سلسلة تغيير الأنظمة: ما هي العناصر المؤثرة في إحداث التغيير الاجتماعي؟

إحداث التغيير
unsplash.com/Julius Vincent
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة “تغيير الأنظمة”، التي تحدثنا في جزئها الأول عن إعادة تأهيل الأراضي المملوكة للدولة في عدة مناطق هندية والعوائق والتحديات التي تواجهها، وسنتطرق في هذا الجزء إلى العناصر الفاعلة في هذه العملية ودورها في إحداث التغيير المطلوب.

ونظراً لأن العوائق التي ذكرناها في الجزء الأول كانت تتجاوز منطقتي أوديشا وراجاستان في الهند، فإن تطوير إدارة أفضل للأراضي المملوكة للدولة كان يتطلب أكثر من مجرد تحديد الحلول المحلية؛ لقد كان أيضاً مسألة التعرف على العقبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومعالجتها مما جعل تنفيذ الحلول الإبداعية أمراً صعباً وبالتالي كان من الصعب أيضاً تعزيز الإدارة الجماعية للموارد. إنه نهج على مستوى الأنظمة، يحتاج إلى تحديد النطاق الكامل للجهات الفاعلة والمصالح والمؤسسات ذات الصلة بتحدٍ معين يواجه إدارة الموارد. من هم الفاعلون ضمن كل نظام؟ من هم الداعمون ووسطاء النفوذ على مختلف المستويات؟ وكيف نطور إطار عمل محدداً يساعد في إشراك أولئك الذين لديهم تأثير محتمل لتحويل النظام نحو ما يخدم مستخدمي الموارد الأشد فقراً والذين يتم تهميشهم عادة؟

تطلبت الإجابات عن بعض هذه الاستفسارات توسيع نطاق تفكيرنا، ولكن نظراً لأن المبادرات مصممة صراحة لتعزيز الشمولية والحوار، فقد كانت في وضع مثالي لإشراك المزيد من أصحاب المصلحة. لقد عزز تحليلنا فكرة أن إحراز تقدم في معالجة تحديات الإدارة على نطاق واسع يتطلب بناء شبكات تضم على نحو فعال كلاً من أصحاب المصلحة الذين يعملون على تطوير الحلول بالإضافة إلى أصحاب المصلحة المشاركين في إدامة ديناميكيات القوة والحوافز الاقتصادية والعوائق المؤسسية أمام التغيير. لا توجد جهة فاعلة واحدة لديها القدرة على تجديد نظام المصالح ووجهات النظر والأهداف المتنافسة، واستبعاد الجهات الفاعلة المهمة، بغض النظر عن الدور الذي تلعبه، سيتسبب في ترك المشاكل الأساسية مثل اختلال موازين القوى والحوافز الاقتصادية المنحرفة، كما هي دون تغيير.

تطوير دليل للفرق الميدانية

بناءً على هذه الأفكار، عقدنا سلسلة من ورش العمل في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب من عام 2021 لتطوير دليل للفرق الميدانية التي تجري “تحليل تغيير الأنظمة”. ومع ذلك، بدلاً من توليد أفكار حلول محددة، شددت ورش العمل على تنفيذ إطار عمل يمكن أن يقدم تغييرات على مستوى النظام، ضمن قيود معينة لسياقات حالة المشاركين. ففي الجلسات الأولى مثلاً، تم تشجيع المشاركين الذين يعملون على المشكلات الخاصة بالولاية على عدم التفكير في الإصلاحات ولكن طُلب منهم وصف الغرض والسياق من أهدافهم، وتحديد مجموعة الجهات الفاعلة المشاركة وأنماط تأثيرها، وتلخيص الحواجز الرئيسية والفرص لتحسين إدارة الموارد. فقط عندما أصبح لدى المشاركين فهم قوي لكيفية عمل العديد من الجهات الفاعلة معاً لإحراز تقدم على نطاق أوسع، بدأت ورش العمل بحث المشاركين على التفكير في طرق ملموسة للمضي قدماً من خلال طرح أسئلة مثل: ما هي المشكلة وما هي أسبابها الجذرية؟ ما هو النظام الذي نرغب في امتلاكه وكيف يمكننا الوصول إليه؟ من الذي نحتاج إليه للمشاركة وكيف؟

عقدت ورش العمل على ثلاثة مراحل، وعملت بالتتابع من خلال الأطوار الثلاثة لحل المشاكل على نحو تعاوني التي وضعها تعاون (CoRe)، وهي: الإصغاء والحوار والاختيار.

طور الإصغاء: ما هو الهدف؟ ما هي الإمكانيات؟ ما هي الوقائع؟

الخطوة 1: تحديد الهدف والسياق لتغيير الأنظمة. يطور المشاركون هدفاً شاملاً مشتركاً، بما يتضمن المشكلة الأساسية التي يرغبون في معالجتها وأسبابها وعواقبها وسياق نظام الموارد الأوسع.

الخطوة 2: تحليل الفاعلين المفتاحيين في النظام. بعد تطوير هدف مشترك، ينتقل المشاركون إلى تحديد العلاقات بين مختلف أصحاب المصلحة على مستويات مختلفة في نظام مواردهم. يتم وضع أصحاب المصلحة على محور مزدوج، ثم يتم تمييزهم بناءً على مستوى تأثيرهم ودعمهم لتغيير الأنظمة.

طور الحوار: ما هي أولويات التغيير؟ من هم الفاعلون الذين سيدعمون هذه الأولويات ومن سيعارضونها؟

الخطوة 3: تلخيص كيف يحدث التغيير في النظام. بناءً على فهمهم لنظام الموارد وسياقه، يطور المشاركون فهماً لكيفية حدوث التغيير على مستويات متعددة. وعلى وجه التحديد، يقومون بتحديد النتائج المساهمة، أو التغييرات في سلوك الجهات الفاعلة المفتاحية التي ستساعد على تحقيق هدفهم المشترك.

