collaborative for Academic, Social, and Emotional Learning – CASEL) التعلّم الاجتماعي العاطفي بأنه العملية التي يكتسب الإنسان من خلالها المهارات والمعرفة والسلوكيات اللازمة “لبناء هوية قوية وإدارة العواطف وتحقيق الأهداف الشخصية والجماعية والشعور بالتعاطف مع الآخرين وإظهاره وإقامة علاقات داعمة والحفاظ عليها وصناعة قرارات مسؤولة”. يفهم المعلمون التعلّم الاجتماعي العاطفي غالباً من خلال إطار عمل مؤسسة كاسل، الذي يقدم 5 مجالات رئيسة للكفاءة في التعلّم الاجتماعي العاطفي: الوعي الذاتي، والإدارة الذاتية، والوعي الاجتماعي، ومهارات بناء العلاقات، وصناعة القرارات المسؤولة. أظهرت البرامج التي تدعم التعلّم الاجتماعي العاطفي أثراً إيجابياً في مهارات الأطفال الاجتماعية ومواقفهم وسلوكياتهم وأدائهم الأكاديمي، وسيتمكن الأطفال من التغلب على التحيزات والأحكام المسبقة إذا استخدموا هذه المهارات باستمرار.

ولكن ماذا عن التعلّم الاجتماعي العاطفي من الناحية العملية؟

التغلب على التعصب السياسي

ازداد تسييس التعلّم الاجتماعي العاطفي والعدالة في التعليم مع تزايد التركيز عليهما، ويقول بعض منتقدي التعلّم الاجتماعي العاطفي من اليسار السياسي إن مفاهيمه الحالية وقاعدته البحثية ومناهجه الدراسية تجازف بتعزيز أوجه التفاوت الحالية، وتمثل أحد أوجه السيطرة ضمن المدرسة، وتزيد عدم الاعتراف بإنسانية الطلاب المهمَّشين وتمنح الأفضلية للثقافة المهيمنة. يسعى هؤلاء المنتقدون إلى جانب علماء التعلّم الاجتماعي العاطفي الذين يحاولون تعزيز العدالة عن طريقه لدعوة من يعتمدون التعلّم الاجتماعي العاطفي ويروجونه إلى اتباع نهج أشمل لا يركز على المهارات الفردية والمهارات القابلة للقياس وإنما على بناء العلاقات وتطوير هويات إيجابية للشباب وإنشاء مجتمعات قوية وتمكين الشباب.

في حين يقول المنتقدون من اليمين السياسي إن التعلّم الاجتماعي العاطفي يبالغ في التركيز على النواحي الشخصية المعنوية مثل تقدير الذات والسعادة، بدلاً من التركيز على النواحي العملية مثل السمعة الحسنة والميزات والانضباط الذاتي. ازدادت معارضة حزب اليمين للتعليم الاجتماعي والعاطفي مع المقاومة التي ظهرت مؤخراً لبعض الأساليب المتبعة لتحقيق العدالة في المدارس، وعلى وجه التحديد بدأت بعض المجموعات بإدخال التعلّم الاجتماعي العاطفي في الجدل الدائر حول القرارات التي تتخذها الحكومة بقيادة الحزب اليميني لمنع ما يسمى بالنظرية العرقية النقدية (التي تقول إن السلطة العرقية مستمرة مع مرور الوقت وتدعو إلى مكافحة التبعية العرقية)، وبذلك يجازفون بتقويض كل من استراتيجيات الارتقاء بمستوى العدالة والتعلّم الاجتماعي العاطفي على حد سواء. ومع معارضة كلا الطرفين في الولايات المتحدة، بات من غير المؤكد أن تحظى جهود التعلّم الاجتماعي العاطفي التي لا تركز بدرجة كبيرة على العدالة بالدعم الكافي.

