المبادئ الأربعة للقيادة المدفوعة بالأهداف

مجالس الإدارة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بالتزامن مع الوعي المتزايد في بلادنا تجاه الفروقات المنهجية والعميقة السائدة والذي يحفز آراءً طال انتظارها حول حاجة المؤسسات للتغيير وكيفية تحقيقه، يطرح القطاع الاجتماعي أسئلة مهمة حول من وماذا نحتاج في سبيل المضي قدماً في التقدم. فعلى سبيل المثال: هل تُعتَبر مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية، بشكلها الحالي، مُجهزةً لحُكم مؤسسات الصالح العام الاجتماعية التي هي مسؤولة عنها؟

يعتقد البعض أن هذه المجالس مليئة بالعيوب للحد الذي يمنعها من أن تكون جزءاً من الحل، إلا أن الكثيرين متشوقون لتفعيل مجالس الإدارة وتمكينها لتصبح كيانات قيادية كما ينبغي أن تكون في سبيل تطوير إمكانيات القطاع الاجتماعي وتسريعها لتحقيق تأثير إيجابي. بصفتي قائد مؤسسة “بورد سورس” للعمل الخيري (BoardSource)، ليس من المستغرب أن أؤمن بشدة بأهمية وإمكانات مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية. بينما تؤمن بورد سورس أيضاً أن مجالس الإدارة ليست في موضع جيد لتقودنا كمجتمع نحو مستقبل أكثر إنصافاً، كما هي الحالة في بورد سورس ذاتها. وهو ما دفعنا إلى التفكير بعمق حول سبب هذا الأمر وما الذي يتطلبه للتغيير.

حالة مجالس الإدارة في يومنا هذا

إن مجالس الإدارة هي بنية قيادية مثيرة للاهتمام وفريدة من نوعها. فهي تمتلك سلطة كبيرة، ولكن كمجموعة فقط، نظراً لأنه لا يمكن لأي عضو مجلس إدارة أن يتخذ أية قرارات بمفرده. إنهم يقعون فوق الهيكل التنظيمي وخارجه على حد سواء، ويلعبون دور من يتحمل المسؤولية أمام من هم خارج المؤسسة وكذلك من هم داخلها. وباستثناء المعايير الأساسية لكل ولاية أميركية حول الإرشادات الهيكلية، فإن لدى هذه المجالس هيكلاً مرناً تماماً، تحكمه فقط لوائحها الداخلية، والتي يحق لكل مجلس تغييرها بنفسه.

لكل هذه الأسباب مجتمعة، يمكن إعادة تصميم مجلس إدارة ما بطرائق متعددة، طالما توجد الرغبة الجماعية لفعل ذلك. هذا هو مكمن الجمال والتحدي في هياكل مجالس الإدارة: فمجلس الإدارة فقط لديه القدرة على تغيير نفسه، ويمكن لمجلس الإدارة تفسير توقعاته الخاصة بأدواره ومسؤولياته وتطبيقها. تمتلك مجالس الإدارة آلية تحمل للمسؤولية في ذاتها بأغلب الطرائق المهمة. يمكن أن تعمل هذه الهيكلية بطريقة رائعة أو أن تفشل فشلاً ذريعاً، اعتماداً على كيفية اختيار أعضاء مجلس الإدارة وانضباطه.

 

نتيجة لذلك، تميل المجالس إلى تحديد مسؤولياتها الأساسية بنفسها، وتنظيم نفسها وفق تفسيرها المنفرد لما هو أكثر أهمية. على سبيل المثال، عندما تعتبر مجالس الإدارة نفسها هيئةً لجمع الأموال قبل أي شيء آخر، فمن المحتمل أن يتم اختيار أعضائها على أساس تسهيل الوصول إلى الثروات والشبكات الثرية. ولكن ماذا يحدث عندما يشترك مجلس الإدارة الموجه نحو جمع الأموال في العمل الاستراتيجي الذي يتطلب فهماً عميقاً للعمل الذي تقوم به المؤسسة والمجتمع الذي تسعى إلى خدمته؟ أو عندما يقوم بتعيين مسؤول تنفيذي في وضع جيد لكسب ثقة أصحاب المصلحة التنظيميين والحفاظ عليها؟ أو اتخاذ قرارات مؤسسية صارمة تحتاج إلى اعتبارها صالحة من قبل الناس والمجتمعات المتأثرة بعمل المؤسسة؟ ماذا عن مجلس الإدارة الذي يرى نفسه في المقام الأول على أنه هيئة إشراف مالي أو قانوني ولكنه غير مجهز للتعامل مع التحديات الأكثر استراتيجية التي لا بد أن يواجهها مجلس الإدارة؟

