كيف يمكن تحديد الاستجابات السريعة لأزمة اللاجئين؟

أزمة اللاجئين
shutterstock.com/Alex Boc
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتطلّب أزمة اللاجئين استجابات جريئة لا تُعامل المهاجرين على أنهم عبء على المجتمعات المضيفة وإنما قيمة مضافة إلى هذه المجتمعات.

أمضيتُ شهر مارس/آذار من عام 2016 في جزيرة ليسبوس اليونانيةـ التي أصبحت نقطة دخول اللاجئين الوافدين على أوروبا. ففي الأشهر السابقة، كان الآلاف، ومعظمهم من السوريين، يرسون يومياً على شواطئ الجزيرة لا يملكون إلا ما استطاعوا حمله. وهناك قابلهم أشخاص – بعضهم أخصائيون والبعض الآخر متطوعون – والذين كانوا يحاولون المساعدة في معالجة أجزاء من المشكلة التي امتدت لتتجاوز حدود الجزيرة. فهؤلاء اللاجئون كانوا ضحايا الفشل الكارثي للنظام.

من خلال عملي في دراسة المشاريع التقنية التي تهدف إلى خدمة اللاجئين، أرى الحكومات وغيرها تنفق موارد كبيرة باسم مساعدة هؤلاء الأشخاص، وخاصة بألمانيا حيث أعيش. إلا أن أسباب ما يدعى بأزمة اللاجئين معقدة وهيكلية، ويجب على الحلول أن تكون كذلك أيضاً. فمن دون فهم المشكلة بشكل منهجي، فالبرامج الفردية تعالج في الغالب أعراض المشكلة بدلاً من جذورها – أو أسوأ من ذلك، قد تكون تسهم في تفاقم المشكلة. لذا عندما قرأت هذا الكتاب، كنت آمل أن اكتسب فهماً منهجياً أعمق للأزمة.

في كتابهما “اللجوء” (Refuge)، يبدأ الأستاذان الجامعيان في جامعة أكسفورد، أليكساندر بيتس وبول كوليير، بدراسة تحليلية لجذور المشكلة. يقدمان سياقاً تاريخياً مُثقّفاً ويجادلان بأن مؤسساتنا الدولية، التي تم إنشاؤها لخدمة الأشخاص الفارين من الاضطهاد، ليست مؤهلة تماماً لمعالجة السبب الحالي لمعظم حالات النزوح، وهو عدم الاستقرار (سواء كان اقتصادياً أو بيئياً أو سياسياً).

ويتعمق المؤلفان في الوضع الأوروبي. حيث تُفتتح المقدمة برسوم توضيحية تُظهر توزيع اللاجئين في أوروبا، ويشرح أحد الفصول الإجراءات (والعثرات) المختلفة التي اتخذتها الحكومات الأوروبية في عاميّ 2015-2016. مع ملاحظات جانبية تتأسف على مدى تمركز الخطاب حول أوروبا، مشيرةً عن حق إلى أن جزءاً صغيراً فقط من النازحين في جميع أنحاء العالم وصلوا إلى شواطئ أوروبا. ويسلط المؤلفان الضوء على هذا الأمر في فصل لاحق. ويقولان بهذا الصدد “خلقت أزمة اللاجئين السوريين أول فرصة حقيقية لإعادة التنظيم، وهذا ليس بسبب شدتها غير المسبوقة، بل لأنها وصلت إلى حدود أوروبا. وبفضل ‘أزمة’ اللاجئين في أوروبا، أصبح من الممكن أخيراً إعادة النظر (في النظام)”.

إذن ما الذي يجب أن تتكون منه عملية إعادة التفكير هذه؟ يعتقد المؤلفان أن هذه العلمية يجب أن تتضمن، في عمقها، “نقلة نوعية … من التركيز على نقاط الضعف إلى التعرف على القدرات وبنائها”. وبعبارة أخرى، يجب ألا ننظر إلى اللاجئين على أنهم أشخاص سلبيون وعاجزون علينا توفير الغذاء والمأوى لهم. لأن فعل ذلك ليس مُكلفاً للغاية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تفاقم المأساة، وغالباً ما يترك اللاجئين عالقين، لعقود من الزمن أحياناً، في مخيمات “العبور” مع القليل من الحرية والقليل جداً من فرص النجاح. بدلاً من ذلك، يجب علينا تسخير المساهمات التي يمكن أن يقدمها اللاجئون للمجتمع المضيف لصالح كلا الجانبين.