ولكن ما زال لدينا ما يدعو للتفاؤل؛ اتبعت أنظمة التعليم خارج أوقات المدرسة (OST) على مدى عقود مبادئ تنمية الشباب الإيجابية على نطاق واسع، وهي تشمل التركيز على مكامن قوة الشباب وإعلاء أصواتهم ومساعدتهم على اكتساب إحساس عميق بتقدير الذات والتحكم بمسار حياتهم، ودعم مشاركتهم في مجتمعاتهم وشعورهم بالانتماء إليها وتعاونهم فيها. يركز العلماء والمعلمون والقادة الميدانيون على التعلّم الاجتماعي العاطفي العادل الذي يؤكد أيضاً أهمية بناء علاقات إيجابية مع الشباب وتوطيدها، متبعين نهجاً قائماً على الأصول، وإعلاء أصوات الشباب وتمكينهم من إحداث تغيير إيجابي لا سيما في مواجهة الظلم الاجتماعي، ويصفون مبادئ تنمية الشباب الإيجابية بأنها جزء لا يتجزأ من التعلّم الاجتماعي العاطفي العادل على الرغم من ندرة استخدامهم لهذا التعبير.

على عكس المدارس والتعلّم الاجتماعي العاطفي، نجت أوساط التعليم خارج أوقات المدرسة ونُهج تنمية الشباب الإيجابية من الاعتبارات السياسية المؤذية وجداول أعمال الإصلاح دائمة التغير والقوائم الطويلة من المعايير الأكاديمية التي يجب الوفاء بها والمجموعات المحدودة من النتائج المرتبطة بالمخاطر الكبيرة المثيرة للجدل. يثق كل من المجتمعات المحافظة المتزمتة والمجتمعات الليبرالية بدرجة كبيرة بمؤسسات خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة، مثل 4-آتش (4-H) وواي إم سي أيه (YMCA) وبويز آند غيرلز كلَبز (Boys & Girls Clubs) وبيغ براذرز بيغ سيسترز (Brothers Big Sisters)، وعدد لا يحصى من المعسكرات المحلية والدوريات الرياضية، التي حظيت باحترام جميع المنظومات السياسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، كما تعاونت عدة مناطق تعليمية كبيرة مؤخراً مع مؤسسات محلية أخرى لخدمات التعليم خارج أوقات المدرسة من أجل غرس أساليب تنمية الشباب الإيجابية في مدارسها. وبما أن التعليم خارج أوقات المدرسة أقل عرضة للتسييس فأساليبه المتبعة على نطاق واسع ترضي كِلا الطرفين، اليسار واليمين، وقد يؤدي اعتمادها في المدارس إلى تعزيز التعلّم الاجتماعي العاطفي العادل. وبالتالي، يجدر بقادة التعليم من مرحلة رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية الذين يلتزمون دمج برامج التعلّم الاجتماعي والعاطفي العادل في مجتمعاتهم الحرص على ما يلي: 1) إعادة توجيه أهدافهم الرئيسة وتركيزها على مبادئ تنمية الشباب الإيجابية، 2) عقد شراكات مع مؤسسات خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة التي بدأت بتنفيذ هذه الأهداف والمبادئ المناسبة لها بالفعل.

تعمل المدارس ومؤسسات خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة كل على حدة في خدمة فئة الشباب نفسها، ولكن يندر أن تتواصل فيما بينها أو تعمل على تنسيق النهج التي تتبعها. وعلى الرغم من التحزب السياسي المتزايد نرى بوادر خير في جهود ربط خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة بالنهج المتبعة في المدارس لتعزيز التعلّم الاجتماعي العاطفي الشامل والعادل واستدامته.

لماذا لا تتبنى غالبية المدارس أساليب التعلّم الاجتماعي العاطفي العادل؟

لماذا كان التعليم خارج أوقات المدرسة مهمشاً في أعمال المدارس الأساسية على الرغم من دعمه مبادئ تنمية الشباب الإيجابية منذ زمن طويل ومطالبات المدارس نفسها باتباع أساليب مماثلة؟ يتمثل أحد الأسباب المحتملة في أن مبادئ تنمية الشباب الإيجابية تركز على البيئات والعلاقات الداعمة في المقام الأول، وبالتالي تبقى بعيدة عن الطرق التي تتبعها المناطق التعليمية غالباً في وضع سياستها، إذ يفضل قادة قطاع التعليم عادة الإجراءات التدخلية المبنية على الأدلة السهلة التنفيذ نسبياً ولا تعتمد على مثل هذه الحالات الإنسانية الطارئة الحساسة، أو لا تعتمد عليها بصورة واضحة على الأقل، وبالتالي تكون المبادئ التي تعتمد على بناء العلاقات غير مناسبة لهم.