الخطوة 4: استخلاص العوائق والمسارات والإمكانات المستقبلية لتغيير الأنظمة. بعد أن اكتسبوا فهماً لكيفية حدوث التغيير، يناقش المشاركون العوائق الثابتة -مثل تلك الناشئة عن مؤسسات وجهات فاعلة محددة- لتحقيق النتائج المرجوة والمسارات للتغلب عليها.

طور الاختيار: ما الذي سنفعله؟ هل سيحقق هدفنا؟

الخطوة 5: تخطيط إجراءات لبناء تحالفات رابحة لدفع تغيير الأنظمة. في الخطوة قبل الأخيرة، يبدأ المشاركون في تطوير خطط للعمل. مستخدمين معرفتهم الجديدة بالنظام، يبدأ المشاركون في تحديد مهام الحياة الواقعية والأدوار التي يحتاجون إلى لعبها لتحقيق التغيير، مما يضع لهم نقطة انطلاق محددة للسعي في سبيل تغيير الأنظمة

الخطوة 6: تقييم الإجراءات الصالحة والتكيف مع الحفاظ على التعاون وتوسيع التأثير. ومع اتّضاح نتائج العمل التعاوني وظهور فرص وعوائق جديدة، تقوم الفرق بتكرار الخطوات الخمس المذكورة سابقاً لصقل فهمهم وتحديثه وتكييف استراتيجيتهم وفق ما يتطلبه الوضع الراهن.

إن تحليل تغيير الأنظمة مناسب خصيصاً للتحديات المعقدة الواسعة النطاق مثل إعادة إحياء الأراضي المملوكة للدولة. عملية ربط أصحاب المصلحة، على سبيل المثال، تخلق مساحة للعمل المتعمد: من خلال تحديد الجهات الفاعلة المشاركة في نظام موارد ما، يتضح عندها هذا النظام الغامض والمفهوم لا شعورياً (والمليء بالبنى التنظيمية التحفيزية المختلفة). وبمجرد استيعاب النظام، يمكن للشركاء البدء بتحديد الجهات الفاعلة التي تحتاج إلى تغيير السلوكات بشكل ملموس وتحديد كيفية القيام بذلك. هذا التحليل لا يساعد الجهات الفاعلة على فهم مناطق تواجد المعوقات في نظام ما فحسب، إنما يساعدها أيضاً على فهم كيفية تحدي علاقات القوة الراسخة والتحيزات المؤسسية التي عادةً ما تتسبب في عزل الجهود للتأثير على النظام.

بالطبع، يواجه التحليل على مستوى الأنظمة تحدياته الخاصة. عندما يكون لدى الشركاء المحتملين أهداف مؤسساتية مختلفة، فإنهم يخاطرون بالعمل على تحقيق أهداف متعارضة. لكن وجود الملاحظات المتباينة لا يمنع إمكانية التنسيق والمواءمة. يتمثل التحدي في التأكيد على الهدف المشترك الأكبر بدلاً من التركيز على مجموعة ضيقة من الأهداف التي تنطبق فقط على مجموعة محددة من الجهات الفاعلة. إذا كان هناك توافق ومواءمة، حتى بين الجهات المتعارضة، فهناك إذاً طريقة لتحقيق التقدم. في ولاية أوديشا، على سبيل المثال، تم التخطيط للتواصل المنسق مع مسؤولي السياسات على مستوى الولاية والممثلين الرسميين، بهدف تسريع الاعتراف بحقوق المجتمع في الانتفاع من الغابات، مدعوماً بالجهود المبذولة لإحراز تقدم على هذه الجبهة باعتبارها قضية ذات أهمية سياسية. أما في ولاية تشهاتيسجاره، فتتضمن خطة العمل جهوداً مشتركة لوضع قرارات الحكومة ضمن النطاق العام، وذلك لتعزيز التنسيق بين الإدارات ذات الصلة وتعزيز تحملها للمسؤولية. بينما تتضمن الخطط في ولاية أندرا براديش جهوداً جديدة للوصول إلى مسؤولي إدارة التعدين، مع الاعتراف بتأثير هذه الوكالة الحكومية على إدارة الإيرادات وخطط التنمية ذات الصلة.

حيث تعمل المنظمات غير الحكومية المحلية على توسيع نطاق مبادراتها واستهداف النتائج على مستوى الأنظمة بسرعة وبمستوى تنسيق يفوق الجهود السابقة بكثير، وذلك من خلال التزام الوضوح بشأن العوائق الملموسة المتعددة التي يواجهونها، وكذلك كيفية إشراك جهات فاعلة محددة عبر اتخاذ إجراءات مخطط لها جيداً. أما حالياً، فتسعى مؤسسة (FES) مع 91 من المنظمات غير الحكومية الشريكة، إلى تحقيق أهداف مبادرة (ذا بروميس أوف كومونز) في أكثر من 33,500 منطقة مأهولة يصل عدد سكانها إلى 18.6 مليون نسمة من سكان الريف. وفي حين أن هذا لا يزال جزءاً بسيطاً من السكان الريفيين البالغ عددهم 350 مليون شخص، والذين يعتمدون على الأراضي المملوكة للدولة في الهند، فإن المبادرة تسير على مسار للوصول إلى نقطة تحول في التغيير خلال العقد الحالي.

تم تمويل هذا البحث من قبل برنامج البحث حول السياسات والمؤسسات والأسواق” (PIM) التابع لمؤسسة (CGIAR).

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.