هذه نقطة مهمة، على الرغم من أن بعض الأفكار التي يقترحها بيتس وكوليير للوصول إلى هذا الهدف مثيرة للجدل. فمثلاً يريان أن اللاجئين يجب أن يظلوا في الغالب في ملاجئ إقليمية – أي تلك البلدان المجاورة لمناطق الحرب، وأن الدول الغنية يجب أن تساعد بشكل أساسي بالمساعدات المالية، بدلاً من قبول أعداد كبيرة من اللاجئين. وستبدو بعض الحجج التي استخدمها المؤلفان لتبرير هذا الموقف مألوفة بالنسبة لمن قرؤوا كتاب كوليير الذي نُشر عام 2013، “سفر الخروج” (Exodus). حيث تقول إحدى الحجج إن اللاجئين السوريين مهيؤون تماماً للعمل في الأردن، التي تشبه بلدهم من الناحيتين الاقتصادية والثقافية. وعلى النقيض من ذلك، “فالمكانة المميزة لألمانيا في سوق الإنتاج العالمي غير مناسبة تماماً للاجئين من بلد فقير”.

إن أبرز ابتكار يقترحه الكتاب هو إنشاء “مناطق اقتصادية خاصة” في الملاجئ الإقليمية، ما سيساعد على خلق فرص عمل للاجئين هناك. وقد ساهم المؤلفان بالفعل في إقامة مثل هذا المشروع في الأردن. وقد يجادل النقاد بأن هذه المبادرات يمكن أن تشجع عن غير قصد الاستغلال منخفض الأجور للاجئين ويتساءلون عما إذا كانت هذه المناطق ستشكل حقاً فرقاً كبيراً عن المخيمات التقليدية التي تدوم زمناً طويلاً، خاصة إذا ما قامت أيضاً بتقييد الهجرة. وحتى بعد أن تجاهل المؤلفان مخاوف استغلال العمال باعتبارها لا تشكل مخاطرة كبيرة، فإن رؤيتهما تقوم بشكل أساسي على الاعتقاد بأن توفير الدخل – أيّ دخل – سيكون الدواء الشافي. ويبدو أن الحجة هنا هي أنه إذا كان للاجئين مصدر دخل، فإن الأبعاد الأخرى لرفاههم ستحل نفسها بنفسها، وذلك بفضل قوة السوق وروح ريادة الأعمال لدى هؤلاء اللاجئين.

أتفق تماماً مع النهج الذي يحاول تمكين اللاجئين بدلاً من مجرد توفير الحاجات الأساسية لهم. لكنني كنت أتطلع إلى إجراء مناقشة أكثر ثراءً حول ما يمكن أن يسهم أيضاً في توفير بيئة مواتية لرفاهة اللاجئين بخلاف تأمين مصدر الدخل، مثل التعليم والتدريب والخدمات الاجتماعية الأخرى. فالمؤلفان يذكران بأنه “يجب تشجيع ثقافة المساعدة الذاتية وتقديم الدعم متعدد الأوجه”، لكنهما لا يستفيضان في الحديث عنها حقاً. وما يُذكر بعدها هو رؤية ضعيفة بشكل مُحبط للتأثير الجماعي. وقبل نهاية الكتاب بقليل، يكتب المؤلفان أن المجتمع المدني “يقدم مساهمة مهمة ومُهمَلة” – لكنهما حتى تلك النقطة يتعاملان مع دور القطاع الاجتماعي بشيء ما بين اللامبالاة والتشكيك الواضح، مع بعض الإشارات السوداوية والمبهمة إلى “المصالح المكتسبة”.

إن تركيز الكتاب على السماح للاجئين بتحقيق الاستقلال الذاتي على المدى الطويل أمر مُرحب به. وكذلك الأمر بالنسبة للانتباه إلى واجب الدول الثرية تجاه الغالبية العظمى من اللاجئين في الدول الفقيرة، وليس فقط الأقلية الصغيرة التي وصلت إلى بلدانهم. لكن ميل المؤلفَين إلى تبسيط دوافع المجموعات المتنوعة، وتجاهل النتائج غير المقصودة المحتملة لمقترحاتهما، يثير بعض الشكوك حول ما إذا كانت رؤيتهما هي الرؤية المنهجية الكبرى التي يطمحان إليها.

 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.