كيف تساعد التكنولوجيا الجديدة المؤسَّسات غير الربحية؟

التكنولوجيا الذكية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعمل التكنولوجيا الذكية المدعومة من السحابة الإلكترونية على إتاحة الموارد للمؤسسات ليتسنى لها التركيز على الأعمال ذات الأهمية.

إذ أتاحت الثورة الرقمية التي بدأت قبل عقدين من الزمن للمؤسسات مشاركة المعلومات والتواصل مع أعداد كبيرة من الناس على نطاق جغرافي واسع بسرعة وبتكلفة زهيدة. لكن كلفة هذا التواصل الرقمي والسريع باهظة، حيث اقتحم العمل الحياة المنزلية وأصبح مطلوباً من الموظفين أن يبقوا على اتصال دائم بأعمالهم. فنحن مثقلون برسائل البريد الإلكتروني اليومية التي لا تنضب. وتشير الإحصاءات إلى أن العاملين الأميركيين يتحققون من بريدهم الإلكتروني بمعدل 74 مرة في اليوم.

نعيش بداية جيل جديد من التكنولوجيا الرقمية بسمات مختلفة تماماً عن الجيل الذي سبقه مثل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي التي سرعت نمط حياة العاملين، ولكن هل جعلتها أفضل؟ ستحرر هذه التكنولوجيا العاملين من قيود المهام الروتينية التي تستغرق زمناً طويلاً يصل إلى 30% من وقتهم. ويتيح ذلك الوقت للعاملين في المؤسسات غير الربحية الفرصة للتركيز على بناء العلاقات ومناقشة الأعمال وحل المشكلات الكبيرة. وذلك يعني أن العاملين سيخصصون المزيد من الوقت للأعمال المهمة والقليل منه للأعمال الروتينية.

في كتابنا الجديد “المؤسَّسات غير الربحية الذكية” (The Smart Nonprofit) عرفّنا ذلك الجيل القادم من “التكنولوجيا الذكية” على أنه عالم من التكنولوجيا يشمل الذكاء الاصطناعي وتفرعاته وأمثاله مثل تعلّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية التي تعتمد جميعها على الحوسبة السحابية. تستخدم هذه التكنولوجيا مجموعات بيانات بحجم مكتبة الكونغرس للعثور على النماذج واتخاذ القرارات عوضاً عن الإنسان. كما تستخدم المؤسسات التطبيقات التجارية الحالية لفحص السير الذاتية والإجابة عن الأسئلة المتداولة التي تستفسر عن معلومات على غرار “متى تفتح المؤسسة أبوابها؟” و”هل يتم خصم الضريبة من التبرعات؟” وتحديث الميزانيات وتنظيم الاجتماعات والبحث عن فرص الحصول على جهات مانحة تلقائياً.

وليس الغرض من استخدام التكنولوجيا في المؤسسات إنجاز المزيد من العمل على نحو أسرع، بل تحرير العاملين من المهام التي تستغرق وقتاً طويلاً والقيام بما نسميه “توزيع أرباح الوقت” أي فائض الوقت الناتج عن استخدام التكنولوجيا الذكية في تنفيذ المهام الأساسية المتكررة. ويمكن تخصيص هذا الوقت الفائض للمهام والأنشطة البشرية، مثل بناء علاقات أقوى وحل المشكلات. كما يمكن أن تتيح لنا أرباح الوقت هذه المجال لتطوير أنفسنا وجهودنا بهدف أن تعم الفائدة علينا وعلى العمل الذي نؤديه.

توضح المقالات في هذه السلسلة كيف تستخدم المؤسسات غير الربحية من الجيل التالي التكنولوجيا السحابية الذكية لرفع مستوى أدائها وجودة حياة موظفيها. فعلى سبيل المثال، تستخدم مؤسسة شير أور سترينغث (Share Our Strength) التي تعمل على إيجاد حلول للفقر هذه التكنولوجيا للحصول على أفكار حول جمع التبرعات. وتعتمد مؤسسة بارنز (Barnes Foundation) على متحفها الفني الشهير وغير الربحي لإتاحة التعليم الفني للجميع. كما تستخدم مؤسسة تشيرتي: ووتر (Charity: Water) غير الربحية التي تعمل على توفير المياه النظيفة للدول النامية التكنولوجيا الذكية لتسهيل عملياتها من أجل توفير مياه الشرب النظيفة على نحو موثوق. ويتمثل العامل المشترك بين المؤسسات غير الربحية المذكورة في هذا الملحق في وجود قيادة مؤسسية تفهم لماذا تستخدم التكنولوجيا الذكية وأين ومتى.