في هذه السيناريوهات، تجد المؤسسات نفسها أمام خيارين إشكاليين للغاية:

  1. تهميش مجلس الإدارة في ما يتعلق بكافة القرارات الاستراتيجية ذات الصلة، ما يترك المؤسسة معرضة بشدة لخسارة الرئيس التنفيذي أو للفشل أمام تحديات القيادة؛ أو
  2. جعل القرارات تُتّخذ من قبل مجلس إدارة غير مُطّلع، وهو أمر يمثل تحدياً في أي سياق، ولكن تكون المخاطر كبيرة على الأخص عندما تفكر في إمكانية إحداث تأثير سلبي على مجتمعنا الأكثر ضعفاً وتهميشاً.

وفق دراسة بعنوان القيادة وفق نية التي أجرتها مؤسسة بورد سورس مؤخراً، حيث تضمنت الدراسة استقصاءً شمل أكثر من 800 رئيس تنفيذي ورئيس مجلس إدارة لجمعيات خيرية عامة، ظهر أن مجلس إدارة المؤسسات غير الربحية حالياً:

  • منشغلة بجمع التبرعات قبل كل شيء: عند السؤال عن مدى أهمية أداء مجلس الإدارة، عبر 18 مجالاً من مجالات مسؤولية مجلس الإدارة، صنف 70% من الرؤساء التنفيذيين جمع التبرعات على أنه “مهم جداً” – أعلى من معظم الفئات الأخرى المتعلقة بأداء مجلس الإدارة (بما في ذلك التفكير بطريقة استراتيجية كمجلس، وتحديد الاتجاه الاستراتيجي للمؤسسة، ومعرفة البرامج المؤسسية، وفهم السياق الذي تعمل فيه المؤسسة).
  • غير متصلة بالمجتمعات والأشخاص الذين تخدمهم: قال نصف الرؤساء التنفيذيين (49%) أنهم لا يملكون أعضاء مجلس الإدارة المناسبين “لتأسيس الثقة مع المجتمعات التي يخدمونها”. فقط ثلث مجالس الإدارة (32%) تضع أولوية عالية على “معرفة المجتمع الذي تخدمه”، وحتى أقل من ذلك (نحو 28%) تضع أولوية عالية على “المشاركة ضمن المجتمع الذي تخدمه”. (وتجدر الإشارة إلى أن هذا السؤال لم يكن تصنيفاً مفروضاً، ما يعني أن المستجيبين للاستقصاء لم تقتصر خياراتهم على مجال واحد “ذي أولوية عالية”، وكانوا قادرين على تحديد أولوية عالية لأي من المعايير المدرجة.)
  • غير مطلعة على بيئات العمل التي تعمل فيها مؤسساتها: تقول 25% فقط من مجالس الإدارة أن “المعرفة بعمل المؤسسة أو مجالها” تمثل أولوية عالية في تعيين أعضاء مجلس الإدارة، و11% منها فقط تعطي أولوية عالية “لخبرات الأعضاء السابقة أو الحالية مع مؤسسات أو في مهمات مماثلة”.
  • ينقصها التنوع العرقي والإثني: لا يقتصر الأمر على أن مجالس الإدارة من أصحاب البشرة البيضاء (78% من أعضاء مجلس الإدارة من البيض و19% من المجالس كلها بيضاء)، ولكن مجالس الإدارة التي تفتقر إلى التنوع العرقي / الإثني تقوم بالإبلاغ الذاتي عن أن التركيب العرقي / الإثني لمجالسها يؤثر سلباً على قدرتها على فهم بيئة عمل المؤسسة وعملها، وعلى جذب المواهب والاحتفاظ بها على صعيد كل من مجلس الإدارة والموظفين، وعلى تعزيز مكانة المؤسسة مع الممولين والمتبرعين والجمهور العام، كما يؤثر على فهمها لأفضل طريقة لخدمة المجتمع، ويعيق تنمية الثقة مع المجتمع الذي يتم خدمته.

القيادة المدفوعة بالأهداف

نحتاج إلى إجراء محادثة أكثر صراحةً حول ماهية العمل الأساسي لمجلس الإدارة وكيف يجب أن يتغير تكوين المجلس حتى نتمكن من دعم هذا العمل المهم. كما نحتاج إلى توجيه جديد للدور القيادي لمجلس الإدارة، وهو أمر تطلق عليه مؤسسة بورد سورس اسم “القيادة المدفوعة بالأهداف لمجلس الإدارة”، وهي عقلية تتميز بأربعة مبادئ أساسية مترابطة ويعزز بعضها بعضاً، وتحدد الطريقة التي يرى بها مجلس الإدارة نفسه وعمله:

  • الهدف قبل المؤسسة جعل هدف المؤسسة ذو أولوية أعلى من المؤسسة نفسها.
  • احترام بيئة العمل: الاعتراف بأن إجراءات المؤسسة يمكن أن تؤثر إيجاباً أو سلباً على بيئة العمل المحيطة بها، والالتزام بأن تلعب المؤسسة دوراً محترماً ومسؤولاً في بيئة العمل هذه.
  • عقلية الإنصاف: الالتزام بتحقيق نتائج عادلة ومُنصفة، ومساءلة وتجنب الطرق التي قد تؤدي بها استراتيجيات المؤسسة وعملها إلى تعزيز مظاهر عدم المساواة المنهجية.
  • صوت وسلطة محقة: الاعتراف بأن القوة التنظيمية والصوت يجب أن يتم تفويضهما من قبل أولئك المتأثرين بعمل المؤسسة.

الهدف قبل المؤسسة

جرت العادة أن تُعتبر مجالس الإدارة “مدفوعة بالمهمات”، ما يعني أن مجلس الإدارة مسؤول عن ضمان أن المؤسسة تقوم بعمل جيد يساعدها على تحقيق هدفها ورسالتها. ولكن في حين أن الهدف الأساسي لأن يكون المجلس مدفوعاً بالمهمات هو دور المؤسسة في فعل الخير، فإننا نعتقد أن مجالس الإدارة بحاجة إلى إعادة التركيز على الهدف: السبب الأساسي لوجود المؤسسة.

نحن في مؤسسة بورد سورس نرى أن الرؤية والرسالة والقيم هي العناصر الأساسية للهدف:

  • الرؤية: الحالة التي نرغب في الوصول إليها مستقبلاً.
  • الرسالة: دور المؤسسة في العمل في سبيل تحقيق رؤيتها.
  • القيم: المبادئ والمعتقدات التي تقود عمل المؤسسة في سبيل القيام برسالتها.
  • الهدف: سبب وجود المؤسسة في العالم، وهو مزيج من مفاهيم الرسالة وقيم المؤسسة في السعي لتحقيق الرؤية.

قد يبدو هذا التمييز وكأنه عبارة عن شكليات، لكنه في الواقع تحول عميق وموضوعي. يدور إطار عمل مجلس الإدارة التقليدي حول المؤسسة ورسالتها، مع وجود المؤسسة في مركز عالمها ومجال نفوذها الخاص. إن تطبيق مفهوم “الهدف قبل المؤسسة” يبتعد عن اعتبار المؤسسة مركز الثقل، ويعيد التركيز على هدفها ومسألة كيف يمكن أن تشرف على مواردها بشكل أفضل في خدمة هذا الهدف.

عندما يتم خدمة هدف المؤسسة من خلال شيء لا يخدمها بشكل مباشر أو غير مباشر – أو حتى قد يكون يعمل ضدها – يصبح التمييز بين دور مجلس الإدارة التقليدي والمجلس المدفوع بالهدف واضحاً تماماً:

  • إطار العمل التقليدي لدور مجلس الإدارة: تعمل خدمة مجلس الإدارة على خدمة مؤسسة تسعى إلى تعزيز الصالح العام. إن مجلس الإدارة مسؤول بشكل أساسي عن دعم واستدامة المؤسسة وقدرتها على الاستمرار في خدمة مهمتها.
  • القيادة المدفوعة بالأهداف:يتم تشغيل خدمات مجلس الإدارة بما يخدم هدف المؤسسة. ويعتبر مجلس الإدارة مسؤولاً بشكل أساسي عن إدارة القدرات التنظيمية ومضاعفة التأثير الإيجابي بما يخدم ذلك الهدف الرئيسي أو القضية الرئيسية.

ويعد واجب الولاء أحد واجبات مجلس الإدارة القانونية الأساسية الثلاثة، وهو منظور قانوني يهدف إلى تجنب خدمة المصالح الذاتية أو تضارب المصالح. ومع ذلك، فمن الناحية العملية، غالباً ما يتم تفسير واجب الولاء على أنه مسؤولية التفكير في المؤسسة فقط عند اتخاذ القرارات الإدارية. يدفع هذا التفسير أعضاء مجلس الإدارة إلى تركيز ولائهم على المؤسسة بوصفها كيانا اعتبارياً، دون وجود مبرّر لذلك. بيد أن الأحرى بمجالس الإدارة تركيز ولائهم على هدف المؤسسة أو سبب وجودها، أي الإخلاص للغاية التي رأت النور لخدمتها- ومن ثمَّ – للأشخاص والمجتمعات التي تؤثّر قراراتهم فيها. إن الأفضل بالنسبة للهدف والمجتمع ليس دوماً الأفضل بالنسبة للمؤسسة.

خذ بعين الاعتبار مؤسسةً تعمل على مبادرة متعلقة بالصحة العامة للمساعدة على تثقيف المجتمع حول اللقاح. إذا أظهرت مجموعات المناقشة المركزة أن اسم المؤسسة أو شعارها يتسبب في إرباك الجمهور أو يؤثر سلباً على رسالة الحملة، سيشعر الطاقم بالإحباط بالتأكيد. وإن تغيير الإعلانات سيخلق تكاليف إضافية ويسحب العناصر الدعائية الإيجابية للمؤسسة. إذا طرح الموظفون السؤال على مجلس الإدارة، فإن أي مجلس إدارة مدفوع بالأهداف سيضمن أن المحادثة لن تدور فقط حول الميزانية ولكن حول ما سيمكّن المؤسسة من تحقيق هدفها الأساسي على أفضل وجه. بل أكثر من ذلك، لن تسمح المؤسسة  للفوائد التي تجنيها من  تمييز علامتها التجارية بأن تقف حجر عثرة أمام القيام بأفضل ما هو ممكن لخدمة غايتها.

  • مهام مجلس الإدارة التقليدي: ما هو أفضل نهج يمكن أن تتبعه مؤسستنا؟
  • مهام مجلس الإدارة المدفوع بالأهداف: ما هو الأفضل لتحقيق النتائج الاجتماعية التي نسعى لها؟

احترام بيئة العمل

إن السياق الذي تشتغل فيه المؤسسة مهم للغاية، سواءً في بيئة السياسة العامة، أو في العلاقات بين المؤسسات وبرامجها، أو في بيئة التمويل، أو ببساطة من خلال الوجود المشترك في ذات البقعة الجغرافية. إلا أن الوعي بهذه الديناميكية لا يشكل غالباً أولويةً على مستوى مجلس الإدارة لفهمها ومعرفتها. عندما يتم اختيار أعضاء مجلس الإدارة في المجالات المتعلقة بالرقابة القانونية والمالية بناءً على خبراتهم الفنية وقدرتهم على تقديم الأموال وجمع التبرعات، يمكن لأعضاء المجلس أن يركزوا على أضيق مفاهيم حوكمة مجلس الإدارة ورقابة الأمانة المهنية، مع مفهوم محدود لمتابعة عمل المؤسسة (والسياق الذي تشتغل ضمنه). وهذا الأمر مشكلة حقيقية.

تعمل العديد من مجالس الإدارة على معالجة نقص الوعي ببيئة العمل من خلال تعليم مجلس الإدارة وتعريفهم على البرامج، لكن المعارف غير المباشرة ليست كافية. تحتاج مجالس الإدارة إلى امتلاك منظور. تعتبر معرفة بيئات العمل التي تشتغل فيها المؤسسة أمراً أساسياً، ولكن لا يكفي معرفة من هم اللاعبون الآخرون في المجال. يجب أن تقر المؤسسات بأن كلاً من مؤسساتنا هي جزء من مجموعات غير رسمية (أو رسمية) تعمل على معالجة التحديات المجتمعية وتأثيراتها؛ حيث تؤثر اختيارات وإجراءات المؤسسات الفردية على القوة الكلية وعلى نجاح بيئة العمل. وكما هو الحال في الطبيعة، عندما تتسبب مؤسسة ما بزعزعة بيئة العمل، يكون لهذا الأمر تأثير ملموس للغاية. يجب أن تفهم المؤسسات ومجالس إدارتها كيف يمكن لأفعالهم أن تزعزع بيئة العمل وأن ينظروا إلى التأثير على بيئة العمل كجزء من عملية صناعة القرار الخاصة بهم. فإذا كان قرار ما جيداً بالنسبة للمؤسسة وسيئاً بالنسبة لبيئة العمل، يجب على مجلس الإدارة المدفوع بالهدف أن يتوقف ويفكر في اتباع طريق جديد.

أحد الأمثلة قد يكون مؤسسة تبحث عن موقع جديد لتنفيذ برامجها على أرض الواقع. عند النظر في المواقع المحتملة، تقوم المؤسسة بتحديد موقع مثالي وفق كافة معاييرها. لكنه قريب جداً من مؤسسة أخرى. بالنسبة للمؤسسة الأكبر والأكثر موارداً من بين هاتين المؤسستين، فإن اعتمادها لهذا الموقع سيجعل من الصعب على المؤسسة الأخرى الاحتفاظ بالمشاركين في البرنامج والممولين. يسعى مجلس الإدارة المدفوع بالهدف إلى فهم الاضطراب الذي قد يسببه هذا الأمر للمؤسسة الأخرى والسؤال عما إذا كان هذا الموقع سيخلق أفضل نتيجة ممكنة لبيئة العمل العامة.

  • ينطلق مجلس إدارة تقليدي من السؤال التالي:  كيف يمكن لهذا الأمر أن يؤثر على مؤسستنا؟
  • ينطلق مجلس إدارة مدفوع بالأهداف من السؤال التالي: كيف سيؤثر هذا الأمر على جميع اللاعبين والديناميكيات داخل بيئة العمل الخاصة بنا؟ هل سيساعدنا – كبيئة عمل – على تحقيق أفضل النتائج؟

عقلية المساواة

إن دور مجلس الإدارة في تعزيز المساواة ليس أحادي البعد بل ينطوي على تبني عقلية المساواة في جميع أعماله وفي عملية صناعة القرار. لا تتعلق عقلية المساواة فقط بالتخصيص المدروس للموارد داخل المؤسسة، والإشراف الممنهج الذي يستجوب النتائج المتباينة بناءً على العرق والتراكيب السكانية الأخرى، وتكوين مجلس الإدارة المتنوع والشامل، ومشاركة السلطة مع فريق الموظفين – ولكنها بالتأكيد كل هذه الأشياء مجتمعة.

تؤدي مجالس الإدارة دوراً حاسماً في مساعدة المؤسسات على فهم السياق الذي تعمل فيه وأفضل السبل لتحديد أولويات الموارد والاستراتيجيات بناءً على هذا الواقع. ويعجّ نظامنا الأميركي بالفوارق الناجمة عن الاختيارات المتعمدة والمنهجية المصممة لإفادة البعض وإلحاق الضرر بالآخرين. إن الوعي بكيفية تأثير عدم المساواة المنهجية على مجتمعنا – وعلى أولئك الذين تسعى برامج المؤسسة إلى خدمتهم – يخلق فرصاً قوية لتعميق تأثير المؤسسة، وتعزيز أهميتها، والنهوض بالصالح العام. بل على العكس من ذلك، يمكن أن يؤدي نقص هذا الفهم إلى استراتيجيات معيبة والضرر على المشاركين الممنهجين والمجتمع ككل.

تتأسس عقلية المساواة على الوعي بعدم المساواة الممنهجة وتُلزم المؤسسة بتعزيز المساواة في كل ما تفعله. يتضمن ذلك التحقيق في الأساليب التي ربما تكون المؤسسة قد أخفقت بها في الماضي ويستخدم النتائج المتقدمة في تحقيق المساواة كشاشة لتفحّص جميع عمليات صنع القرار التنظيمية.

خذ على سبيل المثال مؤسسة لديها برنامج تطوير وظيفي كبير وممول جيداً. نتيجة لتصنيف التقييمات الممنهجة حسب العرق، تعلم المؤسسة أن برامجها فعالة للغاية مع المشاركين أصحاب البشرة البيضاء ولكنها غير فعالة غالباً مع المشاركين أصحاب البشرة الداكنة. عندما تتم مشاركة هذه البيانات مع مجلس الإدارة المدفوع بالهدف، سيقوم المجلس بطرح أسئلة عميقة حول مستقبل هذا البرنامج. كما سيحمل المجلس نفسه وطاقم الموظفين مسؤولية الإنصات بعمق للمشاركين في البرنامج من أصحاب البشرة السمراء وتطوير استراتيجية تغيير بناءً على ذلك. قد تؤدي هذه الجهود إلى إعادة تصميم البرنامج أو إلى إقامة شراكة منهجية مع مؤسسة أخرى (مع الموارد اللازمة لدعم البرنامج ودعم الشراكة). قد ينظر مجلس الإدارة حتى في الانتقال الممنهج إلى مؤسسة أخرى أكثر ملاءمة لتشغيل برنامج الخدمة في المنطقة. وعلى الرغم من الحوافز المالية للحفاظ على الوضع الراهن، فإن عقلية المساواة تعني إعطاء الأولوية لتلك الاستراتيجيات والتكتيكات التي من شأنها تعزيز المساواة، حتى لو تطلبت أخذ مخاطرات تنظيمية أو تكبد خسائر.

  • ينطلق مجلس إدارة تقليدي من السؤال التالي:  كيف ستعمل استراتيجيتنا على تعزيز مهمتنا؟
  • ينطلق مجلس إدارة مدفوع بالأهداف من السؤال التالي: كيف سيحقق هذا القرار أو الاستراتيجية نتائج أكثر مساواة؟ هل هناك طرق من شأنها أن تعمّق عدم المساواة الممنهجة، وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي نرغب في فعله لتجنب ذلك؟

سلطة وصوت مشروع

يعكس القادة الفرديون الذين يؤلفون مجالس الإدارة للمؤسسات غير الربحية قيم المؤسسة ومعتقداتها حول من يجب تمكينه وتكليفه بأهم قراراتها. عندما يتم شغل مجالس الإدارة بطريقة تفصلهم عن المجتمعات التي تعمل مؤسساتهم على خدمتها، فهذا يشير إلى أن المؤسسة لا تعمل بشراكة مع المجتمع الذي تسعى إلى خدمته. بل أسوء من ذلك، قد يعني الأمر أن المؤسسات ترى في انفصالها عن المجتمع طريقة عمل مقبولة تماماً.

نحن في بورد سورس نعتقد أن مجالس الإدارة تتحمل مسؤولية إشراك ومشاركة السلطة مع المستهدفين بمبادراتها، حتى على مستوى مجلس الإدارة. لا يكفي أن تكون لمجالس الإدارة نوايا حسنة أو أن تكون على دراية جيدة بحاجيات المجتمعات التي تخدمها؛ بل هي مطالبة بتحمل مسؤولية التعامل مباشرة مع أولئك الذين يسعون إلى خدمتهم بطريقة تضمن اتخاذ القرارات التنظيمية في سياق الفهم الحقيقي لأصول المجتمع واحتياجاته وتفضيلاته وتطلعاته. وهذا يتطلب الإنصات العميق لاحتياجات المشاركين في البرنامج وخبراتهم، إلا أنه يتجاوز ذلك بكثير. وكما أوضح جيم تايلور من بورد سورس مؤخراً: “لا يتعلق الأمر فقط بالبصيرة والمنظور – إنه يتعلق أيضاً بالسلطة. يجب على مجالس الإدارة تجاوز طلب المدخلات من أولئك الذين لديهم خبرة معيشية ذات صلة – بل تحتاج إلى مشاركة السلطة من خلال ضمان تضمين هذه التجارب الحية في تكوين المجلس نفسه – مع جميع الحقوق والمسؤوليات والسلطات التي تتطلبها عضوية مجلس الإدارة”. نعلم من خلال الدراسة التي أجريناها مؤخراً بعنوان القيادة مع النية أن هذا الأمر بعيد كل البعد عن واقع مجالس الإدارة في يومنا هذا، كما هو موضح أعلاه.

في أحد الأنشطة التي نفذتها بورد سورس مع رؤساء تنفيذيين ومدراء تنفيذيين لبعض المؤسسات غير الربحية، طلبنا من القادة التفكير في سيناريو افتراضي – لكنه واقعي للغاية – حيث تعاني فيه مؤسسة تنمية مجتمعية لمعرفة أفضل السبل لخدمة جمهورها في سياق الاستطباق السريع المجحف الذي يهجر مجتمعات أصحاب البشرة الملونة. لقد قمنا بدعوة المشاركين للتعامل مع الأسئلة المطروحة على مستوى مجلس الإدارة التي ستظهر في هذا السيناريو ضمن مجموعات صغيرة وقدمنا لمحة عن مجلس الإدارة وعن كل عضو من أعضائه. ومع ذلك، فقد حجبنا عمداً معلومة حيوية عن المشاركين: لقد قدمنا لهم ملفين تعريفيين لمجلسي إدارة مختلفين اختلافاً جذرياً. حصلت بعض المجموعات على ملف تعريف لمجلس إدارة يتضمن أصواتاً متنوعة من المجتمع؛ بينما كان لدى المجموعات الأخرى ملف تعريف لمجلس إدارة يسيطر عليه أفراد لا تجمعهم أي صلة بالمجتمعات المستهدفة، بما فيهم بعض أصحاب المصلحة الجليّة في المشاريع التنموية التي كانت تتسبب بالاستطباق.

بعد أن أمضوا قليلاً من الوقت يعملون معاً في مجموعات صغيرة، طلبنا منهم التفكير في قدرة مجلس الإدارة الذي بين أيديهم – استناداً إلى كيفية ملء شواغره – على اتخاذ القرارات التنظيمية وتمثيلها للجمهور وأصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك شبكات الأخبار المحلية. بدأت الغرفة بالضجيج؛ حيث تشاركت بعض المجموعات عدم ارتياحها مع ملف تعريف مجلس إدارتها (“لدينا مجموعة من المطورين والمصرفيين في مجلس إدارتنا الذين يستفيدون من تطوير هذا الحي. لكن لا يوجد شخص من الحي ذاته. وهذا الأمر لن يبدو جيداً”.)، ثم بدأنا نسمع المشاركين من كافة أنحاء الغرفة يقولون “تمهلوا لحظة، ما الذي تتكلمون عنه؟ يوجد لدينا العديد من أفراد مجلس الإدارة من الحي”. في تلك اللحظة، أدركت المجموعة الكاملة – ضمن مجموعاتهم الصغيرة – أنهم تلقوا ملفي مجلسي إدارة مختلفين اختلافاً جذرياً. ثم تحدثنا عن كيف ولماذا تعد الاختلافات في تشكيل مجلس الإدارة قضية فارقة. لاحظ أحد المشاركين أن مجلس الإدارة الذي يتألف بشكل أساسي من المطورين والمصرفيين سيعتبره الكثيرون مجلس الإدارة “الأفضل”، مستندين بشكل أساسي إلى أهداف وافتراضات متعلقة بجمع الأموال، وكيف سيكون في المقابل غير مهيئ لاتخاذ قرارات تنال ثقة المجتمعات المستهدفة. لتظهر هزات الرأس الموافقة في أرجاء الغرفة. ثم تحدثنا حول الثمن الذي ندفعه مؤسسات ومجتمعات عندما تكون مجالس الإدارة مشكّلة بهذه الطريقة.

إن صوت وسلطة المجتمع ضمن مجلس الإدارة أمر أساسي. بل إنها آلية أساسية لنيل الثقة المطلوبة للقيام بعمل مؤسسات القطاع الاجتماعي والحفاظ عليها.

  • ينطلق مجلس إدارة تقليدي من سؤال: ما هو الأفضل برأينا*؟ (*دون تفكير واعٍ في تأثير الانطلاق ّممن نكون نحن في تشكيل رؤيتنا للأمور)
  • ينطلق مجلس الإدارة المدفوع بالأهداف من:  هل تم اختيار أعضاء مجلس إدارتنا بطريقة تكفل تخويلنا السلطة من المجتمعات التي تتأثّر مباشرةً بمبادرتنا وبما يضمن تمثيلها فيها؟ هل نحن نفعل كل ما بوسعنا لنستمع لما يخبرنا أصحاب المصلحة الممنهجين لدينا على أنه الأمر الأهم؟

نظرة فاحصة حول القيادة المدفوعة بالأهداف: مؤسسة ذا ميوزيم أوف أس (The Museum of Us)

تعد مؤسسة ذا ميوزيم أوف أس في سان دييغو مثالاً حياً على القيادة المدفوعة بالأهداف. قررت هذه المؤسسة تغيير اسمها بعد اشتغالها  لأزيد من 40 عاماً تحت اسم مؤسسة ميوزيم أوف مان بسان دييغو (San Diego Museum of Man)، و10 سنوات من العمل المدروس لتصفية ممارستها من النظرة الاستعمارية.  جميع المبادئ الأربعة لقيادة مجلس الإدارة المدفوعة بالأهداف تعمل في إطار هذا التحول المؤسسي:

  • الهدف أولاً | من الجلي أن ذا ميوزيم أوف أس تضطلع بدورها كمؤسسة تروم توسيع الرؤى وإنارة العقول حول التجربة البشرية. لقد كانوا على استعداد لاتخاذ قرارات مهمة لوضع الهدف أولاً، حتى مع تقديم مستوى معين من التضحية المؤسسية.
  • عقلية المساواة | بدأت الجهود لتحرير ذا ميوزيم مع الوعي بأن العديد من الموارد الثقافية التي تديرها المؤسسة يتم الحصول عليها بطرائق إشكالية للغاية. ونتيجة لذلك، كانوا بحاجة إلى العمل لإعادة المتعلقات التي سُرقت بشكل أو بآخر من أصحابها الشرعيين. أدى ذلك إلى مجموعة أوسع بكثير من مبادرات إنهاء الاستعمار التي أصبحت تشمل الآن ما هو أبعد من الموارد الثقافية مثل المعارض والبرامج التعليمية التي تقيمها ذا ميوزيم، والتسويق، والحوكمة، والموارد البشرية، وحتى ممارسات جمع التبرعات. وأصبح السؤال الذي يدفع المؤسسة هو: هل تسهم أي ممارسة معينة – بشكل مباشر أو غير مباشر – في المشروع الاستعماري والقمع المنهجي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن للمؤسسة أن تعمل بأفضل شكل ممكن لتغيير ذلك بالشراكة مع المجتمعات التي تسعى لخدمتها؟
  • سلطة المجتمع وصوته | كانت ذا ميوزيم أوف أس عازمةً على الاستماع ومشاركة السلطة مع المجتمع، وتجلى ذلك في كل من قراراتها حيال تغيير اسم المتحف ومبادراتها الجارية لإنهاء الاستعمار. لقد استمعوا عن كثب إلى تعليقات المجتمع خلال عملية إعادة التسمية ووضعوا مجتمعات السكان الأصليين في مقعد القيادة للإدلاء برأيهم حول أفضل السبل للتعامل مع ممتلكاتهم التي يديرها المتحف دون موافقة واضحة.
  • الوعي ببيئة العمل | إن مؤسسة ذا ميوزيم لاعب متفكر في بيئة العمل. أحد الأمثلة على ذلك هو ممارسة الاعتراف بالأرض التي أقامتها المؤسسة، والتي تعترف بأن المتحف يقع على أرض الأجداد المغتصبة لشعوب كوماياي (Kumeyaay) الذين عاشوا هناك منذ زمن بعيد. توجد إقرارات أحقية الأرض في مدخل المتحف، وفي المعارض، وعلى الموقع الإلكتروني، وفي توقيعات البريد الإلكتروني للموظفين، وتُذكر في بداية الجولات، وأثناء البرامج العامة، والمقابلات الإعلامية، وفعاليات جمع التبرعات، وقبل الاستشارات المختلفة واجتماعات مجلس الإدارة. هذه الإقرارات هي الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل أكثر شمولاً يقضي على المحو المستمر لأصوات الشعوب الأصلية وحياتها وتاريخها على مستوى العالم.

نظرة مستقبلية على مجالس الإدارة المدفوعة بالأهداف

يمكن لقيادة مجلس الإدارة المدفوعة بالهدف أن تغير الطريقة التي يتم بها شغل مقاعد مجالس الإدارة، ويمكن أن تساعد مع مرور الوقت على جذب القادة الذين يستمدون الدافع والإلهام من المبادئ المدفوعة بالأهداف والتخلص تدريجياً من أولئك الذين يميلون لتسيير الأمور وفق مسار مخالف لذلك. توضح قيادة مجلس الإدارة المدفوعة بالهدف ما هو مختلف بشأن حوكمة القطاع الاجتماعي (على عكس حوكمة الشركات) وكيف تفشل الطرق التقليدية للتفكير في حوكمة المؤسسات غير الربحية في الاعتراف بالمسؤولية الفريدة لمؤسسات القطاع الاجتماعي والمجالس التي تقودها. وإن تطبيق مبادئ قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالأهداف يعني  السعي نحو هدف الصالح العام على مستوى بيئة العمل والتحول عن القوانين الحمائية والمباهاة بالذات على المستوى المؤسسي.

سيكون هذا تحولاً مثيراً وملهماً نحو تحقيق تأثير اجتماعي أكبر بالنسبة لبعض أعضاء مجلس الإدارة. أما بالنسبة لآخرين، فسيخلق الأمر إحساساً بفقدان الهوية الشخصية والوضع الاعتباري اللذان يتداخلان مع موقع المؤسسة من باقي المؤسسات التي تنافسها في المجال.

لكن قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالهدف تعكس في جوهرها تحولاً في تمثّل أدوار مجالس الإدارة وتوجهاتها باتجاه اعتبارها طريقة في الوجود والتفكير أكثر من اعتبارها هياكل إدارية أو حزمة ممارسات تقنية.  إننا أمام تغيّر جذري في بساطته: إن النقلة النوعية واسعة النطاق تجاه قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالأهداف لن تتناول فقط التحديات الحقيقية للغاية التي تواجهها مجالس الإدارة بشكلها الحالي، بل تبتكر نهضةً لمجالس الإدارة والمؤسسات المرتبطة والمترابطة بعمق في خدمتهم لتحقيق التأثير الاجتماعي الإيجابي والتغيير في خدمة المجتمع.

يمكن أن يبدأ الميل إلى قيادة مجلس الإدارة المدفوعة بالهدف من دون إجراء جماعي مبدئي من المجلس ولا يتطلب تحولات جذرية فورية في تكوين مجلس الإدارة أو قيادته – وهي متطلبات يمكن أن تعرقل أي إجراء على مستوى المجلس. بدلاً من ذلك، يمكن لمجالس الإدارة الاستفادة من مرونة هيكلية المجلس الموجود كحاوية وتبدأ ملئها بشكل مختلف بناء على فهم جديد لدور مجلس الإدارة وما الذي يتطلبه من حيث الأشخاص ووجهات النظر والعقليات اللازمة لتحقيق هذا الدور.

لا شك أنه بمقدورنا تبني قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالأهداف  لأنها مقاربة تطورية. لا يتطلب منا هدم الهياكل الحالية لمجالس الإدارات وإعادة بناء شيء جديد من الصفر. التحول نحو قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالهدف هي خطوة تحويلية، ولكن الخطوات الأولية تدريجية بما يكفي ليتمكن كل مجلس إدارة من فعل ذلك، بما في ذلك مجلس إدارتك أنت.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.