كما أن أساليب تنمية الشباب الإيجابية تتعارض من الناحية الفلسفية مع سياسات عدم التسامح المتبعة في المناطق التعليمية، التي تُلزِم المدارس بالاستجابة لإساءات الطلاب غير العنيفة، مثل أعمال التخريب والتمرد، بتدابير غير إصلاحية مثل الفصل المؤقت أو الطرد، وذلك يخلق عقبات سياسية رسمية تعوق اتباع هذه الأساليب. لكن حتى بعيداً عن سياسات عدم التسامح، تواجه المدارس والمناطق التعليمية عقبات ثقافية ضخمة أمام تقديم الدعم الفعال لتنمية الشباب الإيجابية، إذ تقوم ثقافة كثير من المعلمين على اتباع الممارسات التقليدية التي تعتمد العقاب والتأديب بدلاً من الاستجابة لإساءات الطلاب بأسلوب تعاوني إصلاحي. ولذلك فهم بحاجة إلى تدريب ودعم مستمرين كي يغيروا ممارساتهم؛ فتغيير العقليات والأساليب يستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب جهداً وصبراً للتأقلم. لذا وعلى الرغم من أن قادة المدارس يقولون إنهم يطبقون أحد أشكال التعلّم الاجتماعي العاطفي بصورة متزايدة فمعظمهم بعيد كل البعد عن تطبيق أساليب تنمية الشباب الإيجابية.

التعاون بين المدارس ومؤسسات خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة

على الرغم من التحديات التي تواجهنا عند تنفيذ تلك المبادئ والأساليب، من الواضح أن مبادئ تنمية الشباب الإيجابية والتعلّم الاجتماعي العاطفي متداخلة وأن كلاً من المجالين يكمل الآخر، والقوة الناتجة عن جمع هذه المبادئ كافة ليست مجرد قوة نظرية، وقد بدأت بعض المناطق التعليمية بالفعل العمل على ربط الأساليب المتبعة في المدارس وأساليب التعليم خارج أوقات المدرسة لتنمية الشباب اجتماعياً وعاطفياً. على سبيل المثال، تقيم مؤسسة كاسل مبادرة تعاون المناطق التعليمية (Collaborating District Initiative) التي تعمل المناطق التعليمية المشاركة فيها على تطبيق أساليب التعلّم الاجتماعي العاطفي بأسلوب منهجي من خلال معالجة المسائل المتعلقة بمناخ المدرسة وثقافتها والشراكة المجتمعية والحاجة إلى تقديم الدعم المتواصل والتحسين المستمر للبالغين. أدرجت هذه المناطق التعليمية التعلّم الاجتماعي العاطفي في خططها الاستراتيجية ودمجته في أولوياتها الأخرى مثل المواد التعليمية وجهود العدالة وعمليات التوظيف وتعليم البالغين، وكانت هذه الجهود نتيجة للأبحاث التي تثبت الفائدة المتبادلة بين التعلّم الاجتماعي العاطفي وتنمية الشباب الإيجابية.

فلنناقش 3 أمثلة إضافية على ذلك.

  • عملت المدارس العامة في مدينة دنفر بالتشارك مع المؤسسات التي تقدم خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة على تطوير أداة للإشراف المشترك واعتمدتها لتزويد المعلمين بالملاحظات التقويمية التي تدعم بيئات التعلّم الإيجابية. كما تعاونت هذه المؤسسات فيما بينها للمشاركة في دورات جمع البيانات والتفكير والتحسين المستمر.
  • يعمل قادة المدارس ومؤسسات خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة في مدينة تولسا بصورة دورية على مشاركة أفكارهم وأفضل الممارسات التي يتبنونها لدعم تنمية الشباب من الناحيتين الأكاديمية والشخصية، ويعتمدون في ذلك على دليل إرشادي مشترك في التعلّم الاجتماعي العاطفي يمكن تطبيقه داخل المدرسة وخارجها على حد سواء. من الأمثلة على أفضل الممارسات التي طبقتها هذه المؤسسات بدء البرنامج بنشاط أو إجراء روتيني أو مراسم ترحيبية، واختتامه بأسلوب يبث التفاؤل.
  • أقامت المنطقة التعليمية في مقاطعة بالم بيتش علاقة تعاونية طويلة الأمد مع مؤسسة برايم تايم بالم بيتش كاونتي (Prime Time Palm Beach County) المحلية لخدمات التعليم خارج أوقات المدرسة، وكانت المؤسستان حريصتَين على أن تكون مناهج التعلّم الاجتماعي العاطفي متكاملة وأن يعزز بعضها بعضاً، وتعاونتا على إنشاء أوساط آمنة وحفيّة يشعر فيها الشباب بالانتماء، وقدمتا فرص التعلم المهني للبالغين العاملين في المدرسة وفي برامج التعليم خارج أوقات المدرسة.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المجتمعات ليبرالية بدرجة كبيرة ضمن ولاية ليبرالية معتدلة (مدينة دنفر في ولاية كولورادو)، ومحافظة جداً ضمن ولاية محافظة جداً (مدينة تولسا في ولاية أوكلاهوما)، وليبرالية معتدلة في ولاية يزداد ميلها إلى العقلية المحافظة (بالم بيتش في فلوريدا)، وهذا يدل على أن التعاون بين المدارس ومؤسسات خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة مرن سياسياً وليس متحزّباً.

الشراكة الملتزمة والمدروسة بين المدرسة ومعلمي برامج التعليم خارج أوقات المدرسة هي عنصر مهم في النجاح، ويعني دعم التعاون بين القطاعات تحديد أهداف مشتركة، والمشاركة في التعلم المهني المشترك، ودمج البيانات ومشاركتها لدعم التحسين المستمر. هذه ليست مهمة سهلة؛ إذ لا نرى تواصلاً بين كثير من المدارس ومؤسسات خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة إلا فيما ندر على الرغم من أنها كلها تقدم خدماتها لفئة الشباب نفسها وفي نفس المكان غالباً، كما أن سياساتها وبناها التنظيمية الإدارية منفصلة غالباً وجداول أعمالها متباعدة جداً، ولكن نستثني من ذلك المناطق التعليمية المذكورة في هذا المقال إلى جانب عدد قليل من المناطق التعليمية الأخرى [التي يحصل كثير منها على التمويل من مؤسسة والاس فاونديشن (Wallace Foundation) عبر مبادرتها “الشراكة من أجل التعلم الاجتماعي العاطفي”].

نظرة مستقبلية

ستستفيد المدارس من زيادة التعاون مع مؤسسات خدمات التعليم خارج أوقات المدرسة لتعزيز التعلّم الاجتماعي العاطفي العادل، فهي مؤسسات شريكة غير متحيزة سياسياً وتملك خبرة في تطبيق مبادئ تنمية الشباب الإيجابية بفعالية. لكن يجب أن تعقد المدارس العزم على إزالة العقبات الرسمية التي تمنعها من تطبيق أساليب التعلّم الاجتماعي العاطفي وتنمية الشباب الإيجابية المتكاملة ودعم التغييرات الثقافية من أجل تخفيف العقبات غير الرسمية التي تحول دون استخدامها.

منذ انتشار جائحة كوفيد-19 ومع تزايد الجهود الوطنية لمحاسبة الظلم العنصري، تعمل عدة مؤسسات تعليمية على إعادة تصور سياساتها وبناها التنظيمية أو تجريب أساليب مبتكرة، ويشير قادتها الذين يعيدون النظر في أنظمة مؤسساتهم إلى أنهم يعتبرون تعزيز التعلّم الاجتماعي العاطفي والعدالة من الأولويات. نعاني اليوم انعدام اليقين بدرجة شديدة واضطرابات وتحديات سياسية كبيرة، ولكننا في نفس الوقت نشهد نهضة وأملاً نحن بأمسّ الحاجة إليه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.