الاستعانة بروبوت التفاعل التعاوني مع البشر (الكوبوت)

تساعد مزايا التكنولوجيا الذكية أقسام المؤسسة كلها، من قسم الاتصالات إلى قسم المحاسبة إلى قسم تقديم الخدمات بالإضافة إلى المساعدة في تنفيذ البرنامج. ويتطلب الاستخدام الفعال لهذه التكنولوجيا فهماً عميقاً لها ولما تقدمه، كما يتطلب التفكير الاستراتيجي الدقيق حول كيفية دمجها في المؤسسة بطريقة تستخلص أفضل ما في التكنولوجيا والإنسان. تسمى ديناميكية العمل التكاملية هذه الاستعانة بروبوت التفاعل التعاوني مع البشر (الكوبوت).

فهناك بعض الأعمال المناسبة لاستخدامات الأتمتة، على غرار قص البيانات من جداول بيانات ولصقها في أخرى وتحليل البيانات الضخمة. لكن القليل من هذه الأعمال، إن وجد، يمكن تنفيذه بالكامل عبر التكنولوجيا الذكية، وتقتصر قدرات الأتمتة على تحسين سير العمل فحسب. في المقابل، وبدلاً من تنفيذ العمل نفسه على نحو أسرع وبعدد أقل من الموظفين، تشكل التكنولوجيا الذكية فرصة لإعادة تصميم الوظائف وإعادة هندسة سير العمل لإتاحة الفرصة للموظفين للتركيز على الجوانب البشرية المتميزة لعملهم التي تعد بالغة الأهمية لرسالة المؤسسات غير الربحية.

وتتطلب عملية إرساء الاستعانة بالكوبوت الوقت والدقة في التنفيذ، لكن بعد إتمام العملية بنجاح ستكون العوائد وفيرة على طاقم العمل. حيث استخلصت دراسة بحثية أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 2021 أن فوائد تطبيق الذكاء الاصطناعي تتعدى حدود الكفاءة وصناعة القرار، إذ لمس أكثر من 75% من طاقم العمل تحسناً في معنويات الفريق والتعاون والتعلم الجماعي. وتشير هذه التغيرات الكبيرة في ثقافة الشركة إلى ما يمكن جنيه من التوظيف الاستراتيجي والمدروس للتكنولوجيا الذكية. وكما أوضح الرئيس التنفيذي العالمي في مؤسسة تشيرتي: ووتر، كريستوف جوردر في مقاله: تتطلب ثقافة الشركة التي تتبنى استخدام التكنولوجيا الذكية فهماً لفرص ومخاطر استخدامها.

إذ تتيح التكنولوجيا الذكية الفرصة لإعادة هندسة سير العمل لتمكن للموظفين من التركيز على الجوانب البشرية المتميزة لعملهم التي تعد بالغة الأهمية لرسالة المؤسسات غير الربحية.

ويتطلب الانتقال إلى التكنولوجيا الذكية من القادة البحث في سلبيات الأتمتة واتخاذ خيارات أخلاقية حول استخدام التكنولوجيا الذكية لاستخلاص أفضل ما في العاملين وليس استبدالهم. لذلك نعتقد جازمين أن استخدام التكنولوجيا الذكية على نحو فعال يمثل تحدياً قيادياً وليس تقنياً. يتطلب نجاح عملية دمج التكنولوجيا الذكية ضمان قادة المؤسسات غير الربحية أن مؤسساتهم:

  • تضع الإنسان في صلب اهتماماتها وتضمن دائماً أن الأولوية للإنسان. وهذا يعني أن العاملين فيها مدربون على فهم التكنولوجيا الذكية واستخدامها جيداً، وأن المستفيدين يعرفون كيف يتفاعلون مع التكنولوجيا الذكية ومتى يتفاعلون معها ومتى يتفاعلون مع الموظفين.
  • على اطلاع دائم، وذلك نظراً لتأثير التكنولوجيا الذكية البعيد المدى الذي لا يقف عند قسم تكنولوجيا المعلومات وحده. فعلى القادة في مجلس الإدارة وفي المناصب التنفيذية العليا وطاقم العمل فهم ماهية التكنولوجيا الذكية وإدراك آلية عملها. وبمجرد توظيف التكنولوجيا في الأنظمة، يحتاج القادة إلى توخي الحذر بشأن إذا ما كانت هذه التكنولوجيا تعمل على النحو المنشود أو ظهور تداعيات غير مقصودة، وما هي نظرة العملاء والمستخدمين النهائيين لهذه الأنظمة.
  • تتمتع بحسن التدبير، يجب أن يفهم القادة متى يتم التحيز في البيانات أو الخوارزميات المستخدمة لتحليل تلك البيانات. ليس من الضروري أن يكونوا مهندسين ولكن يجب أن يتحلوا بالتفكير النقدي والشك في الافتراضات التي تكمن وراء الرموز ومصادر مجموعة البيانات. كما يجب اختيار أنظمة التكنولوجيا المتوافقة مع قيم المؤسسة والموردين والاستشاريين عبر عملية مدروسة وتشاركية. وتحديداً أنظمة التكنولوجيا الذكية التي تتضمن تحيزاً عرقياً أو نوعياً فهي من صنع البشر في نهاية المطاف. ويتعين على قادة المؤسسات التحقيق في مدى تحيز هذه المنتجات وأخذ زمام المبادرة في التخفيف من أضرارها المحتملة.

البداية

يتنامى تبني الشركات للتكنولوجيا الذكية على نحو متسارع، وتعود هذه النزعة لانخفاض تكلفة التكنولوجيا بالتزامن مع زيادة استخداماتها التجارية. فالتكنولوجيا التي كانت متاحة فقط لوكالة ناسا قبل بضع سنوات هي نفسها التي يمكن للمتاحف والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات غير الربحية من جميع الأحجام استخدامها اليوم. وهذا يعني أن التكنولوجيا الذكية لم تصبح فقط مكوناً أساسياً لعمل المؤسسات بل للمؤسسات ذاتها.

وفيما يلي عرض موجز لطريقة بدء مؤسستك استخدام التكنولوجيا الذكية:

حدد المشكلات المستعصية لمعرفة حالات الاستخدام المناسبة، يجب أن تركز على المجالات التي يمكن للتكنولوجيا الذكية أن تتولى فيها المهام الروتينية والتي يمكن أن تبسط أعباء العمل الخارجة عن نطاق السيطرة وتخفض جهد طاقم العمل وحجم الضغط الملقى عليه. حدد بدقة المهام والقرارات التي سيحتفظ بها طاقم العمل والمهام التي سيتم تشغيلها تلقائياً عند تنفيذ النظام. ويتضمن ذلك تحديد كيفية الإشراف على عملية الأتمتة من قبل شخص لديه خبرة في هذا المجال.

اختر التقنية الذكية المناسبة لأداء العمل، وتأكد أن المنتج أو النظام الذي تختاره سيخلق التوازن الصحيح بين عمل الكوبوت وعمل الموظفين. احرص على ضمان توافق الافتراضات المسبقة في التكنولوجيا الذكية مع قيم مؤسستك. بالإضافة إلى ذلك تأكد من توزيع المهام التي تتطلب التعاطف والحدس للموظفين ومهام مثل إدخال البيانات أو تحليل مجموعة البيانات المتعددة إلى التكنولوجيا الذكية وليس العكس.

قم بإنشاء دورة محمودة من الاختبار والتعلم والتحسين. اخطُ بحذر وبطء لأنه قد يكون من الصعب إصلاح أضرار الأتمتة بمجرد تشغيل التكنولوجيا الذكية داخل المؤسسة. ابدأ ببرنامج تجريبي لتجربة النظام الجديد بالإضافة إلى سير العمل وذلك لاختبار الافتراضات والأهداف.

تتمتع الحوسبة السحابية والتكنولوجيا الذكية بالقوة والإمكانات التي تمكننا من قلب صفحة عصر الانشغال المحموم وعقلية الندرة. نحن على أعتاب حقبة جديدة تمتلك فيها المؤسسات غير الربحية الوقت للتفكير والتخطيط وحتى الحلم.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً